كورونا منحة وليست محنة

ألا تعلم يا صديقي أن الله قد جاء بتلكم الجائحة من أجلك أنت؟ نعم، من أجلك، ألا تدري أن الله قادر على تغيير العالم لك؟ وأن الله يراك ويطلع عليك ويعرف ما تقاسيه من هموم وما تعانيه من مآسي؟

لا يخالجني شك في أن الله قادر على كل شيء، عقيدة أومن بها، وأتقرب إلى الله من خلالها، أمر وقر في قلبي، راسخ لا يتزعزع، ثابت لا يريم، وهذا ليس شأني وحدي، وإنما هو شأن كل مسلم، إذ يجب عليه أن يوقن بهذا الأمر بوصفه عقيدة لا مناص منها، وإلا خرج من ربقة الإيمان، وسابلة المسلمين، ولست هنا في مجال سرد عشرات الآيات القرآنية وصحيح الأحاديث النبوية التي تؤكد هذه العقيدة وذلكم الشعار.

إن إحساس الإنسان الفطري البسيط ليرى ذلك في قلبه، دونما تحصيل، أو براعة تأويل؛ إذ إن هذا أمر مشاهد يراه في واقعه المعيش، حيث يلاحظ وجود قدرة خارقة تسير الكون، وتنظم مجرياته، تلكم القدرة التي يمكن أن تقول في أية لحظة للشيء”كن فيكون”.

وقد زاد يقيني بهاتيكم المسلمة هذه الأيام تزامنا مع جائحة كورونا، التي قلبت الموازين، حتى غدا العالم معها في انتظار نظام جديد، حيث ترتفع دول، وتسقط أخرى.. ولعلنا الآن نرى بوادر من هذا التغير، كل ذلك في لحظة واحدة، فيروس صغير، غير مرئي، يفعل الأعاجيب في العالم، ولا يستطيع العلم بتقدمه، أو الطب بتطوره أن يكتشف أسراره، أو يوقف آثاره.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في لمحة بصر

لقد بدا الأمر واضحا في أن هذه الجائحة وذلك الفيروس إنما يسير بقدرة عجيبة، لها مقدرة على التحكم في مصائر الناس، ولم يكن ذلك إلا في لمح البصر، مع إحداث تغيرات في جل نواحي الحياة في كافة الدول التي طالها هذا الوباء محدثا آثارا واسعة ربما تمتد لعقود.

وقد كان على إثر ذلك إصدار مجموعة من الإجراءات الاحترازية الصحية؛ منعا لانتشار هذا الوباء، وتحوله –من ثمة– إلى طاعون يصعب السيطرة عليه، فيأكل الأخضر واليابس، خصوصا وأنه مرض معدٍ سريع الانتشار، واسع المدى، ومن هذي الإجراءات إغلاق الحدود بين الدول مع توقف حركة الطيران، وإغلاق الملاحة الدولية، وإغلاق المدارس والجامعات والمساجد وقاعات الأفراح والنوادي والسينمات والمسارح والكافيهات، مع حظر تجوال يصل إلى أكثر من خمس عشرة ساعة، إلى غير ذلك من الإجراءات، مما أثر تأثيرا كبيرا على الاقتصاد العالمي.

كل ذلك يحدث في طرفة عين، ولمحة بصر، ودونما سابق إنذار، بقدرة الله، وتدبير العلي، ولعل هذا الأمر المشاهد يجعل الإنسان المسلم يزداد إيمانه بأن للكون مسيرا، وأن للحياة خالقا، إذا أراد شيئا كانه، فلا يحدث في الكون إلا ما يريده، ومن ثم لا يغتر أحد بقوته، أو سلطته، أو جبروته، أو ماله، أو عياله، فكل شيء يمكن أن يذهب في لحظة، وقد رأينا كيف أن المال لم ينفع صاحبه الذي أصيب بهذا الداء، فلم يغنِ عنه شيئا، وضاقت الدنيا عليه بما رحبت، وهو ينفق الغالي ويقدم النفيس لعله ينجيه من فيروس حقير، لكن وأنى له ذلك وقد أمره العلي القدير فمات؟!

قر عينا واطمئن قلبا

كذلك في الجائحة رأينا ما حدث ربما يكون بمثابة سلوى لهؤلاء الضعفاء والمعوزين، والحيارى والمقهورين، الذين ربما دعا أحدهم في جنح الليل، سائلا، معوزا، مقهورا، رب إني قد مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، يجأر بدعاء يونس لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فتأتي الإجابة السريعة، مع حرف العطف (الفاء)، فاستجبنا له، فهل يدرك هذا الإنسان الضعيف المغلوب على أمره أن الله ربما غير موازين الكون وقلب أمر الدنيا من أجله هو؟

نعم من أجله، أفلا يمكن أن يكون هذا الإنسان كان موظفا في مؤسسة ما، أو في وظيفة معينة، ثم جاء الوقت المحتوم، والأجل المعلوم الذي حدده له جلاده، أو رؤساؤه كي ينالوا من كرامته، أو ينتقصوا من حقه، فإذا بهذه الجائحة تأخذ أحدهم، ويصاب الآخر، ويتمترس الآخرون خلف أقنعتهم خوفا من المرض، ثم تغلق المؤسسة، ويحظر التجوال، ويعفى الموظف البسيط من عقوبة منتظرة، وجزاء موعود، فسبحان مغير الأحوال!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أفلا يمكن القول بأن الله يمكن أن يغير الكون وموازينه ونواميسه من أجل عبد من عباده؟ نعم، يحدث، وكأن هذه الجائحة، وذلكم المرض رسالة قوية لهؤلاء الضعفاء والثكالى، أنتم في كنف الله، وهو قادر على كل شيء، أنتم في معية الله، ولن يتركم، فلا تخافوا من ذي سلطان، ولا تذلوا لذي جبروت، وكونوا على يقين بأن الله سيغير لك الموازين في الوقت الذي يريده، فاعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، فاهدأ بالا، واهنأ حالا، وقر عينا، واطمئن قلبا.