علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أن تكون إنسانا، ماذا تعني؟! .. الجزء الثامن

الهبوط إلى درك الفطرة الشيطانية

أشرنا في المقال السابق (السابع) إلى العلل التي تفسر لنا هبوط سلوك المرء منا على هذا النحو الذي يرديه في سلوكيات لا تليق إلا بالفطرة الحيوانية.

ويحق لنا –في هذا الصدد– أن نتساءل هل يمكن أن تكون ثمة سلوكيات تهبط بالمرء إلى فطرة أدنى من سلوكيات الفطرة الحيوانية؟

الإجابة: نعم، وهو ما يفرض علينا طرح تساؤلٍ ثانٍ ألا وهو: إذا كانت الإجابة نعم، فما هي تلك الدرجة التي تدنو عن الدرجة الحيوانية؟ وما طبيعة السلوكيات التي تُردي صاحبها فيها؟

حدود السلوك الحيواني

ويأتي هذا الجزء من سلسلة مقالات “أن تكون إنسانا ،ماذا تعني؟!” ليجيب عن هذين التساؤلين  على النحو التالي:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بالطبع لا يمكن أن نصف سلوك شخص متطرف في عدوانيته وتجاوزه للعدالة على نحو لا يهدف منه لأن يجلب لنفسه نفعًا أو يدفع عنها ضررًا –مثلما هو الأمر بالنسبة للفطرة الحيوانية– فحسب،

وإنما يهدف إلى إيقاع ضرر محض بطرف آخر، أو حرمانه من نفع مستحق، دون أي مردود ملموس يعود عليه بأنه سلوك ينتمي إلى الفطرة الحيوانية.

الخروج عن الفطرة الحيوانية

ولفهم هذه النتيجة، نضرب مثالا ألا وهو أن ثمة شخص هو عمرو قرر أن يسطو على سيارة يمتلكها زيد بمساعدة آخرين، وبالقوة المسلحة، وأمام ناظري زيد،

لا مراء أن عمرًا ينقل هنا نفعًا من زيد إلى نفسه بغير وجه حق، وهو فعل يقع في نطاق ما تسمح به الفطرة الحيوانية التي تسعى لتحقيق النفع، أو دفع الضرر عن نفسها على حساب غيرها، طالما امتلكت لتحقيق ذلك سبيلًا.

لكن هب أن عمرًا بدلا من أن يسرق سيارة زيد بالقوة قام –بمساعدة آخرين– بتكبيله وإشعال النار فيها أمام ناظريه، هل يمكن أن نصنف هنا حرق عمرو لسيارة زيد بأنه سلوك ينتمي إلى الفطرة الحيوانية؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الإجابة هي: بالطبع لا، فمثل هذا السلوك لا يمكن تصنيفه على أنه سلوك حيواني، لأن الفطرة الحيوانية لم تُجبل عليه مطلقًا، بل إن مثل هذا السلوك لا يخطر بعقل الحيوان أساسًا.

دائرة الفطرة الشيطانية

evil face wide 1024x496 - أن تكون إنسانا، ماذا تعني؟! .. الجزء الثامنإذن ما طبيعة هذه الفطرة التي تسمح لعمرو أن يوقع بزيد ضررًا جللًا، دون أن يعود عليه أي نفع، اللهم إلا الشعور بالشماتة والتشفي في زيد؟!

الواقع أن طبيعة هذه الفطرة لا بد أن تنتمي إلى دائرة أدنى من تلك الفطرة الحيوانية، ألا وهي دائرة الفطرة الشيطانية، فالشيطان فقط هو الذي يسعى إلى إلحاق الأذى بالآخرين بدافع الكبرياء، الذي يجعل مشاعر الحقد والحسد والكراهية تتملكه تجاه غيره دون أي مردود يذكر عليه، سوى التشفي والشماتة فيمن وقع عليه ذلكم الضرر.

قد يعترض مُعترض فيقول: هل يحق لنا أن نصف مسالك الإنسان الذي كرمه الله تعالى بأنها مسالك شيطانية؟! نقول له نعم، فالقرآن الكريم لم يكتف بوصف مسالك صنف من الناس بأنها  شيطانية، وإنما وصف أصحاب تلكم المسالك بوضوح شديد بأنهم شياطين، لأنهم انغمسوا في هذه المسالك على نحو جعلهم يعادون أعدل البشر، وأرحمهم، وأشرفهم، ألا وهم الأنبياء:

﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ البقرة: 14، وشياطينهم هنا رؤساؤهم. وفي موضع آخر: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ الأنعام: 112.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ملامح ممارسات الفطرة الشيطانية

ويمكن تلمس بعض ملامح ممارسة الطبيعة الشيطانية وتجلياتها في سلوك الفرد باعتباره كيانًا مستقلًا يتصرف كما يحلو له إذا عدنا إلى بطل قصتنا السالفة عمرو، والذي يقف خلفه رصيد هائل من الحقد والحسد لغيره لا يتجلى فقط في التشفي من شخص ما –عبر تدمير ممتلكاته أو سمعته أو مكانته

أو ما إلى ذلك– وإنما يتجلى أيضًا فيما يمكن أن يقوم به عمرو من إفساد ممتلكات، أو سمعة، أو مكانة فرد، أو مؤسسة أو جماعة ما، أو بخس نجاح معين حققته، رغبة في تدميرها أو تشويهها، أو انتقامًا من أصحابها أو قادتها.

وقد يصل هذا التصرف الشيطاني به لأن يعادي مجتمعًا بأكمله، ويسعى إلى تخريبه أو تشويه عقيدته التي ارتضاها، ولو على يد الأعداء، حنقًا منه –لعلة أو لأخرى في نفسه –على هذا المجتمع برمته.

أبعاد آخرى للسلوك الشيطاني

ما صفات الشخصية السيكوباتية - أن تكون إنسانا، ماذا تعني؟! .. الجزء الثامنوقد يأخذ السلوك الشيطاني لعمرو بعدًا ثانيًا مغايرًا لإيقاع الشر مباشرة بالأطراف السالفة، أو منع الخير عنها –بالقول أو الفعل– وذلك عندما تكون لديه القدرة على منع مصاب معين سيقع لأي من تلك الأطراف، دون أن يكلفه منعه إلا كلمة حق، فلا ينطقها رغبة في وقوع هذا المصاب بهم.

كذلك عندما يمنع –بفعله أو قوله– عن تلكم الأطراف خيرًا مستحقًا، دون أن يعود عليه من ذلكم المنع شيء، كذلك عندما يُحرض آخرين على منع الخير عنها، أو يحثهم على إيقاع الضرر بها، دون أن يعود عليه من ذلكم شيء إلا التشفي فيها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وثمة أبعاد أخرى لخروج عمرو عن الفطرة الحيوانية إلى الفطرة الشيطانية عندما يتصرف كعضو في مؤسسة أو جماعة، ما هي هذه الابعاد؟ إجابة هذا السؤال ستكون محور الجزء التالي من سلسلة مقالاتنا بمشيئة الله تعالى.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال

الجزء الخامس من المقال

الجزء السادس من المقال

الجزء السابع من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمود السماسيري

أستاذ الإعلام المشارك بجامعتي سوهاج بمصر حاليا، واليرموك بالأردن سابقا.

مقالات ذات صلة