أسرة وطفل - مقالاتاقتراحات الموقعمقالات

ماذا جرى للأسرة؟ .. الجزء الأول

ثورة المعلومات والأسرة

ترددت من أين أبدأ، هل من الإنترنت إذ انشغل كل إنسان بهاتفه عمن حوله حتى داخل البيت، وصار الناس في بيوتهم في جزر منعزلة؟ أم من ضغوط الحياة التي جعلت كلًا منهم مكتفيًا بحاله ومشاكله، إذ لم يعد لديه رفاهية الشعور بغيره؟ أم بإيقاع الحياة الذي يزداد سرعة كل يوم حتى أصبح الكل لاهثًا لا وقت لديه ليتوقف برهة ويفكر في مشاكل أخته وأخيه وأمه وأبيه؟

أظن أن المشاكل المتزايدة هذه الأيام بين كل أفراد الأسرة، سببها أننا لم نعد نجد الوقت لنحب بعضنا، نتيجة كل هذه الأسباب مجتمعة، سرعة إيقاع الحياة من ناحية، ومشقة العيش وصعوبة تحقيق الآمال المادية من ناحية، وثورة المعلومات من ناحية ثالثة.

تأثير الإنترنت على العلاقات الأسرية

يقولون إن ثورة المعلومات قربت الشعوب من بعضها وباعدت بين أفراد الأسرة، وهذا صحيح، لقد نشأ جيلنا على حب الجلوس مع أسرته، فالحوارات لطيفة والحكايات ممتعة والضحك الجماعي جميل ودون كل ذلك لا يوجد إلا الشعور بالوحدة.

أما اليوم فالتسلية والمتعة والحوارات والحكايات والمناقشات والمشاهدات والمعلومات المدهشة والأفكار المبهرة والحوادث الكبرى والأخبار العاجلة المثيرة، كل هذه الأشياء الجذابة على مواقع التواصل وعلى صفحات الإنترنت وعلى اليوتيوب والفضائيات، حققت لكل إنسان اكتفاءَه الذاتي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لم يعد أفراد الأسرة بحاجة إلى أن يحققوا أيًا من ذلك من خلال بعضهم مثلما كان الحال في الماضي، بل صار كل منهم مع ثورة المعلومات منعزلًا بما يستمتع به وحده وبما يحبه ويفضله، وهكذا تقطعت الأواصر، فإن لم تتقطع بنسبة مائة في المائة فقد تقطعت بنسبة محترمة وكافية لإحداث الابتعاد الملحوظ بين أفراد الأسرة، ونشوء هذا الجفاء ووجود ذلك الشرخ العاطفي الكبير الذي نراه اليوم داخل البيت الواحد.

ظاهرة التباهي تتفشى عبر وسائل التواصل الاجتماعي

body 3652721 0 - ماذا جرى للأسرة؟ .. الجزء الأول

ليس الانشغال بما يراه الإنسان ويتابعه على النت هو السبب الوحيد لهذا التشرذم وهذه التعاسة الأسرية، بل أضف إلى ذلك آفة “المقارنة”، ففي صفحات الفيسبوك يتباهى الناس على بعضهم بما يملكون، إذ ينشرون صور حياتهم وممتلكاتهم من بيوت وسيارات وملابس ونواد ورحلات، ليظهروا للآخرين كم هم سعداء، وذلك في إطار شعور بأن السعادة يجب ألا تكون في السر بل أن تعلن حتى يشعر صاحبها بامتلاكها حقًا.

مع أنه يعلم جيدًا أنه يثير بذلك حسرة وحزن غيره ممن لا يملك مثل ما يملك، والذي بدوره يبدأ في المقارنة بين حاله وحال غيره، هذه المقارنة لا تجعل الابن الذي نشأ في حياة بسيطة أو متوسطة متحمسًا لأبيه ولا لبيته، فيولد لديه كبتًا تجاه كل شيء، وهذا من أسباب سرعة الانفعال وارتفاع الأصوات بين أفراد الأسرة الواحدة.

اقرأ أيضاً: المحتوى العربي وهوس الشهرة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تأثير الإنترنت على العلاقة بين الآباء وأبناءهم

لسوء حظ الأب أن تضاف هذه المشكلة الغريبة داخل البيت إلى معاناته خارج البيت من أجل لقمة العيش، وهو الذي ضحى بعمره كله من أجل البيت والأبناء، في زمن صار عاديًا أن ترى الأب فيه يصبر على مداواة نفسه من المرض حتى يتدهور أو يؤجل علاج أسنانه إلى أن تتساقط، لأن طلبات البيت التي لا يمكن تأجيلها أولى بالنقود التي سيتكلفها العلاج.

رغم كل هذه التضحيات لا تتعجب حين تجد أن هذا الأب قد فقد هيبته داخل بيته وصار الكل يتطاول عليه، ناهيك عن أنه خسر حق الطاعة لمجرد أنهم ضاقوا بحياتهم وظروفهم، ولم يعد لدى أي منهم طاقة ليصبر ويتوقف لحظات ليفكر في مشاعر ومشكلات غيره، وذلك مع إحساس كامن بمسؤولية الأب الضمنية عن كون أسرته أقل حظًا من غيرها.

كما أن كثرة التطلع إلى حياة الناس على هذا النحو زادت من طموح الابن في زمن صعب، فلم يعد في صدره الذي ضاق حتى صار كثقب الإبرة بسبب خوفه على مستقبله وإحساسه بالصعوبة والحرمان، لم يعد في صدره متسع ليرحم حتى أقرب الناس إليه، هو مكبوت وناقم على هذه البيئة التي لم تحقق له أحلامه.

الآثار النفسية لاستخدام الإنترنت

blobid1604493584249 - ماذا جرى للأسرة؟ .. الجزء الأول

تلاحظ أننا أصبحنا نسمع كثيرًا كلمة “دعوني وشأني”، أو “سيبوني في حالي”، وقد يختلي بنفسه بعدها ليبكي، وهو يتحمل جزءًا من الذنب في الوصول إلى حاله هذه لأنه مستمر في المقارنة الضارة، في مقارنته لم ينظر إلى من دونه ومن هم أقل منه حظًا، فهو يريد الأفضل، وبالتالي فلا بد أن تكون المقارنة بمن فوقه لا بمن دونه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هكذا ولد الكبت وتفاقمت المشاكل النفسية، فصار كل فرد مضطربًا في معاناته غير قادر على التفكير في غيره ببعض الإنسانية، صارت الملاحظة العابرة من الأم لابنتها تثير عصبية البنت، وانتقاد الأب لابنه من أجل مصلحته ومستقبله يوصل الابن الى حافة الجنون.

إنها الضغوط النفسية يا سادة، إذ لم يعد أحد يطيق الآخر في عالم مادي لاهث متطلع جامح متوتر حزين مهموم، ثورة المعلومات وضغوط الحياة دمرت جهاز مناعة الأسرة، فأصابتها كل الأمراض النفسية والاجتماعية دفعة واحدة.

وللحديث بقية..

مقالات ذات صلة:

سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية التصدي لها

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هكذا تغير دور الأسرة

الإنترنت وانتشار الأفكار وترويجها

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف

مقالات ذات صلة