مقالات

رؤى إبداعية في فلسفة التعليم – الجزء الخامس

التعليم والثقافة ومسؤولية الجامعات

نستمر -في هذا الجزء الخامس والأخير من سلسلة مقالاتنا عن فلسفة التعليم- في الكشف عن أزمة التعليم وكيفية تطويره في ضوء من آراء بعض المفكرين، حيث نلتقي هنا مع الدكتور مجدي الجزيري الذي انتقد في معظم مقالاته الاهتمام الشكلي بالعملية التعليمية والمظاهر الكاذبة في جامعاتنا، والابتعاد عن جوهر العملية التعليمية الحقيقية والبحث العلمي في الجامعات.

مظاهر شكلية

ورغم أن حال التعليم في زمن طه حسين كان أفضل بمراحل من زمننا، ولم تعرف مصر وقتها ما يسمى بالدروس الخصوصية في المدارس والجامعات، رغم هذا لم يتوان طه حسين عن نقد التعليم وتقويمه وإصلاحه. وإذا كنا منذ زمن طه حسين لا نتوقف عن الحديث عن أزمة التعليم، لجان ومؤتمرات وتوصيات وقرارات وحكومات ووزراء تعليم وثقافة وبرامج جودة، فإن التعليم يسير من سيئ إلى أسوأ.

يكتب الجزيري بحرقة وأسى شديدين، وبعقلية المفكر المستنير، داعيًا المسؤولين عن التعليم بأخذ الأمر على محمل الجد: إن الناظر إلى أحوال الجامعات والبحث العلمي يتأسى على أزمتنا الحقيقية وكارثة التعليم في بلدنا وبرامج الجودة الورقية في جامعاتنا..

فقد غابت الغاية والهدف من التعليم والبحث العلمي وأصبحنا نهتم بمظاهر شكلية؛ نتسابق في فخامة ومساحة وروعة التأثيث والديكور وميزانية الإنفاق على المكاتب.. حقًا إننا أمام مفارقة هائلة، ننفق ببذخ وإسراف وسفه على مظاهر كاذبة في الوقت الذي نبخل فيه على معاملنا وقاعات البحث والدرس الجامعي، ولعل هذا ما يفسر لنا التسابق على المناصب القيادية في جامعاتنا في الوقت الذي لا تجد هذه المناصب من يهتم بها في الجامعات العالمية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المهمة التنويرية والحضارية للجامعات

إن الاهتمام الحقيقي ينبغي أن ينصب على ما تقدمه الجامعة من إنجاز وعطاء في مجال البحث العلمي وليس في مجال فخامة ومساحة مكاتب السادة الأفاضل من قيادات الجامعة، والحق أنه يندر بك أن تتذكر القيادات الجامعية من خلال مناصبهم لكنك تعرفهم عن ظهر قلب من خلال إنجازاتهم العلمية وحدها: أحمد لطفي السيد، طه حسين، مصطفى مشرفة، إبراهيم بدران..

فهل لم يَعُدْ أمامنا ما يشغل اهتمامنا غير التباهي والتفاخر بمستوى مكاتب أو ملاعب مؤسساتنا التعليمية؟ لو كان علينا أن نواجه مشكلة التعليم بحق فإن علينا أن نواجه مشكلة البذخ والإسراف على ما ليس له علاقة بالتعليم والبحث العلمي في شيء.

من هذا المنطلق أكد الجزيري في العديد من مقالاته في جريدة الوفد (خلال الفترة من 2012 إلى 2014) على المهمة التنويرية والحضارية للجامعات، ولجان المجلس الأعلى للثقافة، وقصور الثقافة، في بناء الوعي المصري والعربي، وبحيث تخرج من إطار النخبة التي تدور في فلكها إلى المشاركة الجماهيرية التي تجسد هموم وطموحات ورؤى الشباب المصري الواعد.

ومن هنا تتكشف الوظيفة المهمة والدور المحوري لوزارة الثقافة في تنمية الوعي، وغرس قواعد المشاركة وقيم التسامح والنزاهة، وإشعاع التنوير في وجدان جماهير شعبنا، فليست الثقافة لمن يعرف موقع دار الأوبرا والمنتديات الثقافية والصالونات الأدبية المقتصرة على صفوة الصفوة، وإنما هي في الأساس ينبغي أن تكون موجهة إلى رجل الشارع العادي.

والخلاصة:

إن الخطوة الأولى لإصلاح التعليم والبحث العلمي في الجامعات تتمثل في وجود رؤية بحثية وتعليمية واضحة المعالم، رؤية مشابهة لرؤية طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، أو كتاب زويل «عصر العلم»، وقبل كل هذا نحتاج -كما يقول الجزيري- إلى إرادة جادة حقيقية وصادقة تستهدف إصلاح التعليم والبحث العلمي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويضيف الجزيري بأن تغيير أوضاع التعليم وصورتنا الحضارية في العالم يتطلب مزيدًا من الوعي بواقعنا، ومزيدًا من الوعي بالعالم الذي نعيش فيه بكل متغيراته العلمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفكرية، ومزيدًا من الوعي بقيمة العمل وضرورته، ومزيدًا من الوعي بقيمة التعليم والبحث العلمي، ومزيدًا من الوعي بقدرتنا على مواجهة التحديات والثقة في أنفسنا، ومزيدًا من الوعي بتراثنا وتاريخنا.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د/ حمدي عبد الحميد الشريف

أستاذ الفلسفة السياسية المساعد بكلية الآداب، جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة