مقالات

من العجب إلى الخير و الحب.. كيف نطهر قلوبنا من الغرور بالحب ؟

من العجب إلى الخير و الحب

ما أسهل أن أتخلق ب ” العجب ” ! ما عليّ إلا دوام الطواف حول نفسي، ما عليّ إلا أن أهتم جدا وفقط بأن أبدو الأفضل في عين نفسي والآخرين.

وفي سبيل ذلك: أخنق نفسي بأحزان غير شريفة،  كالحزن وشعور النقص الذي أغرق فيه لما يفوتني المديح والتصفيق، وأخنق نفسي بأفراح كالأغلال المذهبة، مثل فرحي بأن أنتصر على فلان وأشعره بالنقص، لا انتصارا للحق ودحضا للباطل، إنما انتصارا لذاتي، وأتصيد أخطاء الآخر أو حتى أتوهمها لا حرج عليّ! أتصيدها لا لرغبة في تعلم صور الخطأ بغرض الحذر منه والتحذير، إنما لأرى الآخر مخطئا.

وبمنتهى السذاجة  أحكم متوهما بأني الأفضل! النفس المريضة ب ” العجب ” مشوَهة متسلطة..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا أدري بأى حق أتخلق بهذه الصفة؟! هل الإله لم يخلق بشرا غيري؟! أم أني وجدت في مرض العجب طريقا لتحقيق الخير لي ولك؟! لا مبرر لهذا المرض سوى الجهل أو الغفلة أو كليهما، وهي مبررات لا تقبلها فطرة نفس ساعية لخير.

سئمت من دنس طوافي حول (الأنا) ! إنه طواف السجين حول قيده، و يعز عليّ ما يفوتنا من فرص التآخى الدافئ والتراحم الطيب،  لما اعتادت قلوبنا أن تخفق بـ العجب بديلا عن الحب.

ما أطهر زراعة الحب وأطيبها!

 الحب في مقابل العجب

الحب رحلة تبدأ بإصلاح النفس وتطهيرها، فتناسب طينتك بذور الحب المباركة، ثم تتفانى في مراعاة البذور وإحيائها بعذب الفعل الفاضل الكريم، فتنبت بذور الحب المباركة في أرض نفسك الطيبة، مزهرة تلهم بطيب عبيرها نفوس البائسين، وتنبت مثمرة تلهم نفوسا تستعد هي الأخرى، لتكون طينة صالحة لبذور الحب المباركة.

هل ترغب –مثلي- الشفاء من داء العجب، والبراءة من المشاركة في صنع عالم يسوده التسلط والقسوة ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هل  ترغب حقا بركة العمر وطيب الأثر والبعد عن العجب؟

هل نرغب-نحن- حقا عالما أفضل؟

إن الإجابة بالنفى (إن وجدت) على هذه التساؤلات، فهي إجابة منحرفة عن الفطرة البديهية السليمة، فطرة حب الإنسان للخير و السعي  لتحقيقه.

أما الإجابة بالإيجاب، فتعني أننا نريد الخير لأنفسنا وللآخر، وهذا هو الحب الحق، هذا من الإيمان.

والإجابة بالإيجاب تستلزم تساؤلا آخرهو: كيف يكون الخير؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كيف يكون الخير  ؟

الخير يكون إذا تحققت الغاية من وجود الشيء،  فمثلا المعلم وظيفته أن يربي النشء على العلم والخلق، لذلك  يتحقق الخير، لما ينشئ المعلم فعلا أجيالا على علم وخلق؛ لذلك إذا أردنا أن نعرف كيف يتحقق الخير، علينا معرفة غايتنا أولا، علينا معرفة حقيقتنا أولا.

إذا كنت أريد الخير لي  إذن فما أنا؟

إنسان؛ جسد وروح، مادة ومعنى، حيوان عاقل.

إذن لدينا احتياج وحقيقة.

الاحتياج هو: احتياج كل إنسان أن يكون بخير، وأن يرى الآخر بخير.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهذا احتياج واحد لا يتجزأ؛ فلا يمكن أن أكون بخير والآخر يتألم لسبب ما.

لكي أكون بخير، لا بد لي أن أراك بخير، وإن لم تكن بخير فواجب علي السعي  في سبيل تحقق الخير لك، ما استطعت، وإلا فأي وصف يليق بحب الخير لنفسي، وعدم اهتمامي بحال الآخر سوى الأنانية المذمومة بالطبع؟

والحقيقة هي: حقيقتنا البشرية المركبة -بغير انفصال- من جانب مادي وجانب معنوي.

إذن ما معنى أن أكون بخير؟

ألا أعاني فقرا ماديا أو معنويا ؛ ألا أبيت جائعا ولا أعاني مرضا عضوىا شق على السعي فى الشفاء منه لضيق الحال،  ولا أبيت معذب الضمير لأني آذيتك بغير حق!  وهذا أدنى الكفايات  المادية والمعنوية.

وانطلاقا من أن كوني بخير لا يكون إلا برؤيتي الآخر بخير، فإن الاكتفاء بهذا الحد الأدنى من الكفايات المادية والمعنوية، من الخطأ أن يكون هو الغاية النهائية لأي إنسان.

من الخطأ أن أكون إنسانا يعمل فى الدنيا ليسد جوعه فقط، وإذا نصحني أحد بذلك أفهم أن الغرض من هذا النصح هو التحذير من عبادة متطلبات الجسد، التحذير من خنق روحي بمطالب مادية لا تنتهي، مطالب تعميني عن إدراك الحقيقة والعمل وفقا لها.

هذه النصيحة (أن تعمل لتسد جوعك) إذا فهمناها بمعناها الظاهري، قد تكون مطية لسلطان أن يشعر بالعظمة، إذا سد جوع  شعبه بلقيمات الخبز المسرطن، وسد عطشه بماء ملوث، و مطية لاتهام الشعب بالطمع إذا طالب بأكثر من كفايته المادية الأدنى التي تبقي جسده حيا، ومطية  لمهضوم الحق أن يقبل بأقل من حقه، بدعاوي الرضا والقناعة، يقبل الظلم بدعاوي أخلاقية!

لماذا لا نكتفي بالتكامل المادي ؟

الكون الواسع هذا لم نأت إليه، ليكون تكاملنا المادي كبشر قاصر على  تلبية ما يبقي الجسد حيا، وإن كان هذا مبلغ كل البشر فما فضل الإنسان على الحيوان؟! و أين فضل العقل في تسخير الكون لخير أكبر وأعم وأشمل، يتجاوز الفرد ليشمل الإنسانية، بل يتجاوز الإنسانية ليشمل كوننا المادي كله؟!

ربما هذه النصيحة- بمعناها الظاهر السطحي- مناسبة للبشر الأوائل الأقدمين، لكن الحضارة الغربية  المعاصرة المتميزة في كشف أسرار العالم المادي،  تحتم على الحضارة الوليدة(إن أردنا !) أن تسعى في تكامل مادي للبشر، لا يقف عند الكفايات التى تبقى الجسد حيا، وهذا التكامل( أوالرفاهية المادية  التي ينالها إنسان العصر الحديث بالنسبة للإنسان القديم )غايته في النهاية، معرفة أكثر للكون  المادي، وبالتالي معرفة عظمة خالقه، وطريقة لتحقيق الخير الإنساني عامة على المستوى المادي.

هل يكفي أن أكف الأذى عن الأخر ليكون الخير ؟

من الخطأ أيضا أن يكون أقصى ما أتمناه من خير للآخر، على المستوى المعنوي، أن أكف أذاي عنه.

فمن ناحية، لو تأملت شعور الامتنان لشخص آخر قدم إليَ معروفا ما بأى طريقة، فإنى أحب أن أكون سببا في أن يشعر شخص آخر أيضا بالامتنان  للخير في الوجود، وأن  يستمر نهْلنا جميعا من نهر الفضل الأزلي المبارك.

الإنسان الخيِّر بحق، لا يقف عند عدم أذيتك، إنما يقدم الخير لك، لأن  الفضيلة لا تكون إلا بتقديم العون والمعروف للآخر، وتقديمها لا لشيء إلا لحب الخير.

ومن ناحية أخرى: البشر ليسوا آلات تؤمر بكف الأذى، فيكف الجميع أذاه، وبالتالي لن يعانى أحد!

لا، إننا نعيش في عالم مادي طبيعته الفقد، ونحزن بالتأكيد للفقد، ونحن بشر مخيرون نعلم القليل، ونجهل الكثير، وجهل البعض قد يؤذي الآخرين عن غير قصد، و ظلم البعض يؤذي الآخرين، ومن هنا فإن الواقع عليهم الأذى، يحتاجون إلى عون، فهل اكتفائي بكف أذاي عن الآخر ما استطعت، كافيٌ لأكون بخير حقا؟

ليس كافيا لتكون بخير، وهذا معناه أني لست بخير أيضا.

كفانا إلباس الظلم، والتراخي عن بذل الفضل دعاوي القناعة والبراءة.

العجب داء يشوه الإنسان، ويحرِف مسيرته في الحياة عن الحق، وبه يحرم الإنسان نفسه وإخوانه البشر من الخير، يحرمهم من الخير الذى بين أيديهم بالعمى عن الحقيقة، حقيقة الله والإنسان والكون. و يزين العجب للمريض به أنه يحب نفسه ويقدرها، ويفهم الحياة على حقيقتها!

أي عمى هذا؟!

المريض بـ العجب أعمى يبطش بكل ما أمامه، ويهلكه مبتهجا.

أما الحب الطاهر، مبارك المنبع وطيب الأثر، فكما ذكرت قبلا: أوله إصلاح الذات، وأول خطوات الإصلاح أن أتخلى عن طوافي حول ال(أنا)، وأن أحب نفسي حقا وأصادقها وأكافئها لما تتخلى عن دنسها؛ أكافئها  بفعل الخير الفاضل.

وبهذا تتحرر نفسي من الطواف حول قيدها، وتطير خفيفة في رحاب الحب المبارك.

ما أقساها الصدمات لما تتفتح عيوننا على حقيقة أغلالنا!

وما أصعب فك الأغلال برحمة وأمل يحرق اليأس فينا!

وما أجمل الطيران خفيفا بجناح الحب الطاهر في سرب الخير الحق!

اقرأ أيضاً .. كيف تنشأ الأخلاق ؟

اقرأ أيضاً .. لماذا أدمر ما أحبه دائماً ؟

اقرأ أيضاً .. لماذا لا ينتصر أهل الحق ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

مقالات ذات صلة