مقالات

رؤى إبداعية في فلسفة التعليم – الجزء الثالث

الصعوبات التي تقف أمام التعليم

نتحدث في هذا المقال عن أهم الصعوبات التي تقف أمام التعليم والبحث العلمي في جامعاتنا، وذلك في ضوء دعوة الدكتور مجدي الجزيري لإصلاح التعليم وتطويره في جامعاتنا. ومن أهم وأبرز هذه الصعوبات والمشكلات ما يلي:

( 1 ) غياب التفكير الناقد

تتمثل هذه المشكلة في غياب التفكير الإبداعي الحر. والسبب في ذلك يتمثل في توحيد المناهج التعليمية، والتشبث بالتخصصات التقليدية، وعدم مراعاة الإبداع والتميّز. ومن هذا المنطلق يرفض الجزيري أساليب التلقين والحفظ والكتاب المقرر في الجامعات والدروس الخصوصية في المدارس،

لأنها تؤدي إلى غياب التفكير الناقد، فالتعليم في نظره ينبغي أن يكون تكريسًا وتدعيما للهوية الوطنية وليس أداة لتخريبها والإطاحة بها، وبعبارة أخرى التعليم رسالة وليس وظيفة أو تجارة. التعليم ليس مجرد حشد للمعلومات والمعارف لكنه بناء للوطن، يتخذ موقعه في مقدمة خطوط الدفاع عنه. ولو أدركنا التعليم من هذا المنطلق، أدرك المعلم خطورة الرسالة التي يتولاها والتزم بها كتعبير عن نزعته الوطنية.

ويمضي الجزيري حيث يذهب إلى أن الجامعات عاجزة عن تشكيل الوعي النقدي الحر وتنوير العقول، لأنها مازالت أسيرة الكتاب المقرر والمذكرات والملخصات والدروس الخصوصية والمتاجرة ومنهج التلقين أو منهج السمع والطاعة، وبعيدة كل البعد عن رعاية وتشجيع البحث العلمي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد أكد الجزيري على ذلك بقوله: «إن المجتمع البعيد كل البعد عن منهاج التفكير العلمي، يصعب عليك أن تتوقع منه إصلاحًا حقيقيًا في مجال السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة، وعندما تصبح العشوائية صفة ملازمة لتوجهاتنا، فلك أن تتوقع أي شيء وكل شيء فاسد».

( 2 ) غياب الحرية الأكاديمية

ترتبط بمسألة التعليم النقدي مسألة أخرى تتمثل في استقلال الجامعات -أو ما يمكن أن ندعوه «الحرية الأكاديمية» (Academic Freedom)- وهو تعبير يُستعمل للإشارة إلى جزء أصيل من حرية البحث العلمي، وعلى نحو أدق حرية الأساتذة الذين يعملون في المؤسسات البحثية، في البحث عن الحقيقة ونشرها، كلٌ في مجال اختصاصه، من دون أي سيطرة أو تدخل من أي سلطة دينية أو سياسية أو اجتماعية، اللهم إلا سلطة العقل ومنطق الأساليب العلمية.

وقد اهتم الجزيري بمسألة الحرية الأكاديمية لأساتذة الجامعات، فإذا كانت الحرية الحقيقية تتطلب السماح لكل هيئة تعمل لصالح الدولة بأن تتمتع بنظام مستقل خاص بها، فإن الحرية تعني حق الاختلاف والتنوع ولا تعني أبدا الدمج القسري المفتعل، وهي تتضمن من بين ما تتضمن الحرية الأكاديمية لأساتذة الجامعات في البحث العلمي.

وقد برز هذا الجانب بوضوح في بعض مقالاته على صفحات جريدة الوفد والتي انتقد فيها قانون 82 لسنة 2000 والذي سُمي بقانون الحجر على أساتذة الجامعات، القانون الذي يمثل استخفافًا بكرامة العقل المصري وامتهانًا للعلماء وأساتذة الجامعات الذين يمثلون عصب كل نهضة في أي مجتمع من المجتمعات.

من هنا يؤكد الجزيري على العلاقة الوثيقة التي تربط بين التعليم والمعرفة والبحث العلمي من جانب، والحرية الأكاديمية من جانب آخر، كما يؤكد على أن الحرية ينبغي أن تكون بالمعنى المطلق في دنيا السياسة والاجتماع، وهذا ما لن يتحقق إلا في بيئة ديمقراطية تضمن قيمة الحرية والاستقلالية من جانب، وتكفل ديمومة عمليات الإصلاح والتطوير والتجديد باستمرار في شتى المجالات من جانب آخر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

( 3 ) التربية على الطاعة وثقافة التبعية

تُمثِّل التربية على الخضوع من أخطر المعوقات التي تصيب التعليم، كما أن التربية القائمة على أساس الانصياع وراء التقاليد تقف حجر عثرة في سبيل النهوض الحضاري والتقدم الإنساني، وتُمثِّل في الوقت نفسه مدخلًا لتغييب الوعي النقدي بأهمية وضرورة التعليم. ومن ناحية أخرى فإن هذه المشكلة ينتج عنها في كثير من الأحيان نوعًا من «الطائفية السياسية» (Political Sectarianism) التي تتشبث بجملة الأعراف والتقاليد التي تتنافى مع مبدأ المساواة، والثواب والعقاب، والتسامح.

والواقع أن مشكلة التربية على ثقافة الخضوع والطاعة العمياء تمثل محورًا مهمًا من المحاور التي انطلق الجزيري منها في تشخيص مشكلات التعليم، وهو ما يتضح في تحديده القيم الضرورية التي ترتبط بالتعليم والبحث العلمي،

وذلك على النحو الآتي:
  • قيمة العمل؛ النظر إلى العمل كقيمة ضرورية في تفهم الوجود الإنساني، بما يتطلبه ذلك من جدية العمل وتنظيمه وتقديره بعيدًا عن كل الاعتبارات الزائفة والوصولية والوهمية والنفعية التي تقترن به.
  • قيمة الانتماء والكرامة؛ ضرورة أن يكون البحث العلمي وسيلة لتحقيق الاستقلالية السياسية والاقتصادية دون الاعتماد على العالم الخارجي، سواء في البحث العلمي أو في غيره من المجالات الأخرى.
  • قيمة التضحية والإيثار، على اعتبار أن نتائج البحث العلمي ليست مباشرة، أو آنية وسريعة المدى، بل نتائجه مستقبلية يتحقق عائدها على المدى الطويل.
  • قيمة الوعي بالتاريخ؛ كل جيل عليه أن يدرك مسؤوليته ودوره، فالتاريخ يعلمنا أن المجتمعات التي اعتمدت على جهودها الذاتية في تنمية قدراتها البحثية، مع انفتاحها على غيرها من المجتمعات هي التي استطاعت أن تحقق وجودها الأصيل.
  • قيمة روح الفريق والمشاركة؛ البحث العلمي لا ينهض على النزعات الفردية وحدها، بل يتطلب تضافر كل الجهود.
  • قيمة الحرية، فلا مجال للإبداع العلمي والفلسفي في ظل مجتمع يقهر الحرية ويُعلي من سلطان الرأي الواحد.
  • قيمة المعرفة لذاتها بما تتطلبه من قيمة احترام القائمين عليها، والمدافعين عنها، والمخلصين لها.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال 

الجزء الثاني من المقال

يعني اية تربية؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د/ حمدي عبد الحميد الشريف

أستاذ الفلسفة السياسية المساعد بكلية الآداب، جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة