كارثة زلزال تركيا وسوريا .. تذكرني
أي كارثة تصيب إنسانًا أو كائنًا في هذا العالم يجب أن نتألم لها ونتعاطف معها، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو اللغة أو الجنسية أو المعتقدات.
التعاطف والرحمة طبيعة بشرية، من يفتقدها يفتقد جزءًا هامًا من بشريته، ومن يضع شروطًا مسبقة للتعاطف يفتقد جزءًا من بشريته.
من يضع الدين أو اللغة أو الجنسية أو لون البشرة شرطًا للتعاطف يفتقد جزءًا من بشريته، يفتقد جزءًا من الرحمة الطبيعية الموجودة في قلب الإنسان.
حتى أننا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله لقومه، بينما هم يؤذونه ويؤلمونه ويحاربونه، فيقول: “رب اهد قومي، فإنهم لا يعلمون”.
ما الحكمة من زلزال تركيا وسوريا؟
كارثة زلزال تركيا وسوريا، تذكرني بمثل هذه الأيام منذ ثلاث سنوات، حين ظهر وباء كورونا في الصين، وقتها كتبت متعاطفًا مع من يموتون هناك ويعانون من إجرائات الإغلاق.
لكن وجدت كثيرين حول العالم، ينظرون إلى الصين والصينيين بشماتة، الغرب ينظر بشماتة وتكبر وعنصرية، ويقولون أن هذا البلد العجيب المتخلف يستحق ما يحدث له، وسوف ينهار.
بينما في بلاد المسلمين وجدنا من يتحدث عن عقاب الله للكفار الصينيين الذين يضطهدون المسلمين.
كأن كل الصين شخص واحد! كائن ليس بشرًا، بلا شكل ولا اسم ولا ملامح ولا ذكريات ولا أسرة، مجرد شيء أو رقم، تمامًا كما يفعل الغرب مع ضحايا المسلمين، وتفعل إسرائيل مع الفلسطينيين.
ثم مرت الأيام، وأصاب الوباء الجميع، وذاق الجميع ما كان يسخر منه وينظر له بشماته!
حين نرى الكوارث تصيب إنسانًا غيرنا، نتخيل دائمًا أن هذه المصائب تصيب الآخرين، لكنها لن تصيبنا، وهذا الوهم يصيبنا جميعًا، أن ننظر إلى الآخرين على أن هذه المصيبة أو تلك الكارثة لن تصيبنا، إلى أن يأتي اليوم الذي تصل المصيبة إلينا فيه!
الغرور نهاية الإنسان
من ناحية أخرى كثيرًا ما نرى كلامًا مضحكًا في مواجهة الكوارث والأمراض، يدل على غرور طفولي!
مثلًا مريض يعاني من مرض شديد مثل السرطان، ويكتب الله له النجاة لبضعة سنوات، وبدلًا من أن يقول عن نفسه أن الله رحمه، وأن المرض سمح له ببضعة سنوات أخرى من الحياة، يتحدث عن نفسه ويقول أنه قهر مرض السرطان! ما الذي قهرته بالضبط؟ أيها الأحمق المغرور!
أو البشر التافه الذي يتسلق الجبل العملاق، وحين يصل إلى القمة يهلل ويقول عن نفسه أنه قهر الجبل! أليس هذا مثيرًا للشفقة؟! أو شخص ركب سفينة فضاء وطارت في السماء، فيقول أنه قهر الفضاء!
بل حتى الأطباء، يعالجون المرضى كل يوم ويتخيلون أنهم لن يصيبهم المرض هم أنفسهم! إن المرض يصيب الآخرين ولا يصيبنا نحن!
دائمًا قصة نحن المغرورون المتميزون، والآخرون المساكين الأقل حظًا منا!
هل حقًا قهرتم الفضاء؟ هل حقًا قهرتم الجبل؟ هل حقًا قهرتم المرض؟ هل حقًا أنتم متميزون وأفضل حظًا من الآخرين؟! ما هذا الغرور الطفولي الأحمق؟!
آداب التعامل مع مصائب الآخرين دون سخرية
نحن البشر كائنات تافهة سطحية مغرورة أنانية، والأمر الوحيد الذي يمَكِّننا من الحياة والاستمرار في هذا العالم التعاون فيما بيننا، تبادل الخبرات، مساعدة بعضنا لبعض، نقل المعلومات والخبرات عبر الأجيال في الكتب، نقل المعلومات والخبرات فيما بيننا من خلال وسائل الاتصال.
من دون تعاون البشر مع بعضهم، نحن لا شيء، مجرد كائنات حمقاء أنانية مغرورة تتصارع على التفاهات، وتتخيل أنها مهمة أو متميزة، بينما ينظر إليها الكون بسخرية، ويصيبها بالكوارث لعلها تتعلم وتفيق.
أو كما يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام: “فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ”.
لكن سرعان ما ننسى، ونتخيل أن الكوارث تصيب الآخرين، لكنها لا تصيبنا، ونغرق مرة أخرى في الشعور الوهمي بالمناعة والتميز عن الآخرين!
لا تنسَ نفسك ولا تغتر، فأنت لا تعلم متى سوف تصيبك المصيبة والألم والحزن، ولا من أين ولا كيف، فأنت لست محصنًا، وليس لديك مناعة ولا حصانة ضد أي شيء.
اللهم ارحم كل من تألم أو أصيب في كل مكان وزمان.
مقالات ذات صلة:
أوقات الأزمات وتجلي التفكير العلمي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا