مقالات

نظرية الأحمق الأعظم!

الأحمق الأعظم (The Greater Fool) نظرية في علم الاقتصاد مؤداها أنه ليس من المُهم السعر الذي تشتري به الأصل، طالما أن ثمة أحمقًا ينتظر، وسيشتريه بسعرٍ أعلى.

بعبارة أخرى، تنص النظرية على أنه من الممكن بالفعل جني الأموال عن طريق شراء الأصول –حتى عندما تكون أسعارها مبالغًا فيها– ثم إعادة بيعها، إذ ستتمكن دائمًا من العثور على شخصٍ ما أكثر حُمقًا على استعدادٍ لدفع سعرٍ أعلى!

هذه النظرية شائعة جدًا بين المستثمرين الذين يستثمرون في أسهم الشركات، فالمستثمر الذي تنطبق عليه –عن علم أو عن غير علم– نظرية الأحمق الأعظم،

من شأنه أن يشتري الأصول التي يحتمل أن تكون قيمتها مبالغًا فيها دون النظر إلى القيمة الفعلية لها، وكأنه يقول لنفسه: “إنني أحمق لأني أشتري بمثل هذا السعر الباهظ، لكنني سأجد أحمقًا أكبر سيكون على استعدادٍ لدفع أكثر مما دفعت!”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هو اقتصاد الفقاعة؟

تتجلى النظرية بشكلٍ أوضح فيما يُعرف باسم أسواق الفقاعة (Bubble Markets) أو اقتصاد الفقاعة (Bubble Economy)، وهو وصف لحالة تحدث عندما تتسبب المضاربة على سلعةٍ ما في تزايد سعرها بطريقة تؤدي لتزايد المضاربة عليها،

ومن ثم يبلغ سعر هذه السلعة مستويات خيالية، تمامًا مثلما تنتفخ الفقاعة، حتى تبلغ مرحلة الانفجار (الانهيار)، ويحدث هبوط حاد ومفاجئ في سعر هذه السلعة!

تحدث الفقاعات الاقتصادية عادةً في أسواق الفن والإسكان، لكنها يمكن أن تمتد أيضًا إلى أسواق الأسهم، حيث يمكن أن يدفع المُضاربون في السوق ثمنًا للأسهم أعلى من قيمتها المعتمدة في نظام تقييم الأسهم نتيجة التحيزات المعرفية وسلوك القطيع، ومن ثم يحدث الانهيار المفاجئ.

أشهر الفقاعات الاقتصادية

WM8RbN8Xib psigj 1280x600 q70v3 - نظرية الأحمق الأعظم!فقاعة التوليب الهندية

لعل فقاعة جنون التوليب (Tulip mania) الهولندي في القرن السابع عشر هي أول فقاعة اقتصادية مسجلة في العالم، وذلك عندما تزايد الطلب على بصل زهرة التوليب بين الهولنديين، ما أدى إلى ارتفاع ثمنه إلى حدٍ غير مسبوق، ثم انهار سعره فجأة إبان العصر الذهبي الهولندي!

فقاعة الدوت كوم

كذلك من أشهر الفقاعات الاقتصادية تلك التي حدثت سنة 2000، وأُطلق عليها اسم فقاعة الدوت كوم (Dot Com Bubble)، حيث ارتفعت القيمة السوقية لبعض مواقع الإنترنت وأسهم الشركات التقنية لتصل إلى أرقام غير مسبوقة، ثم ما لبثت أن انهارت على نحو مفاجئ!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هي نظرية الأحمق الأعظم؟

ثمة مقولة شائعة منطوقها: “ليس عليك أن تجري أسرع من الدب حتى تهرب، يكفيك فقط أن تجري أسرع من الرجل الذي بجانبك”، وتلك باختصار هي نظرية الأحمق الأعظم،

أو كما عبَّر عنها المستثمر والملياردير الأمريكي أوراكل بوسطن (Oracle of Boston) سيث أندرو كلارمان (Seth Andrew Klarman): “قد تجد مشترٍ بسعر أعلى –أحمقًا أعظم– أو قد لا تجد، وفي هذه الحالة تكون أنت الأحمق الأعظم!”.

في العام الماضي 2021، بيعت إحدى لوحات الرسام الأمريكي مارك روثكو (Mark Rothko) (1903 – 1970) بمبلغ 82.5 مليون دولار. ورغم ما قد تُمثله اللوحة من قيمة فنية تنم عن موهبة تستحق التقدير، إلا أن ضخامة المبلغ المدفوع في قطعة من القماش والزيت الجاف تثير الدهشة!

بعض الناس يستثمرون في الفن لأنهم يُحبونه، وبعضهم يفعل ذلك بهدف غسل الأموال، لكن تجارة الفن تُدر أرباحًا هائلة، والهدف الرئيس لدى أي مُستثمر –وفقًا لمنطق سوق المال– ليس العثور على عملٍ فني جيد،

وإنما في العثور على حمقى يرغبون في رؤيته على أنه فنٌ جيد، وبالتالي شراؤه بسعر أعلى دائمًا! المشكلة هنا أن البشر متقلبون بشكل ملحوظ؛ ما نعتقد اليوم أنه ذو قيمة، قد نعتقد غدًا أنه لا قيمة له!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً: منهج الاقتصاد في التفكير

تعرف علي: أسباب التضخم وآثاره على المجتمع والإنتاج والسياسة النقدية والمالية

اقرأ أيضاً: الاقتصاد والوعي والحلول التي تساهم في بناءه

أكثر الظواهر اضرارا بالاقتصاد والمال

من المؤكد أن كل مستثمر يعلم تمامًا أن الفقاعة التي تنمو على أساس التوقعات فقط سوف تنفجر عاجلًا أم آجلًا. ومع ذلك يريد الجميع الاستفادة من تلك الفقاعة، وعندما تنفجر تؤدي قطعًا إلى أزمة مالية،

مثلما حدث في سوق الاستثمارات العقارية سنة 2009، حيث اتجه الناس في الولايات المتحدة إلى الاقتراض بكثافة من البنوك لشراء المنازل، مع توقع بيعها في المستقبل بسعر أعلى إلى أناسٍ أكثر حُمقًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

استمرت هذه الممارسة لفترة طويلة، لكنهم أدركوا بعد ذلك أن الأسعار كانت مرتفعة للغاية، ولم يتمكنوا من العثور على المشترين الذين هم على استعداد لدفع سعر أعلى، ما أدى إلى سلسلةٍ من حالات التخلف عن سداد الرهون العقارية، وأُجبرت البنوك على شطب هذه القروض من ميزانيتها العمومية، وبالتالي الولوج في حالة طوارئ مصرفية!

آثار نظرية الأحمق الأعظم

112594 148765 - نظرية الأحمق الأعظم!في حياة الإنسان المعاصر

على أن المثير للدهشة والتأمل هو تجاوز نظرية الأحمق الأعظم لحدود عالم الاقتصاد والمال، لتستغرق كثرة من مناحي حياة الإنسان المعاصر اليومية؛ الممارسات الإعلامية المؤدلجة والمدعومة حكوميًا تُراهن دومًا –رغم حماقتها– على أن ثمة حمقى على استعداد لتغييب العقل وتصديق الأكاذيب، بل والترويج لها لتغدو كفقاعات متعاظمة توشك أن تنفجر.

مثل ما نجده مثلًا في ترويج الإعلام المصري سنة 2014 لجهاز “سي فاست” –الذي اشتهر باسم جهاز الكفتة– والزعم غير المنطقي بقدرته على علاج مرضى فيروس سي وغيره من الفيروسات!

في التعليم

كذلك الحال في فقاعات الدروس الخصوصية، لا سيما لمرحلة الثانوية العامة، حيث يبلغ متوسط ما ينفقه المصريون، ممثلين في 26 مليون أسرة في جميع المحافظات، على الدروس الخصوصية،

نحو 47 مليار جنيه من إجمالي الإنفاق على قطاع التعليم وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يتناقض مع القيمة الفعلية للمنتج التعليمي في سوق العمل المحلي والدولي.

إذا أضفنا إلى ذلك برامج الاعتماد والجودة في مؤسسات التعليم العالي، والتي تستهلك قدرًا ضخمًا من الوقت والجُهد والمال دون مردود فعلي (غير ورقي) على أرض الواقع، أدركنا كيف ينطوي نظامنا التعليمي على فقاعات قوامها حمقى يبيعون الوهم لحمقى ويراهنون دومًا على وجودهم!

في عالم الفن والرياضة

تمتد نظرية الأحمق الأعظم كذلك إلى عالم الفن السينمائي والثقافة والرياضة ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حين تعجز النُخب عن التواجد والتأثير الفعلي يصير حضورها شبكيًا أو افتراضيًا في صورة فقاعات متتالية..

حفل غنائي قيمة تذكرته تبلغ مائة ألف جنيه، لاعب يتنازع عليه فريقان ويرصدان لشرائه ملايين الجنيهات، ممثل أو مغنٍ يحصد الملايين في بلد تعصف به الأزمات الاقتصادية مقابل فنٍ هابط، أستاذ جامعي ينغمس في مجموعات افتراضية للتواصل بُغية تحقيق الذات الخاوية والمفتقدة بالفعل على صعيد العطاء الفكري، إلخ.

الجميع في النهاية –إلا ما رحم ربي– يتخذون من الحماقة سبيلًا، ويُراهنون بقوة على أن ثمة من هم أكثر حُمقًا منهم!

تسونامي المحيط الهندي

زلزال تسوماني 2004 - نظرية الأحمق الأعظم!الشاهد، في سنة 2004، أدى تسونامي المحيط الهندي قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة (Northern Sumatra) المعروف باسم تسونامي يوم الصناديق (Boxing Day Tsunami) لأنه حدث يوم 26 ديسمبر، وهو يوم عطلة عيد صناديق الهدايا في المملكة المتحدة، إلى قتل ما يقرب من 230 ألف شخص في أربعة عشر دولة. لم تساعد كل علوم الحضارة الغربية في التنبؤ بالكارثة أو منع الخراب والموت.

لكن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في هذا التسونامي هو أنه لم يقتل أي فرد من القبائل الأصلية، وبالعودة إلى نظام إدارة المخاطر الخاص بهم، وُجد أنه يشمل سلوك حيواناتهم:

لقد استنتجوا من سلوك الحيوانات قبل التسونامي أن شيئًا سيئًا على وشك الحدوث، فانتقلوا مسرعين إلى الداخل قبل الكارثة، لقد طبقوا الحكمة بدلًا من المُضي قدمًا كقطيع في نفخ فقاعات الوهم!

الحكمة منهجٌ مثالي، ينطوي على الرغبة في التعلم وبذل الجهد والمحاولة والفشل، وهي ليست وجهة، بل رحلة مستمرة، وأفضل ما يمكن أن نأمله إن أردنا أن نتجاوز فقاعات الوهم هو تجنب الحماقة، فلكل داءٍ دواءٌ يُستطب به، إلا الحماقة أَعيت من يُداويها!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية

مقالات ذات صلة