مقالات

رؤى إبداعية في فلسفة التعليم – الجزء الأول

كيفية تطوير التعليم

تُعَدُّ مقالات الدكتور محمد مجدي الجزيري (1942-…؟) حول أزمة التعليم والبحث العلمي من أبرز إسهاماته في هذا الميدان، نظرًا لإيمانه العميق بأن التعليم مشروع قومي لا ينفصل عن المسائل والهموم الحضارية والسياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى.

وقد شغلته كثيرًا هذه القضية، وكتب فيها العديد من المقالات التي تستهدف أولًا تشخيص أزمة التعليم والبحث العلمي في مصر، ثم تقديم الحلول لهذه الأزمة.

وقد كرَّس _لاهتمامه بمسألة التعليم والبحث العلمي_ العديد من الأبحاث والمقالات المهمة، من بينها ما نشره في يناير وفبراير 2016 في جريدة الوفد عن مشكلات الثقافة والتعليم في مصر، محاولًا في ضوء هذه المقالات الوقوف على ما ينبغي أن نتوقف عنده لدلالته في الكشف عن أزمة واقعنا الثقافي والتعليمي الراهن، مستعينًا بالبرنامج المهم الذي طرحه الدكتور طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» 1938.

سبب تطرق الجزيري للحديث عن أزمة التعليم والبحث العلمي

والحق أن الجزيري لم يكن ليكتب في هذا الموضوع لولا أنه وجد أن حال التعليم لم يتغير منذ أن كتب طه حسين يدعو إلى ضرورة تطوير التعليم في مصر، بل ازداد التعليم والبحث العلمي سوءًا من أيام طه حسين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حقًا لقد نادى طه حسين بضرورة أن تنهض الدولة بتشجيع البحث العلمي بالجهد والمال لتبلغ من التقدم ما بلغته الأمم الراقية، وناقش في كتابه أزمة التعليم والبحث العلمي والثقافي منذ أكثر من نصف قرن، لكن الناظر والمدقق يصطدم الآن بالأزمة نفسها، حيث استمرار الوضع الفوضوي والمأساوي الراهن للتعليم في مصر.

من هذا المنطلق كرس الجزيري بعض جهده لبحث هذه المسألة، ومن خلال سلسلة مقالاته عن أزمة التعليم والثقافة والبحث العلمي، سلط الضوء على ما يعانيه البحث العلمي من أزمة وانحسار، وتعد مقالاته في هذا الإطار من أبرز المقالات النقدية المهمة التي تكشف لنا مدى اهتمامه بقضية التعليم والبحث العلمي.

ومن هنا اهتم الجزيري بالهموم والمشكلات التي تتصل بقضايا التعليم والبحث العلمي وعلاقة ذلك بالمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالاعتداء على الحريات الأكاديمية في الجامعة، وأزمة البحث العلمي، ومدى ارتباط التعليم بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تمثل أبرز المحاور التي شكلت نقطة انطلاقه في الاهتمام بفلسفة التعليم، ومحاولة بلورة رؤية يمكن للمسؤولين عن التعليم والبحث العلمي الاسترشاد بها لإحداث تقدم ملموس على مستوى الفرد والمجتمع معًا.

لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟

وفي ضوء هذا ارتأينا مناقشة آرائه وتسليط الضوء على ما جاء في بعض مقالاته حول أزمة التعليم والبحث العلمي، ونبدأ سلسلة مقالاتنا عن الجزيري بعرض نظرته لبعض المشكلات التي ترتبط بالتعليم والثقافة، والطرق التي يطرحها لكيفية تطوير التعليم والبحث العلمي، والإجابة عن سؤال (لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟).

يشخص الجزيري الوضع الرديء للتعليم في جامعاتنا بقوله: «إن الحديث عن البحث العلمي في الجامعات المصرية حديثٌ شائك وعلى درجة كبيرة من الصعوبة والالتباس، بل هو حديث محفوف بالمخاطر والمحاذير، نظرًا لغياب موضوع التعليم نفسه في واقعنا الحديث والمعاصر، وبالتالي فإن الحديث عن التعليم في جامعاتنا قد يدخل في باب الأماني والأحلام والتوقعات والطموحات».

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لم يكن الجزيري ليطلق هذا الحكم المؤلم لولا ثبات الحالة المزرية والأوضاع المتردية التي عصفت بالتعليم وحبست البحث العلمي في جامعاتنا، فنحن “لا زلنا نعيش _كما يقول_ في واقع بدت فيه الدول العربية والإسلامية في بحوثها العلمية، ومتطلباتها التكنولوجية، واحتياجاتها الاقتصادية، وتوجهاتها السياسية، معتمدة فيه على العالم الغربي بدرجة لا يمكن إنكارها”.

ومنذ أن نادى طه حسين بضرورة أن تنهض الدولة بتشجيع البحث العلمي بالجهد والمال لتبلغ من التقدم ما بلغته الأمم الراقية، وعندما ناقش في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» أزمة التعليم والبحث العلمي والثقافي منذ أكثر من نصف قرن،

فإن الناظر والمدقق يصطدم الآن بالأزمة نفسها من حيث استمرار الوضع الفوضوي والمأساوي الراهن للتعليم، ولهذا يتساءل الجزيري: عندما نناقش الأزمة ذاتها اليوم، هل قُدر علينا أن نناقش أزمة البحث العلمي في بلادنا، بالمقارنة بما تحقق في العالم الخارجي؟

ضرورة إعادة التحديث والتطوير في مجال التعليم

وإذا كنا قد رفعنا شعار السلام وساد في وعينا الجمعي أن حرب 1973 هي آخر الحروب، وأكدنا قيمة الاستقرار لنتفرغ للبناء والتعمير، فلماذا لم نتقدم خطوة واحدة جديرة بالاحترام والتقدير في مجال البحث العلمي بعد ذلك؟!

إن القيمة الحقيقية للجامعة في رأي الجزيري تتمثل في الدفاع عن القيم التي يحتاج إليها الإنسان لكي يؤدي وظيفته الاجتماعية والسياسية على النحو الأكمل، مثل قيمة الحرية السياسية، وحرية التعبير والكلمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكن ورغم غياب التعليم على مستوى الفعل والواقع في جامعاتنا، وكونه حبيسًا للحفظ والتلقين، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مثبطًا للهمم والنفوس الساعية إلى الإصلاح والتغيير.

ولهذا يدعو الجزيري إلى إعادة التحديث والتطوير في مجال التعليم، مؤكدًا أن قضايا البحث العلمي لا تنفصل عن قضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتحديث الثقافي، بل هي في تقديره المرآة العاكسة لصدق وجدية توجهاتنا في معالجة هذه القضايا، وهي إذا كانت الناتج والثمرة المترتبة على إخفاقاتنا المتلاحقة والمتكررة في مواجهتها، فإنها _من ناحية أخرى_ تعد عاملًا فعالًا في بزوغها.

اقرأ أيضاُ:

نحو معايير قومية لجودة التعليم والتعلم الإلكتروني

المجتمع المدني العربي والتعليم بين الواقع والمأمول

علــوم على الأرصفة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د/ حمدي عبد الحميد الشريف

أستاذ الفلسفة السياسية المساعد بكلية الآداب، جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة