مقالات

رؤى إبداعية في فلسفة التعليم – الجزء الثاني

منظومة التعليم وأبعاده المختلفة

تحدثنا في المقال السابق عن رؤية الدكتور مجدي الجزيري لأزمة التعليم والبحث العلمي، وتأكيده على أن القيمة الحقيقية للتعليم وللجامعة تتمثل في الدفاع عن القيم التي يحتاج إليها الإنسان لكي يؤدي وظيفته الاجتماعية والسياسية على النحو الأكمل، أما في هذا المقال فسنتحدث عن رؤيته للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للتعليم والبحث العلمي.

( 1 ) البعد الاجتماعي للتعليم.

إذا نظرنا إلى البعد الاجتماعي للتعليم والبحث العلمي فسنجده يتضمن جملة من القيم وعلى رأسها: قيمة العمل في تفهم الوجود الإنساني، وقيمة الانتماء والكرامة، وقيمة التضحية والإيثار، وقيمة الوعي بالتاريخ، وقيمة روح الفريق والمشاركة، وقيمة الحرية، وقيمة المعرفة لذاتها.

( 2 ) البعد الاقتصادي للتعليم.

بالنسبة للبعد الاقتصادي للتعليم فيتمثل في أن التعليم شأنه شأن أي استثمار آخر في أي سلعة اقتصادية أو مادية، وبالتالي يتعين -كما يقول الجزيري- وجود مشروع قومي واضح المعالم، بحيث يمكن توفير الموارد المالية لتنمية البحث العلمي، وهو جانب مهم من جوانب مسؤولية الدولة في الأساس، ومن هنا ترتبط السياسة الاقتصادية بالضرورة بالسياسة التعليمية، بحيث يمكن القول أن العلاقة بينهما علاقة طردية.

وفي هذا الإطار يدعونا الجزيري إلى التأمل في تجربة الهند التي عملت على تحسين نظام التعليم فيها، الأمر الذي انعكس على تنميتها الاقتصادية حيث حققت تقدمًا اقتصاديًا كبيرًا فتحولت إلى نقطة جذب بالنسبة لأبنائها الذين عادوا إليها مرة أخرى، وكانت عودتهم إلى الهند نتيجة للفرص التي أصبحت متاحة أمامهم، ووضع الإمكانيات التي تساعدهم على تحقيق كشوفهم العلمية..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأهم مركز لجذب العقول المهاجرة هي منطقة (بنجلور)، التي تحولت إلى العاصمة التكنولوجية للهند بما فيها من مراكز أبحاث ومعامل وتسهيلات هائلة للعلماء، الأمر الذي أدى إلى هذا الازدهار الاقتصادي الذي تشهده الهند الآن.

( 3 ) البعد الثقافي للتعليم.

يؤكد الجزيري على أهمية البعد الثقافي للتعليم، إذ ما قيمة تدفق المعلومات والمعارف لذهن خامل سلبي لا يتعقل ولا ينفعل ولا يتفقه ما يصل إليه ولا يستطيع أن ينتقي ويختار ويستبعد ويرفض؟

وبالتالي فلو افتقدنا الثقافة افتقدنا معها قيمة ودلالة ما نعرفه، فالثقافة منظومة متكاملة يصعب الفصل بين عناصرها من عقيدة دينية وتوجهات روحية وذاكرة تاريخية وخبرات معنوية وقيم أخلاقية وتجليات وإبداعات إنسانية من لغة وفن وعلم وتقاليد وشرائع وأساطير وقبول للآخر وتواصل معه وانفتاح عليه.

إن أهمية البعد الثقافي للتعليم يتمثل في تفريغ مثقف نقدي يكون مهمومًا بقضايا وطنه، وبحيث يؤكد قيمة البحث العلمي في كل توجهاته، ويضرب الجزيري مثالًا على ذلك بالمفكر المصري الراحل زكي نجيب محمود، الذي يُعَدُّ نموذجًا للمثقف النقدي الذي شغلته قضايا ومشكلات العالم العربي بعد رحلة طويلة من التعليم في جامعات أوروبا.

ويمضي الجزيري محللًا الدور التنويري والحضاري للجامعة، والمتمثل في تفريغ أفراد ليسوا مثقفين فحسب، بل أيضًا وفي الوقت ذاته مصدرًا للثقافة، وبحيث لا يكونون مجرد أشخاص متحضرين بل يكونون أيضًا منتمين لحضاراتهم العريقة، وعلى حد تعبير الدكتور طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»: “الجامعة خليقة أن تكون مشرق النور للوطن الذي تقوم به”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي ضوء ما سبق تتكشف الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للتعليم والبحث العلمي، وقد أكد الجزيري على ضرورة ارتباط البحث العلمي بقضايا ومصير المجتمع كله، لأنه «إذا كان البحث العلمي في جامعاتنا مجرد بُعد من أبعاد المنظومة التي تحكم واقعنا، فإنه _من ناحية أخرى_ يمثل قلب وجوهر هذه المنظومة، وبالتالي فإن مناقشة قضية البحث العلمي تتطلب مناقشة أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية».

اقرأ أيضاً:

نحو معايير قومية لجودة التعليم والتعلم الإلكتروني

بين الواقع والحلم في صناعة القرار التعليمي

دور المدرسة في نشر ثقافة المشاركة المجتمعية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

د/ حمدي عبد الحميد الشريف

أستاذ الفلسفة السياسية المساعد بكلية الآداب، جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة