مقالاتقضايا شبابية - مقالات

هل نستطيع أن نحيا كأبطال القصص الخيالية ؟ أم أن الواقع مختلف عن الخيال ؟

يحكى أن الفارس المغوار قام بمواجهة الغابة المسحورة، التنين والساحر الشرير بشجاعة وإقدام كى ينقذ الأميرة ويحررها من البراثن الشريرة التى تكبلها، ليفوز بقلبها ويتزوجها و “عاشوا فى تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات”، وهكذا “توته توته خلصت الحدوته”. هذا الاختصار يصلح لمعظم القصص التى سمعناها والأفلام التى شاهدناها فى مرحلة الطفولة، فقد كانت جداتنا تتفق بشكل غريب مع شركة “والت ديزنى” فى النهاية الحالمة لهذه القصص ، حيث الانتصار النهائى على الشرور والحياة السعيدة والهانئة.

لكن يبدو أن هذه القصص ، أو بالأحرى الفلسفة القائمة عليها، لها تأثير كبير فى الطريقة التى نمارس بها حياتنا. فنحن نسعى للتغلب على مجموعة من الصعاب طمعا فى أن نعيش هذه الحياة السعيدة فى النهاية. وأول هذه الصعاب هى المدرسة والامتحانات؛ فكلما حصلت على درجات أعلى زادت فرص الوصول لهذه النهاية السعيدة، ثم تأتى المرحلة الجامعية، وبداية النجاح فى هذه المرحلة يبدأ بالالتحاق بإحدى كليات القمة، ثم بالاستمرار فى التفوق حتى النهاية، وهذا لضمان أفضل نهاية للقصة.

التخرج من الجامعة يتبعه الحصول على وظيفة تكفل دخلًا كبيرًا ومكانة اجتماعية مرموقة، ثم اختيار زيجة مناسبة من حيث الوضع المادى والاجتماعى. بيت كبير وسيارة وأطفال… وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية القصة السعيدة، أو هكذا نظن! إنه البرنامج الذى تم زراعته فى عقولنا منذ الصغر.

هل القصص تبدو واقعية ؟

لكن الحقيقة ليست كذلك، فالحياة لم تكن أبدا ببساطة قصة خيالية تُحكى قبل النوم. والصعاب التى تواجهنا لا يصلح فى مواجهتها الشجاعة والإقدام، فالأمر يتطلب الكثير من الاستذكار والحفظ وحل امتحانات السنين السابقة والكثير والكثير من المهام المجهدة والمملة… فقط لكى نحصل على أعلى درجة فى الامتحان، ننسى بعدها كل شىء، ثم نعاود الكرَّة من جديد استعدادًا لامتحان آخر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صغارًا، لم نفهم الغاية النهائية لهذا العذاب على الرغم من محاولات الجميع لتوضيح أهمية درجات الامتحانات فى حياتنا المستقبلية، مما جعلنا نشعر بمعاناة سيزيف فى الميثولوجيا الإغريقية، الذى حُكم عليه أن يحمل صخرة إلى أعلى الجبل، فقط لتسقط من القمة، وهكذا يعاود الكرَّة من جديد مرارا وتكرارا.

 

المصيبة الأكبر أن اتباع هذه الخطوات والنجاح فيها والحصول على المال والزواج والأطفال، كل هذا لا يكفل الحصول على حياة سعيدة بأى حال من الأحوال، فالحياة تستمر فى مواجهتنا بصعاب جديدة إلى آخر أيام حياتنا. وبفرض أننا تغلبنا على كل هذه الصعاب، يظل الشعور بالسعادة ناقصًا وغير متكافئ مع كل المجهودات التى بذلناها.

لكننا على الرغم من رؤيتنا للنتائج بأنفسنا، لا نتردد فى أن نبرمج أطفالنا بنفس البرنامج المعطوب. فنحن نظن أن المشكلة ليست فى التعليمات، ولكن فى الطريقة التى قمنا بتنفيذها، ولذلك فإنه من الواجب أن نوجه أطفالنا لبذل مجهودات مضاعفة للحصول على النهاية السعيدة التى لم نصل نحن إليها.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما المشكلة إذن فى هذا البرنامج؟

إنه يبدو منطقيا جدا: اجتهد وابذل قصارى جهدك كى تحقق النجاح وتكفل لنفسك حياة سعيدة. قد يساعدنا أن نعرف بأصل هذه الفلسفة المتجذر فى فكرة الحلم الأمريكى ؛ أنه فى النظام الحر (الليبرالية- الرأسمالية) يستطيع كل إنسان أن يعمل ويجتهد ليضمن حياة سعيدة وهانئة. يشمل الحلم الأمريكى البنود التالية: بيت كبير به جراج، سيارة موديل جديد، زوجة جميلة وأطفال.

إذا غضضنا النظر عن الظلم المتجذر بصورة فجة فى النظام الرأسمالى، الذى يكفل النفوذ والسلطة لأصحاب رؤوس الأموال، ويترك باقى الشعب فى صراع على فتات لا يكفى إلا القليل، ونظرنا إلى ما يقدمه الحلم الأمريكى للمنتصرين فى هذه المعركة الشرسة، نجد أنه لا يتعدى المتع المادية، دون تقديم أى شىء لإشباع رغبات الإنسان الروحية.

 

الإحباطات المتكررة للنظام المادى فى تحقيق سعادة حقيقية للإنسان أفرزت أجيالا جديدة أرادت الخروج من برمجة هذا النظام العقيم، فلم يعد مهما بالنسبة لهم استكمال الدراسة أو الحصول على وظيفة مستقرة. فلنفعل ما يحلو لنا وما يحقق لنا السعادة لنتمرد على تقاليد المجتمع البالية، نتزوج ممن نريد ونسافر لنرى العالم.

لقد أصبحت هذه الأجيال تحاكى بصورة أكبر القصص الخيالية التى ذكرتها فى البداية، فالنجاح فى الحياة يتطلب بالنسبة لهم الشجاعة والإقدام للتغلب على الصعاب التى هى فى الغالب تقاليد وقوالب المجتمع. المشكلة مع هذا الفكر هى عدم فهم الجانب الروحى للإنسان، فمتع السفر والمغامرة لا تشبع إلا الجانب المادى للإنسان دون إشباع حقيقى لروحه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

كيف نستطيع إشباع روح الإنسان إذا؟

إن الجانب المجرد للإنسان لا يتكامل إلا بتقوية الرابطة بمصدر الكمال وهو الله سبحانه وتعالى وذلك باتباع القيم المجردة مثل الحق والعدل، وبما أن أداة الروح هى الجسد المادى، فإن علينا توجيه هذا الجسد للقيام بالأفعال التى تحقق هذه القيم… وهكذا نفكر بهذه الطريقة فى كل جوانب الحياة.

فالدراسة تصبح وسيلة لتحصيل المعلومات النافعة فى حياة الإنسان وفى التخصص الذى يريد أن يشتغل به فى المستقبل، يجب أن يفهم الطفل ذلك ويبذل المجهود المناسب للنجاح فى الامتحانات دون أن تكون قضية مصيرية يعانى من أجلها.

أما العمل فيجب أن يكون فى مجال نافع للمجتمع الذى يعيش فيه الإنسان، يستخدم فيه المقومات والمواهب التى يمتلكها، لا أن تكون الوظيفة وسيلة للحصول على المال والوضع الاجتماعى أو أن نتمرد على كل أشكال الوظائف التقليدية، وإلا فلا حاجة إذا للأطباء والمهندسين والعاملين فى كل المجالات المختلفة التى لا يقوم المجتمع بدونها.

أما الزواج فهو الوسيلة التى يتكامل بها الإنسان بالارتباط بمن يمتلك نفس القيم، لبناء أسرة على أساس قوى من المبادئ؛ فالزواج ليس استكمالا لشكل اجتماعى وليس مغامرة للتمرد على تقاليد المجتمع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يجب علينا أن نواجه صعوبات الحياة، لكن بغرض تحقيق قيم الحق والعدل لنحقق التكامل الروحى والسعادة الحقيقية وليس بغرض الوصول للنهاية السعيدة الهانئة فى هذا العالم المادى، فالمادة من طبيعتها التغير والفساد، وإن لم تواجهنا هذه الصعاب، لن تكون هناك وسيلة لتكامل الروح، وهى الغاية التى من أجلها وُجد الإنسان فى هذا الكون.

اقرأ أيضاً:

لم لا نحاول أن نرتقي بقيمة الحب ؟

الحب في عصر ما بعد الحداثة

كمال الحب في حب الكامل

محمد رمضان بركات

كيميائى

عضو بقريق مشروعنا بالعقل نبدأ الإسكندرية

مقالات ذات صلة