علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أن تكون إنسانا، ماذا تعني؟! .. الجزء التاسع

أشرنا في المقال السابق (الثامن) من هذه السلسة أن ثمة بعدًا آخر لخروج شخص ما –والذي رمزنا له باسم “عمرو”– من الفطرة الحيوانية والولوج في الفطرة الشيطانية، وذلك عندما لا يتصرف كفرد مستقل وإنما كعضو في مؤسسة أو جماعة.

مظاهر السلوك الشيطاني المباشر

سلوك عمرو يهبط من مستوى السلوك الذي تسمح به الفطرة الحيوانية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب غيرها، إلى الفطرة الشيطانية، وذلك عندما يكون همه –على سبيل المثال لا الحصر:

  • السعي إلى تخريب المؤسسة التي هو عضو فيها، انتقامًا من صاحب هذه المؤسسة، أو من صاحب قرار فيها، دون وجه حق.
  • السعي إلى تخريب علاقات الأفراد في هذه المؤسسة ببعضهم البعض حنقًا على البعض منهم. أو السعي إلى تفكيك الوحدات التي تتكون منها تلك المؤسسة أو إضعافها.
  • الزج بها في صفقات أو أعمال يعلم أنها خاسرة سلفًا، أو تخريب علاقتها بعملائها، وبالمؤسسات الأخرى.
  • تشويه صورتها عند المجتمع الخارجي، أو عند المؤسسات المماثلة لها، أو بين عملائها.

ولا مراء أن كل هذه السلوكيات –وما شابهها– تخلُف خرابًا في تلك المؤسسة أو الجماعة، دون أن يكون ثمة مردود حقيقي يعود عليه من إدارة عملية التخريب الشيطانية تلك، سوى التشفي في قيادتها، أو أصحاب القرار فيها، أو أطراف ما داخلها، حسدًا من عند نفسه.

مظاهر السلوك الشيطاني غير المباشر

قد يأخذ السلوك الشيطاني لعمرو –عندما يكون جزءًا من بنية مؤسسة أو جماعة ما– بعدًا مغايرًا لإيقاع الشر مباشرة بالمؤسسة أو الجماعة التي ينتمي إليها، أو منع الخير عنها، بالقول أو الفعل، وذلك عندما:

اضغط على الاعلان لو أعجبك
  • تكون لديه القدرة على منع مصاب معين قد يحيق بالمؤسسة أو الجماعة التي ينتمي إليها –دون أن يكلفه ذلك إلا كلمة– فلا يسعى لمنعه، رغبة في وقوع هذا المصاب بها.
  • كذلك عندما يسعى إلى حث الآخرين (أفراد، مؤسسات، جماعات) على حرمانها من خير مستحق لها، كذلك عندما يغري الآخرين (جماعات، مؤسسات، أفراد) بإيقاع الضرر –دون وجه حق– بها.

أنواع البشر

0 54 - أن تكون إنسانا، ماذا تعني؟! .. الجزء التاسع

وهكذا، وبناءً على ما سلف يُمكن القول: إننا نقف أمام ثلاثة أصناف من البشر؛ صنف ينتمي سلوكهم إلى الفطرة الإنسانية السوية، وهم الذين يمارسون العدالة (القسط)، وقد يصل بهم الأمر إلى أن يكونوا دعاتها بين الناس.

قد توعد القرآن الكريم من يقتل دعاة العدالة بين الناس بغير حق –مثلهم في ذلك مثل من يقتل الأنبياء بغير حق– بالعذاب الأليم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (آل عمران:21).

في تفسير ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره المنار: “أي الحكماء الذين يرشدون الناس إلى العدالة العامة في كل شيء، ويجعلونها روح الفضائل وقوامها، ومرتبتهم في الهداية والإرشاد تلي مرتبة الأنبياء وأثرهم في ذلك يلي أثرهم”.

أما الصنف الثاني فهو صنف تُعمي مصالحُهم عقولَهم عن تحري العدالة في سلوكهم، وهم هنا يهبطون في سلوكهم إلى سلوك فطرة أدنى من الفطرة الإنسانية السوية، ألا وهي الفطرة الحيوانية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وصنف يهبط سلوكهم دركات بعيدًا عن مستوى الفطرة الحيوانية، ويدخل بهم إلى دائرة الفطرة الشيطانية، التي تسعى إلى إلحاق الضرر بغيرها دون أن يكون هناك أي مردود ملموس عليها.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال، الجزء الثاني من المقال، الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال، الجزء الخامس من المقال، الجزء السادس من المقال

الجزء السابع من المقال، الجزء الثامن من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الانتقال من الفطرة الإنسانية إلى الفطرة الشيطانية

بالطبع فإن الشخص الواحد منا قد يقترف تارة سلوكًا عادلًا، وهو حينها يمكن أن يوصف بكونه إنسانًا، وقد يقترف تارة أخرى سلوكًا يتنافى مع العدالة في القول أو الفعل أو الشعور أو الأخذ أو العطاء.

هنا يصعب أن نصف هذا السلوك أنه سلوك نابع من فطرة إنسانية سوية، بل هو سلوك تسمح فقط به الفطرة الحيوانية. وقد يتدنى–في حالة ثالثة– لاقتراف سلوك ينتمي إلى الفطرة الشيطانية، وحينئذ ليس من العدل في شيء أن نصف سلوكه هذا بأنه ينتمي إلى الفطرة الحيوانية.

كما أن أي إنسان منا لن يكون جديرًا أن يوصف بأنه إنسان بحق إلا إذا كانت العدالة هي ضابط سلوكه في كل وقت وحين. أما إذا كان ديدنه دائمًا هو تحقيق مصالحة على حساب مصالح الآخرين (أفراد، مؤسسات، جماعات، إلخ) فإنه يستحق حينئذ وصفه بكونه من الدواب أو الأنعام.

أما إذا كان طبعه دائما هو إيقاع الأذى بالآخرين، حسدًا من عند نفسه، فإنه عندها يستحق وصفه بكونه شيطانًا عن جدارة.

كيفية التصدي لطباع الفطرة الحيوانية والشيطانية

معلومات عن السلوك الإنساني 2 - أن تكون إنسانا، ماذا تعني؟! .. الجزء التاسع

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وإذا كانت سيادة السلوك الحيواني الذي يفتقر إلى العدالة في مجتمع ما، وآثارها السلبية على أفراده ومؤسساته ومكوناته عامة تؤذن بهلاك هذا المجتمع، وإن كانت على مدى ليس قصيرًا، فإن سيادة الآثار التدميرية للسلوك الشيطاني على أفراده ومؤسساته ومكوناته تؤذن بهلاكه على المدى القصير.

لا مراء أن التصدي لممارسات مثل هذه النفوس التي تغلب على طباعها طباع الفطرة الحيوانية أو الشيطانية، ونهيها عن غيها وطغيانها، أمر حتمي على كل من يهمهم أمر مجتمعاتنا، بداية من أولي الأمر،

ومرورًا بكل القائمين على التربية، والتعليم، والدعوة والإعلام، وانتهاءً بكل شخص يملك قدرة على التأثير فيمن حوله تأثيرًا إيجابيًّا، حتى نحافظ جميعًا على بقاء مجتمعاتنا، ومن ثم على بقائنا ككائنات حية على ظهر هذا الكوكب.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمود السماسيري

أستاذ الإعلام المشارك بجامعتي سوهاج بمصر حاليا، واليرموك بالأردن سابقا.

مقالات ذات صلة