علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! – الجزء الثاني

أشرنا في المقال السابق أن ثمة ثلاثة معايير كلية يمكن أن يهتدي بها أي إنسان في تقرير ما إذا كان السلوك الذي يقترفه مع أي شخص يقع في نطاق الفطرة الإنسانية السوية أم يقع في نطاق فطرة أدنى هي الفطرة الحيوانية.

ويمكن صياغة تلكم المعايير الكلية في صورة تساؤلات ثلاثة كبرى على أي إنسان عاقل أن يطرحها على نفسه، إذا أراد أن يعرف ما إن كان السلوك الذي يسلكه مع غيره من الناس –في أي أمر من الأمور– نابع من الفطرة الإنسانية السوية أم ينتمي إلى فطرة أدنى، تلكم التساؤلات الثلاثة هي:

– ما الذي أتمنى أن يفعله الآخرون معي؟

– ما الذي أتمنى أن يقوله الآخرون عني؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– ما الذي أتمنى أن يشعر به الآخرون تجاهي؟

المعايير الرئيسة التي تشكل الفطرة الإنسانية السوية

ولما كنا نستطيع الجزم أنه لا يوجد إنسان عاقل على ظهر هذا الكوكب يتمنى –أو حتى يرتضي– أن يعتدي عليه أي شخص من بني البشر، أو يوقع به ما قد يسيء إليه من فعل أو قول أو شعور دونما ذنب جناه، ومهما عَلا  قدره، ولو كان هذا الإنسان عبدًا ومن يعتدي عليه إمبراطورا لما كنا نستطيع الجزم بذلك،

فيمكن أن نقول: إن أي شخص سيجيب على تلكم التساؤلات الثلاثة الكبرى بأن عقله لن يسمح له أن يفعل مع الآخرين، أو يقول عنهم، أو يشعر نحوهم، إلا ما يتمنى أن يفعله الآخرون معه، أو أن يقولوه عنه، أو يشعروا به نحوه، هو شخص عاقل حقًا، ذو فطرة سوية عادلة. ومن ثم فهو شخص يستحق أن يوصف من قبل الجميع أنه إنسان بحق.

ولا مراء أن وصف أي شخص يرى أن ثمة حقًا على الآخرين أن يفعلوا معه، أو يقولوا عنه، أو يشعروا نحوه بكل ما هو خير ويجنبوه كل ما هو شر، ولا يمارس هو مع الآخرين في فعله أو قوله أو شعوره، ما يرى هو أنه حق عليهم أن يمارسوه معه، لا مراء أن وصف مثل هذا الشخص حينئذ بالإنسانية هو  وصف يحمل تجاوزًا عقليًّا جليًّا!

فأنى يكون إنسانًا سويًّا ذلكم  الذي يستبيح لنفسه أن يعتدي بفعله على أنفس الآخرين، أو ذويهم، أو أموالهم، أو أعراضهم، أو على أي شيء يهمهم أمره، ويرى في الوقت نفسه أن أي اعتداء من قبلهم على ذاته، أو ذويه، أو عرضه، أو ماله، أو أي شيء يهمه أمره، هو جريمة مريعة؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأنى يكون إنسانًا سويًّا ذلكم الذي يستبيح لنفسه أن يهين غيره بالقول –تصريحًا أو تلميحًا، في حضورهم، أو غيابهم، أو يستبيح خداعهم، أو غشهم، أو الكذب عليهم، أو المكر بهم، أو غير ذلك من الموبقات التي يرتكبها المرء بلسانه أو ببنانه، ويرى في الوقت نفسه أن أي قول، أو حتى إشارة تُسيء إليه، أو تُحيق به ضررًا هي جريمة شنعاء؟!

وأنى يكون إنسانًا ذلكم الذي يستبيح لنفسه أن يشعر نحو غيره بالاحتقار، أو بالحقد، أو الحسد، أو الكراهية، أو الشماتة، أو غيرها من المشاعر المشينة، دونما وجه حق، ويرى في الوقت نفسه أن أي شعور مشين نحوه من قِبل الآخرين هو جريمة نكراء؟!

وهكذا، تتجلى لنا المعايير الرئيسة التي تشكل الفطرة الإنسانية السوية، والتي يجب على العقل السوي أن يُلزم صاحبه بها، إذا ما أراد لصاحبه أن يتصف بأنه إنسان بحق ألا وهي: العدالة مع أي طرف إنساني آخر يتعامل معه في (الفعل) و(القول) و(الشعور) مهما امتلك من قوة تفوق قوة ذلكم الطرف أو مكانة تعلو مكانته.

بالعودة إلى صاحبنا زيد

وقد أقرت كل الأديان السماوية والوضعية والفلسفات المعتبرة –ومنذ أمد بعيد– هذه الحقيقة دونما استثناء. على النحو الذي أشرنا إليه في مقال سالف بعنوان “الشرائع والقاعدة الذهبية“.

وإذا عدنا إلى صاحبنا زيد الذي يسعى لضبط سلوكه تبعا لمعايير الفطرة الإنسانية العادلة، تبعا للمثال الذي ضربناه في المقال السابق الذي نشر تحت عنوان (أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! الجزء الأول)، وافترضنا أن عقله ألزمه بالفعل بتطبيق معاييرها الثلاثة سالفة الذكر في تعامله مع الأفراد الآخرين في فعله وقوله وشعوره،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أملًا منه أن يحقق صفة الإنسانية عن جدارة، سوف نجد أن تحقيقه صفة الإنسانية تلك لا يقف فقط عند الشق المتعلق بسلامة تعامله باعتباره فردًا مستقلًا يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة مع الآخرين كأفراد مستقلين، أو مع الآخرين كجماعات (أسر، عشائر، قبائل، جماعات عرقية أو مذهبية)، أوكمؤسسات (اقتصادية، اجتماعية، سياسية، إعلامية، إلخ) ومع مجتمعه برمته، ومع أفراد، أو مؤسسات، أو جماعات المجتمعات الأخرى،

وإنما يمتد –كما أشرنا سلفًا– إلى الشق المتعلق بتعامله مع الآخرين (أفراد، جماعات، مؤسسات، مجتمعات، إلخ) عندما يكون عضوًا (عاملًا، موظفًا، مديرًا، رئيسًا، إلخ) في مؤسسة أو جماعة ما، فهذه العضوية تفقد زيدًا استقلاليته وتفرض عليه دورًا محددًا ينبغي أن يضطلع به، حتى يسهم في تحقيق مصالح هذه المؤسسة أو الجماعة. ويمكن تفصيل ملامح تلكم المعايير في مقال لاحق بمشيئة الله تعالى.

اقرأ أيضاً:

عن الفطرة

نحو تطبيق لمبدأ الاتساق على الثلاثية الإنسانية

الفضيلة ومفتاح السعادة الإنسانية

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمود السماسيري

أستاذ الإعلام المشارك بجامعتي سوهاج بمصر حاليا، واليرموك بالأردن سابقا.

مقالات ذات صلة