علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! – الجزء السادس

لما كانت مسالك المرء منا في حياته اليومية لا تقف عند تلك المسالك التي يقوم بها لتحقيق مصالحه الفردية فحسب، وإنما ثمة شق ثانٍ في مسالكنا يتجلى في تلك المسالك التي نكون فيها أعضاء أو عاملين في جماعة أو مؤسسة ما،

وثمة دور محدد سلفا علينا أن نضطلع به، فهنا يثور تساؤل.. هل يمكن أن يكون ثمة خروج من قبلنا عن حدود العدالة الإنسانية والولوج إلى الفطرة الحيوانية في هذا الشق من حياتنا؟

صور خروج الفرد عن حدود العدالة الإنسانية

1 46 - أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! - الجزء السادس

وها نحن نسعى لتقديم إجابة عن ذلك التساؤل في “الجزء السادس” من المقال. وذلك على النحو الآتي:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الواقع أن الخروج عن نطاق فطرته الإنسانية العادلة، والدخول في نطاق فطرة لا تبالي إلا بما يحقق مصالحها –ألا وهي الفطرة الحيوانية– يتجلى في سلوك المرء منا حينما يكون عضوًا في مؤسسة أو جماعة ما في عدة صور، منها على سبيل المثال لا الحصر:

تحقيق مكاسب على حساب المؤسسة

عندما يسمح له عقله أن يسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب من المؤسسة أو الجماعة التي ينتمي إليها، دون تأدية ما عليه من واجبات تعادل هذه المكاسب، وهو ما يعني تعرض هذه المؤسسة، إذا ما ساد بها هذا السلوك بين من ينتمون إليها، إلى الانهيار الحتمي في النهاية.

عدم المساواة في الحقوق والواجبات

كذلك عندما لا يساوي المرء منا –إذا كان من أصحاب القرار في هذه المؤسسة أو الجماعة– بين المنتمين إلى هذه المؤسسة في الواجبات أو الحقوق دونما وجه حق.

ضعف الكفاءة المطلوبة

كذلك عندما يحتل –بطريقة أو بأخرى– موقعًا يتطلب امتلاك معارف أو قدرات تفوق معارفه وقدراته، وهو ما يعني أنه لن يستطيع أن يضطلع بعمله بالكفاءة المطلوبة،

مما يؤدي إلى ضعف قدرة القطاع الذي يقوده في هذه المؤسسة على إنجاز الدور المنوط به، على نحو قد يضعف أداء المؤسسة برمتها، ويضعف من ثم قدرتها على المنافسة، ربما بصورة تهدد قدرتها على البقاء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التراخي والتكاسل عن اكتساب المهارات

كما يتجلى عندما يقبل أن يحتل موقعًا يتطلب إنجاز مهامه على الوجه الأكمل معارف ومهارات متطورة يتراخى هو في اكتسابها إذا ما كان هناك إمكانية لاكتسابها، أو تراخى –سلفًا– في اكتسابها عندما كان على مقاعد الدراسة،

مما يؤثر على كفاءته في الاضطلاع بهذه المهام، وهو ما يخلف نتائج سلبية مباشرة أو غير مباشرة، عاجلة أو آجلة، على المؤسسة، أو على عملائها دونما ذنب اقترفوه.

تجاوز حدود العدالة مع الغير

كذلك يتجلى عندما يُسهم في جعل مؤسسته أو جماعته تتجاوز حدود العدالة في تعاملها مع غيرها (الأفراد أو المؤسسات أو الجماعات أو المجتمعات)، على النحو الذي يحقق مصالحها على حساب مصالحهم، مما يلحق ضررًا حالًا أو لاحقًا بهم، دونما ذنب اقترفوه.

التحريض على الآخر

كما يتجلى عندما يُحرض الأفراد الذين يشكلون لبنات هذه المؤسسة، أو بعض وحداتها، أو المؤسسة برمتها –ممثلة في قيادتها– على ارتكاب فعل يتخطى حدود العدالة،

ضد طرف ما داخل المؤسسة أو خارجها، أو عندما يُسهم في تيسير ارتكاب هذا الفعل، أو غض الطرف عنه. طمعًا أن يعود عليه نفع ما في النهاية، أو سعيًا لدفع ضرر محتمل يمكن أن يصيبه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

منع العون عن الآخرين

كما يتجلى أيضًا عندما يحث الأفراد الذين يشكلون لبنات هذه المؤسسة، أو بعض وحداتها، أو قيادة المؤسسة برمتها، على عدم مد يد العون لطرف أو أطراف ما يحتاج هذا العون، أملًا أن يعود عليه من منع الخير عن هذا الطرف نفع ما.

التقصير في حث الآخرين على تحري العدالة

كما يتجلى عندما يقصر –رغم امتلاكه القدرة– في حث الأفراد (اللبنات الأخرى في المؤسسة التي ينتمي إليها) أو وحدات المؤسسة، أو المؤسسة ككل (ممثلة في قيادتها) على تحري العدالة في تعاملاتهم مع بعضهم البعض،

وفي تعاملات المؤسسة مع عملائها، ومع المؤسسات أو الجماعات الأخرى، بل ومع منافسيها، بل ومع أعدائها، مما يُعرض لبنات المؤسسة، أو وحداتها،

وربما المؤسسة برمتها، بل وربما عملاء المؤسسة أو المؤسسات الأخرى، أو المجتمع بأسره لظلم جلي، على قدر ما تم خرقه هنا من قواعد العدالة. حتى لو لم تظهر  نتائج ذلكم في الأمد القريب.

الانحراف عن الفطرة

صفات المدير المتسلط - أن تكون إنسانا.. ماذا يعني؟! - الجزء السادس

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تلك أمثلة سريعة لتجلي آثار غلبة الفطرة الحيوانية على سلوك المرء منا، بوصفه كائنًا مستقلًا -كما أشرنا في المقال السالف، أو بوصفه عضوًا في جماعة أو مؤسسة ما من جماعات ومؤسسات المجتمع الذي ينتمي إليه.

وفي كل تلك الحالات التي يتخطى فيها المرء حدود العدالة مع الآخرين من حوله، ساعيًا لتحقيق مصالحه الذاتية على حساب مصالحهم، يصبح الوصف الذي ينطبق عليه هو أن فطرته لا تغاير في فاعليتها هنا فطرة الحيوانات في شيء.

كما أن حدود فاعلية عقله لا تغاير هنا حدود فاعلية عقل الحيوان في شيء. وهنا يحق لنا أن نتساءل: إذا كانت فاعلية عقل وفطرة المرء منا هنا لا تغاير حدود فاعلية عقل وفطرة الحيوان، فهل يتبقى له –حينئذ– من إنسانيته شيء؟!

من حق القارئ الكريم أن يعترض على كون وصفنا سلوك المرء منا في هذه الحالة بأنه سلوك ينتمي إلى الفطرة الحيوانية هو وصف يتسم بالقسوة، وأنه وصف يحمل إهانة لذلكم المخلوق الذي كرمه ربه، ومن حق القارئ الكريم أن نقدم له ردا على هذا الاعتراض، هذا الرد هو محور مقالنا اللاحق.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال

الجزء الخامس من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمود السماسيري

أستاذ الإعلام المشارك بجامعتي سوهاج بمصر حاليا، واليرموك بالأردن سابقا.

مقالات ذات صلة