فن وأدب - مقالاتمقالات

الحيل البسطاويسية في التعاملات الطبية

قصة قصيرة هزلية

الدكتور البسطاويسي، طبيب حديث التخرج، شديد الاعتزاز بنفسه إلى حد الغرور، لم يفكر يومًا في الحصول على أية شهادات علمية إضافية، فهو يرى أن الكثيرين من حملة الماجستير والدكتوراة لا يفقهون شيئًا في الطب.

كثيرًا ما يلومه زملاؤه على سوء معاملته لأهالي المرضى، فيرد قائلا: “في ناس كده لازم تتأدب بالراحة وبالذوق”.

عندما افتتح عيادته الخاصة علق لافتة كبيرة كتب عليها: “الأستاذ الدكتور البسطاويسي كبير أطباء الأمراض الباطنة والجراحة العامة بالمحافظة”.

رأي طبي واحد لا يكفي

ذات مرة زارته في عيادته الخاصة مريضة تشكو من ضعف بعضلة القلب، وبعدما وصف لها الدكتور البسطاويسي العلاج، قفز أحد المرافقين من مقامه وقال له: “أنت مش هتعلق لها كلكوز يادكتور؟”، حاول الدكتور البسطاويسي عبثًا إفهامه أن المحاليل تشكل خطورة على حالتها، فهي قد تزيد عضلة القلب ضعفًا، إلا أن نصائحه لم تصادف سوى استهجانًا ورفضًا من مرافقي المريضة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فما كان منه إلا أن أمسك بورقة روشتة وكتب على ظهرها يصرف للمريضة محلول جلوكوز ٥ ℅ ، ثم لجأ إلى حيلة خبيثة فأخبر المرافق بعدم وجود حامل للمحاليل بالعيادة، وبالتالي يصبح لزامًا عليه أن يمسك المحلول بيده ويرفعه حتى انتهاء آخر قطرة فيه.

عندما وافق المرافق على هذه الفكرة وأمسك بالمحلول طلب منه الدكتور البسطاويسي أن يثبت تمامًا، زاعمًا أن أية حركة من يده قد تقتل المريضة، ثم قام بضبط جهاز المحلول بحيث ينتهي بعد أربع ساعات كاملة، كاد المرافق خلالها أن يجهش بالبكاء وهو يسب ويلعن تلك اللحظة التي اقترح فيها هذه الفكرة.

المريض المجادل

625 - الحيل البسطاويسية في التعاملات الطبيةمرة أخرى التف حوله أهالي أحد المرضى، كانوا قرابة العشرة أو يزيدون، أخذ بعضهم يوصيه والبعض الآخر يستعجله والبقية الباقية كانوا بين لائم ومستفسر، ظلوا على هذه الحالة قرابة الساعة الكاملة حتى فاض به الكيل.

فنظر في ورقة كانت في يده متظاهرًا بقراءته أحد تحاليل المريض، ثم نظر إليهم بحزم شديد وقال: “المريض محتاج نقل دم عاجل، عايزين ست أكياس دم على الأقل، مين فيكم هيتبرع؟”،

صمت الجميع وكأنهم لا يعرفون المريض، وأخرج بعضهم هاتفه المحمول متظاهرًا بإجراء مكالمة عاجلة، ثم لم يمض وقت طويل حتى أخذوا في الانفضاض من حوله واحدًا تلو الأخر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في إحدى المرات أصر أحد المرضى على إجراء أشعة رغم إخبار الدكتور البسطاويسي له بعدم حاجته إليها، وأمام إصرار المريض وجهله أدخله الدكتور البسطاويسي إلى غرفة مظلمة لمدة ثلاث دقائق زاعمًا إجراء الأشعة له، ثم قام بتسليمه إحدى الأشعات القديمة التي كان يحتفظ بها في درج مكتبه.

اقرأ أيضاً: أطعم الفم تستحِ العين

تعرف على: أبو الطب الحديث

اقرأ أيضاً: مجتمع الواجب ومجتمع الفهلوة

دواء المتغطرس

اعتاد الدكتور البسطاويسي أن يقسم الأدوية إلى ثلاث مجموعات رئيسية، مجموعة رخيصة الثمن يصفها لمرضاه من ذوي الدخل المتوسط، ومجموعة ثانية تضم الأدوية الفعالة التي اعتاد وصفها للحالات شديدة الإعياء،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما المجموعة الثالثة فكان يسميها أدوية التأديب، وهي مجموعة من الأدوية باهظة الثمن يطلبها من مرافق المريض إذا لاحظ تعاليه أو عجرفته في الكلام.

ذات يوم دخلت عليه سيدة مريضة بصحبة زوجها، كان الزوج متغطرسًا إلى أبعد الحدود محتقرًا لكل شيء حوله، كان يتحدث إلى الدكتور البسطويسي وهو يضع قدمًا على أخرى، فما كان من الدكتور البسطاويسي إلا أن وصف لزوجته علاجًا فاقت تكلفته السبعمائة جنيه، جن جنون الرجل يومها وكاد أن يطلق زوجته.

المريض الفهلوي يبحث عن الطبيب النصاب

عدد سنوات دراسة الطب - الحيل البسطاويسية في التعاملات الطبيةأما أكبر حيله وأفظعها على الإطلاق فكانت مع مريض دخل عيادته وهو يسب ويلعن الأطباء واصفًا إياهم باللصوص والنصابين، ومتباهيًا بضربه أحد الأطباء في إحدى المستشفيات.

قرر الدكتور البسطاويسي أن ينتقم منه بطريقته الخاصة، فأدخله إلى غرفة الكشف وقام بمناظرة حالته، كان الرجل في كامل صحته، إلا أن الدكتور البسطاويسي ما إن أنهى كشفه حتى نظر إليه نظرة المشفق،

وقال له بنبرة حزينة: “للأسف الفحص بيقول إن فيه اشتباه ورم بالبطن ولازم نعمل شوية تحاليل وأشعات، واحتمال كبير نحتاج نعمل عملية علشان نأخذ عينة”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بهت الرجل وأسقط في يده وأخذ يستغفر ربه ويتوب إليه من كل خطاياه وآثامه، حتى إن عيناه كادتا أن تذرفا بالدمع لولا أن تماسك. قرر الرجل بعدها أن يسافر من الصعيد إلى القاهرة، وقام بإجراء ما يزيد عن العشرين كشفًا خلاف التحاليل والأشعات التي تجاوزت المائة، حتى اطمأن قلبه وتأكد من خلو جسده من أية أورام.

ولا يزال الدكتور البسطاويسي يمارس عمله وسط إعجاب أهل منطقته وفخرهم به، وصدق المثل القائل: “يظل المريض الفهلوي يبحث عن الطبيب النصاب حتى يجمع الله شملهما”.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عمرو أبو الحسن المنشد

مدرس أمراض الصدر كلية الطب – جامعة أسوان

مقالات ذات صلة