علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! – الجزء الخامس

توقفنا في المقال السابق (الرابع) من هذه السلسلة عند الحديث عن الآثار التي تترتب على خروج الفرد منا عن روح العدالة عند تعامله مع الآخرين من حوله، ومدى إمكانية أن نصف سلوكه حينها بأنه سلوك ينتمي إلى الفطرة الإنسانية السوية من عدمه،

وها نحن نستعرض في هذا المقال آثار هذا الخروج عندما يكون ذلك الإنسان كيانًا مستقلًا يتصرف لتحقيق مصالحة الذاتية كيفما يشاء،

ثم نستعرض في مقال لاحق ملامح وآثار خروجه عنها عندما يكون عضوًا في مؤسسة أو جماعة يتصرف حسب مصلحة الجماعة أو المؤسسة التي ينتمي إليها وطبقا للدور المنوط به.

خروج الفرد ككيان مستقل عن العدالة في تعامله مع الآخرين بم نصفه؟

unique 2032274 640 2 - أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! - الجزء الخامس

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا مراء أن زيدًا –بطل قصتنا التي عرضناها في المقال الأول من هذه السلسلة– لا يحق له أن يعيب على ذلكم القط خطف دجاجته، لأن هذا الفعل لا يناقض فطرته الحيوانية، ويتفق مع حدود مدركاته العقلية،

بينما محال إذا ما اقترف الفعل نفسه إنسان هو عمرو، ألا يعيب عليه زيد لكون ذلكم الفعل يناقض فطرته، ومدركاته العقلية، ويوائم فطرة وعقلية كائنات أقل منه في درجتها، وهي الحيوانات التي تقف عند تحقيق ما ينفعها، ودفع ما يضرها، بغض النظر عن أثر ذلك على الغير الآن أو بعد حين، أو أثر ذلك عليها هي نفسها بعد حين.

وهو ما يعني أننا نستطيع أن نحكم باطمئنان أن فطرة من يقترف ذلكم الفعل غير العادل منا نحن البشر –وهو في مثالنا السالف عمرو– لا تغاير في فاعليتها هنا فطرة الحيوان –وهو هنا القط– في شيء.

كما أن حدود فاعلية عقلانية عمرو في ضبط مسالكه، لا تغاير هنا حدود فاعلية عقلانية ذلكم الحيوان (القط) في شيء. لكونها لم تستطع أن تمنعه عن اقتراف فعل لا تبرره إلا العقلية التي لا تدرك إلا اللحظة التي تعيش فيها، وهو ما يعني هنا أن وصفنا لسلوكه بالإنسانية هنا يعد وصفا غير سليم.

نعم هو إنسان شكلا، وربما يرتدي عباءة شيخ أو قسيس أو راهب، لكن الفعل الذي يقترفه يدل على أننا نقف أمام فطرة حيوانية قابعة خلف هذا المظهر الذي يفترض أن يكسو صاحبه بقدر كبير من الهيبة والقداسة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حالات يتشابه فيها السلوك الإنساني بالسلوك الحيواني

والواقع أن وصف سلوك ذلك الإنسان بالسلوك الحيواني ينطبق على كل إنسان منا في حالات كثر، منها على سبيل المثال لا الحصر:

عندما يسمح للمرء منا عقله أن يتعامل مع أفراد أو جماعات أو مؤسسات المجتمع الذي ينتمي إليه، أو مع جماعات أو مؤسسات المجتمعات الأخرى، على نحو يسعى فيه لأن يُحرز لنفسه –عبر قول أو فعل ما– نفعًا ليس له فيه حق، أو يدفع عنه ضررًا مستحقًا مهما قل هذا النفع أو الضرر أو كثر.

كذلك عندما يُحرض ذلك المرء طرفا ما (فردا – جماعة – مؤسسة) على ارتكاب فعل يتخطى حدود العدالة ضد طرف آخر، طمعا أن ينال من هذا الطرف منفعة ما مادية أو معنوية قليلة أو كثيرة، تعود عليه اليوم أو غدا.

كذلك عندما يُيسر لطرف معين اقتراف فعل يلحق بطرف آخر ضررا، أو يغض الطرف عنه، طمعًا أن يعود عليه –من فعلته هذه– نفع ما في النهاية، أو سعيًا لدفع ضرر محتمل يمكن أن يحيق به.

كذلك عندما يستخدم ما وهبه الله –تبارك وتعالى– من قدرات عقلية لإقناع طرف ما بعدم فعل الخير لطرف آخر، طمعًا أن يعود عليه من ذلكم الخير الذي نجح في منعه عمن يستحقه نصيب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كما ينطبق عليه عند امتناعه عن، أو تقصيره في، حث الآخرين على الالتزام بالعدالة في مسالكهم، مع قدرته على حثهم، ومع تأثير حثهم هذا في جعلهم يلتزمون بهذه العدالة ولا يتخطونها.

كما ينطبق عليه عند تقصيره في إرشادهم إلى السبل المثلى التي تمكنهم من تحقيق العدالة في كل مسالكهم.

الخروج من نداء الفطرة الإنسانية السليمة

15 750x400 1 - أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! - الجزء الخامس

وهكذا فإن مثل هذه المسالك –وغيرها الكثير– التي يرتكبها المرء منا عندما يتحرك في هذا الوجود ككيانٍ مستقلٍ يتصرف على النحو الذي يحقق له منفعته المباشرة لا يمكن القول أن مقترفها خرج عند اقترافها من تعاليم دينه الذي ينتمي إليه،

وإنما خرج قبلها من تعاليم ونداء فطرته الإنسانية السوية، تلبية لنداء الفطرة الحيوانية التي ترنو إلى جعله يحقق أهدافه الآنية الملحة، ولو كان ذلك على حساب كل من حوله، طالما استطاع إلى ذلك سبيلا، وطالما خيل إليه عقله القاصر قدرته على النجاة بما اقترفت يداه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولما كانت مسالك المرء منا في حياته اليومية لا تقف عند تلك المسالك التي نقوم بها لتحقيق مصالحنا الفردية، وإنما ثمة شق ثانٍ في مسالكنا يتجلى في تلك المسالك التي نكون فيها أعضاء أو عاملين في جماعة أو مؤسسة ما،

وثمة دور محدد سلفا علينا أن نضطلع به، فهنا يثور تساؤل.. هل يمكن أن يكون ثمة خروج من قبلنا عن حدود العدالة الإنسانية والولوج إلى الفطرة الحيوانية في هذا الشق من حياتنا؟

وهذا التساؤل سوف تكون إجابته –كما أشرنا سلفا– محور المقال اللاحق بمشيئة الله تعالى.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمود السماسيري

أستاذ الإعلام المشارك بجامعتي سوهاج بمصر حاليا، واليرموك بالأردن سابقا.

مقالات ذات صلة