فن وأدب - مقالاتمقالات

رواية الخيميائي .. لماذا كل هذا النجاح؟

نجحت رواية الخيميائي للبرازيلي باولو كويلو نجاحًا كبيرًا أثار الدهشة والإعجاب، وبيعت منها ملايين النسخ حول العالم، وهي تدور حول فكرة الإصرار على تحقيق الحلم الشخصي، وأنه لن يتحقق إلا من خلال فهم الإنسان للعالم كيف يعمل، ومن خلال قبوله مواجهة العقبات والتحديات أيًا كانت، وألا يلتفت لأي شيء إلا حلمه، حتى الحب والصداقة، لا يجب أن يرتبط بشيء إلا بهدفه.

لماذا نجحت رواية الخيميائي؟

هي فكرة ليست بجديدة، فلماذا نجحت الرواية كل هذا النجاح؟ هل جذبت لغتها مثلًا الناس؟ الحقيقة أن لغة الرواية تجمع بين الحكمة والشاعرية، لكن ستجد أن معظم ما جاء فيها من تعبيرات إما مستهلكة ومعروفة وعادية، مثل قول الكاتب: “عندما نحب يصبح للأشياء معنى أكبر”، وقوله: “العيون تعكس قوة الروح”، وقوله: “ليس هناك سوى شيء واحد يمكنه أن يجعل الحلم مستحيلًا.. الخوف من الفشل“، وقوله: “أشد ساعات اليوم ظلمة هي تلك التي تسبق طلوع الشمس”، وقوله: “وعندما تريد شيئًا ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك”. وإما لغة مستعارة مثل قوله: “سر السعادة أن تنظر إلى عجائب الدنيا كلها، لكن دون أن تنسى أبدًا وجود قطرتي الزيت في الملعقة”، وهي مقتبسة من قصة حكمة شهيرة.

هل تستحق رواية الخيميائي كل هذه الشهرة؟

00000000000000000000 - رواية الخيميائي .. لماذا كل هذا النجاح؟

هل الرمز من الأشياء التي ساعدت على نجاح الرواية؟ صحيح أن الرمز موجود بقوة، ستجده مثلًا في الصحراء التي خاضها البطل من أجل الوصول إلى حلمه، بما ترمز إليه الصحراء من مخاطر وغموض وصعوبات، ففيها الشمس الحارقة والوحوش والثعابين والعقارب والرياح القاسية والليل المخيف والظمأ، وفيها ما هو أكثر من ذلك وهو كونها متاهة وضياعًا، وسيقابلك الرمز أيضًا في شخصية الراعي الذي يتخلى عن القطيع، وتصور مدى صعوبة أن يتخلى الراعي عن القطيع ليحقق حلمه في اتجاه مختلف، فهو يرمز إلى ضرورة التخلي عن الارتباط بأي شيء مهما كان مهمًا لك ولصيقًا بك، في سبيل التفرغ الكامل لتحقيق الحلم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مع ذلك فلا يكفي الرمز ليجعل رواية ما تنجح بل تكتسح كل هذا الاكتساح، فالرمز أداة مشتركة في لغة الأدب يكاد يستخدمها الجميع في كل الأعمال، فما زلنا إذًا نبحث عن سر النجاح، ومع بساطة فكرة الرواية واتفاق الذهن العادي معها وهي أنك يجب أن تصرّ على هدفك لكي تحققه، وأن عليك الاستعداد لدفع الثمن والتضحية من أجل تحقيقه، وبالتالي ألا تنتظر حدوث معجزة تحملك إليه حملًا، إلا أن المؤلف ناقض هذه الفكرة الأساسية للعمل بفكرة العثور على الكيميائي الذي يصنع الذهب من معادن رخيصة، واستخدام البطل هذا الذهب ليحل مشاكله ويذلل العقبات التي تواجهه في سبيل الوصول إلى الهدف.

تحليل رواية الخيميائي

في اعتقادي أنه خطأ ما كان يجب أن يقع فيه، لأنه ينسف الفكرة من أساسها؛ فكرة الإصرار رغم العقبات دون انتظار المعجزة، ورغم أن كثيرًا من التعبيرات التي استخدمها البطل في حواراته داخل الرواية تبدو معروفة ومستهلكة أو مقتبسة فإنه كان شاعريًا في أسلوبه بصفة عامة مع كثير من الفلسفة، فتراه يقول:

“ثمة لغة تتخطى الكلمات”، “السفينة آمنة على الشاطئ لكنها ليس لأجل ذلك صنعت”، “البشر يحلمون بالعودة أكثر مما يحلمون بالرحيل”، “الناس جميعهم يعتقدون أنهم يعرفون بالضبط كيف ينبغي لنا أن تكون حياتنا، لكن لا أحد يعرف إطلاقًا كيف ينبغي له أن يعيش حياته”.

نلاحظ أن باولو كويلو في هذه الرواية يحاول التجول بالقارئ بين حوار الشخصيات في الرواية، والتي كانت تحمل عديدًا من الجُمل الفلسفيّة التي تعبر عن المضمون العام للعمل، ولكي يستثير فضول قرّائه استخدم أسلوب الأسئلة ليجعلك تنتظر الإجابات، مثل ذلك قوله في تساؤله في أحد الحوارات: “إذًا لماذا عليّ أن أصغي إلى قلبي؟”.

كانت الإجابة: “لأنك لن تتوصل أبدًا إلى إسكاته، حتى لو تظاهرت بعدم سماع ما يقوله لك، سيبقى هنا في صدرك، ولن ينقطع عن ترديد ما يفكر به حول الحياة والكون”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هو أسلوب يضاعف انتباه القارئ على انتباه القارئ واندماجه في الفكرة وفي الأحداث.

المتخيل السردي في رواية الخيميائي

unnamed - رواية الخيميائي .. لماذا كل هذا النجاح؟

ما زال السؤال قائمًا: ما الذي جعل الرواية تتفوق كل هذا التفوق بمقياس التوزيع والانتشار؟ أعتقد أن الإجابة في الأجواء الخيالية الساحرة التي دارت فيها الأحداث، فرواية مثل ألف ليلة وليلة نجحت بسبب جموح الخيال وسحر المشاهد مع كثير من الشعر والفلسفة، ورواية الخيميائي احتوت على كثير من جموح الخيال والفلسفة والشاعرية والمشاهد الساحرة والأحداث الكثيرة الغريبة، وهي أيضًا مثل ألف ليلة وليلة تدور في الشرق الأوسط والمنطقة العربية والأهرام، وتستخدم الخيال لفهم الواقع مما يحقق للقارئ كثيرًا من المتعة غير المعتادة.

في الرواية كذلك المفاجآت الدرامية والأحداث الغريبة والمفاجئة وغير المتوقعة أو “الأكشن” بلغة السنيما، رواية ممتعة للكبار والصغار فهي مغامرة فتى صغير السن يواجه الأخطار ويقاتل من أجل طموحه ومستقبله، الذي يؤجل الحب من أجل تحقيق الطموح، وعندما يصل إلى طموحه يصل أيضًا إلى محبوبته فاطمة فيتزوجها ويجتمع الشمل.

رغم أن الخيال سر جاذبية الرواية فإنه أيضًا من عيوبها، فكيف لرواية تحوي كثيرًا من النصائح التي تهدف إلى بناء الإنسان نفسه بنفسه أن تتضمن كل هذه الأشياء الخيالية أو الخارقة التي تتصل بعوالم خفية غير واقعية؟! فالحث على العمل بقوة من أجل تحقيق الذات وبناء المستقبل لا يتفق مع هذا القدر الكبير من المعجزات والخوارق التي في الرواية، بل يتناقض معها! لكن الرواية ممتعة بدليل الإقبال الكبير على قراءتها، وهذا يطرح الأسئلة حول المتعة في الأدب، وهل الأدب الجيد هو الأدب الممتع؟ هذا يحتاج كثيرًا من النقاش.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

رواية أريد ساقًا أقف عليها

دوستويفكسي ممنوع في إيطاليا

الرواية والريف المصري الجديد

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف

مقالات ذات صلة