فن وأدب - مقالاتمقالات

حكايات حول العدالة.. قراءة في كتابات قاض وشهاداته – الجزء الرابع

وصف القاضي بهاء المري كتابه الثالث أنه “يوميات وكيل نيابة”، وهو في نظره حصيلة انفعاله بكثير من المواقف التي هزته خلال عمله وكيلًا للنائب العام في بقاع عدة من مصر، وهنا يقول: “كنت ألتقي المجرم والجريمة ليل نهار، وكان البحث عن الحقيقة وتقصي الدليل، يغوص بي في أغوار النفس وأحوال البشر، فرأيت من عجائبها ما لم أتخيله، وقابلت من غرائبها ما لم أتوقعه، فتأملت وتألمت، وتعمقت ووعيت وسخرت وضحكت، ومن جماع هذا وذاك اهتزت مشاعري، واستقرت في نفسي معان كثيرة، أبى القلم إلا أن يسجلها”.

يوميات وكيل نيابة .. كتاب يغلب الواقع فيه الخيال

268776 - حكايات حول العدالة.. قراءة في كتابات قاض وشهاداته - الجزء الرابع

هكذا يقر الكاتب منذ البداية أننا أمام عمل تسجيلي، يغلب الواقع فيه الخيال، بل يأتي عليه تمامًا، لحساب “الحقيقة” التي تم تقصيها، وبذل ما وسع من الجهد في سبيل الوصول إليها عبر مسار قانوني، وخبرة في التحقيق، الأمر الذي استدعى منه أن يحيل إلى مواد قانونية وإجراءات، ويسهب في شر الدلائل والبراهين، بما يجعله أحيانًا أقرب إلى من ينقل تجربته إلى غيره من وكلاء النيابة ليستفيد منها. وكل هذا يتخلل الحكاية، التي تقترب من تقارير نيابة مصاغة بأسلوب جيد، منها إلى القصة القصيرة بشكلها الفني، وهي مسألة لا تنقص منها بالطبع، لأن المؤلف قصد هذا.

هذا القصد ليس استنتاجًا جزافيًا إنما أحيل فيه إلى ما كتبه المؤلف نفسه من قصص ظهرت في مجموعتيه “لحظة انهيار” و”برجولا”، اللتين يدور عالمهما في أشياء أخرى غير التي تناولتها كتبه الثلاثة السابقة. فهنا تظهر مهارة الكاتب في القص، ويبان لمن يقارن بين الحالتين أنه يمتلك الأدوات الفنية للقصة القصيرة، والتي توسل ببعضها أحيانًا في سرد حكاياته القضائية، سواء وقفت على باب القصة مثل الكتاب الثاني، أو ابتعدت كثيرًا وصارت أشبه بحيثيات وديباجات مثل الكتاب الثالث، أو وقفت في منطقة وسطى مثل الكتاب الأول.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المستشار بهاء المري بين طبيعة القضايا والأحكام وبين الأدب

وفي الكتب الثلاثة، حرص المؤلف على عدم ذكر الأسماء، والاستعاضة عنها بالضمائر، وقد خلق هذا ارتباكًا أحيانًا في السرد، لكنه كان أمرًا لا يمكن لقاض أن يتجنبه، فهو لو ذكر الأسماء الحقيقية، لوقع في مشكلة أخلاقية، وهي فضح المتقاضين أمامه، وإن استبدلها بأسماء مستعارة فهو يُفقد الحكايات واقعيتها، لكن هذه السمة أيضًا غلبت حتى على قصص مجموعتيه، ما يجعلنا نعزو هذا الحرص إلى سيطرة ذهنية القاضي على الكاتب، حتى وهو في رحاب لون من الأدب يحتاج بالطبع إلى قدر أكبر من التحرر.

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري

مقالات ذات صلة