أطعم الفم تستحِ العين
ماذا لو سمعنا عن مسؤول في مؤسسة يأخذ هدية من شركة ما، ثم يقوم هذا المسؤول بترسية العطاء أو التعامل مع هذه الشركة؟!
هل ستشكك في نواياه؟ أم ستقول لنفسك أنه مسؤول محترم وطيب وأمين وتقي، وأن هذه الهدايا لن تؤثر على قراراته؟
أو أن هذه الشركة التي رسي عليها العطاء أو المناقصة ممتازة، ولا علاقة بين الهدايا وبين ترسية العطاء عليها في المناقصة أو الصفقة!
عمولة الطبيب من المعامل والأشعة والأدوية
عندنا في الطب والبحث العلمي نتشكك في أي طبيب له مصدر تمويل من الشركات، لأن هذا يؤثر على المصالح والتقييم، لذلك في المؤتمرات والبحث العلمي لا بد من تقديم ما يسمى (disclosure) تصريح أو اعتراف بأي تمويل يحصل عليه الطبيب، في صورة أي منفعة شخصية أو استثمار أو هدايا مهما كانت بسيطة.
سألني العديد من الزملاء الأطباء عن موضوعين:
أن بعض الأطباء يأخذون هدايا من شركات الأدوية أو المستلزمات الطبية، سواء في صورة حضور مؤتمر أو هدية عينية أو حتى بعض المال!
أن بعض الأطباء يأخذون مالًا أو عمولة من مراكز الأشعة والتحاليل مقابل تحويل المريض لها!
هل العمولة التي يأخذها الطبيب أخلاقية؟
أولًا: الإثم ما حاك بالنفس وخشيت أن يطلع عليه الناس.
يعني هل حضرتك أيها الطبيب تقول لكل مريض تكتب له دواءً معينًا أو تستعمل مستلزمات معينة من شركة أدوات طبية، أو تأخذ عمولات من مركز أشعة أو تحاليل، هل تقول لكل مريض تكتب له هذا الدواء أو تلك الأشعة أنك تأخذ عمولات أو هدايا منهم؟ هل تقول له أن هذه الشركة تكفلت بنفقات سفرك وحضورك مؤتمر أو رحلة؟
غالبًا ستخجل من أن تقول هذا، وستعتبر أن هذا يهز ثقة المريض فيك، بالتالي هذا أول دليل على أن هذا إثم.
ثانيًا: أطعم الفم تستحِ العين.
أي طبيب يأخذ هدية أو ميزات، حتى لو ميزات علمية أو سفر للتدريب والتعلم، ستظل عينه مكسورة أمام هذه الشركة أو المعمل أو المؤسسة، بالتالي سوف يؤثر هذا ولو بصورة غير مباشرة، أو بعد سنوات، على قراره، سواء من باب العشم أو الإحراج أو المجاملة، أو أي شيء.
لكن طبعًا سيخدع نفسه ويقنع روحه أن هذا لا يضر بالمريض، وفعلًا ربما لا يضر بالمريض، لكنه غش ورشوة وعدم أمانة.
ثالثًا: تخلي أغلب الأطباء عن العمولة
أنا أعلم أن أغلب الأطباء محترمون ولا يدخلون في هذه المناطق المشبوهة، وأن من يدخل فيها عدد قليل، ولا أتفق مع من يحمل عُقدًا نفسية ضد الأطباء في أن يعمم أو يقول بغير علم ولا إحصائيات أن أغلب الأطباء يفعلون مثل هذه التصرفات المشينة.
نصائح وإرشادات للأطباء
نصيحتي لكل طبيب هو ما أفعله، وبناءً على نصيحة والدي رحمه الله منذ عشرات السنين:
- لا تدخل في هذا المجال المشبوه، احضر المؤتمرات على حسابك وليس حساب الشركات، ترفع عن هذه الهدايا والأموال المشبوهة. اعتبر ما تنفقه في سبيل تحصيل العلم جهاد وصدقة يأجرك الله عليها، بدلا من رشوة يعاقبك الله عليها.
- حين تتحرى الحلال وتتشدد في أن يكون مصدر مالك كله من حلال بلا أي شبهة أو شكوك، ستجد الله يبارك لك في مالك وعملك وحياتك. ستحترم نفسك، ولن تترك لأحد أي فرصة أن يكسر عينك بهدية تافهة أو بضعة جنيهات أو سفر لمؤتمر أو إقامة في فندق.
- حين يسألك المريض عن اسم معمل جيد أو مركز أشعة تثق فيه، أنصح بتفادي تحديد مركز بعينه أو معمل محدد، لأن المرضى في بلادنا طبيعتهم شكاكون، الشك في كل شيء في حياتهم، وافتراض سوء النية والغش في المعاملات! احترس من أصحاب سوء النية، من تعود على غش الآخرين يتوقع الغش من الآخرين!
يفضل أن ترتفع فوق مستوى الشبهات ولا تحدد أي مركز، كي لا تسمح لمن في قلبه مرض أن يخطر على باله ولو للحظة أن يشك في أمانتك وحيادك واحترامك لنفسك ومهنتك.
- لا تستعمل في بيتك وأسرتك أي شيء له علاقة بعملك، مهما كان بسيطًا. مثلا لو كانت المستشفى تعطيك قلمًا لتكتب به الدواء فلا تستعمله في بيتك، أو تكتب به أي شيء خارج المستشفى أو بعيدًا عن احتياجاتها.
ابتعد عن الشبهات
هذا الكلام أقوله لكل طبيب وموظف ومهندس وعامل ومدرس، كل المهن وليس الطب فقط! هكذا تعلمنا من علماء المسلمين.
أي هدايا أو عمولات لا تليق بطبيب مسلم يحترم نفسه ومهنته، حتى لو رأيت العالم كله من حولك يفعل الخطأ، فهذا لن يجعل الخطأ صحيحًا ولن يجعل الحرام حلالًا، ولا العيب جميلًا.
يجب أن تكون رؤيتك واضحة في ما يخص الحلال والحرام، أبيض وأسود، ابتعد عن المناطق المشبوهة الرمادية كي يبارك الله لك وفيك.
اقرأ أيضاً: كيف يفكر الأطباء
تعرف على: وصفات من الطب الصيني التقليدي
اقرأ أيضاً: ما أنسب طريقة للتعامل مع المخطئ؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
