قضايا شبابية - مقالاتمقالات

الاغتراب النفسي والديني وسبل العلاج

مفهوم الاغتراب

إن الاغتراب في أبسط معانيه هو حالة الانفصال، والبعد، والتفرقة، إلخ. وهو مشتق لغويًا من “الغربة”، فعند التأمل في دلالات ومعاني هذا المصطلح واستحضارها نجد أن كثيرًا من البشر يعايشونه.

أشكال الاغتراب

هناك أشكال عديدة للاغتراب، فهناك الاغتراب النفسي، والاغتراب الديني، والاغتراب الاجتماعي، والاغتراب الثقافي، والاغتراب الاقتصادي، وغيرهم كثير، إلا إننا سنعول بشكل خاص على الشكلين الأولين للاغتراب، وهما الاغتراب النفسي والاغتراب الديني.

الاغتراب النفسي

أسباب الاغتراب النفسي

بالنسبة للمستوى الأول من الاغتراب، وهو الاغتراب عن النفس، والذي يحدث نتيجة فقدان الثقة بين الإنسان وبين ذاته، وفقدان الثقة هنا نعني به الشك والتردد في ممارسة كل من: القول والفعل، وهما غالبًا ما يصدران بشكل مخالف لا إراديًا لما هو موجود في نية الإنسان الداخلية.

فما الذي يجعل الإنسان يقول أقوالًا ويمارس أفعالًا مخالفة بل ومتناقضة مع ما كان ينوي القيام به؟ فالتردد والارتياب والتضارب العقلي للنتائج المترتبة على ما سوف يقال أو على ما سوف يمارس هو ما يؤدي إلى ذلك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

علاج الاغتراب النفسي

قد يكون فقدان الثقة في هذه الحالة المغتربة نفسية من ناحية، ووجودية من ناحية ثانية، وعقلية من ناحية ثالثة. علاج ذلك يأتي من خلال ترسيخ مبدأ خوض التجربة الفعلية، وذلك من خلال تدبر ما سيترتب على كل من القول والفعل عقلانيًا، أي حساب الإيجابيات والسلبيات لهما، وهل هما متسقان مع ما يؤمن به الإنسان أم لا؟

يمكن أن نطلق على ذلك العلاج اسم “العلاج المنطقي للاغتراب النفسي”، يمكن أن يحقق ذلك العلاج نتائجه من خلال مساعدة خارجية إذا كان الاغتراب متجذرًا في بنية الإنسان الداخلية، أو يقوم الإنسان بنفسه بهذا العلاج من خلال الحكم الذاتي للاتساق المنطقي والعقلي بين كل من: النية، والقول، والفعل.

اقرأ أيضاً: الصحة النفسية، تعريفها، أهدافها، أسبابها، وكيفية تعزيزها

الاغتراب الديني

dmtquest01 - الاغتراب النفسي والديني وسبل العلاج

أما المستوى الثاني للاغتراب، وهو الاغتراب الديني، أي حالة الانفصال بين الإنسان وبين كل ما هو ديني، فالدين في حد ذاته متغلغل في وجودية الإنسان، فكل إنسان يؤمن بدين معين، حتى أولئك الذين يعلنون بأنه لا وجود للأديان، وأنه ليس هناك إله للوجود، وهم من يطلق عليهم اسم“الدهريين” أو “الملحدين”، فإنهم في قرارة أنفسهم –خاصة عند تعرضهم لأزمات شديدة القوة–يذكرون الله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هو أمر يدعو للتعجب، ويُمحى ذلك التعجب عندما نعرف أن الحقيقة تظهر في زلل اللسان، هذا إضافة إلى أن الحقيقة الداخلية المولود الإنسان بها والمتغلغلة في وجوديته، وهي الإيمان بالله تخرج لا إراديًا ولا شعوريًا.

أسباب الاغتراب الديني

لكن، ما السبب في تفشي ظاهرة الاغتراب الديني؟ قد يرجع السبب في ذلك إلى سيادة حالة البعد والانفصال من الإنسان عن الله، وليس بعد الله عن الإنسان كما يعتقد البعض.

تحدث حالة الشعور بالبعد عن الله نتيجة عدم قيام الإنسان بالقواعد والأحكام الدينية، إضافة إلى ترك العبادات المختلفة من صلاة وصوم وزكاة وغيرها من العبادات، التي يتقرب بها الإنسان إلى الله، فالصلاة على سبيل المثال بمثابة حالة وجودية يتحدث فيها الإنسان إلى ربه بما يشاء دون أن يسمعه أحد، ودون أن يعرف أحد ما يقوله، يحدث فيها الدعاء والتضرع إلى الله، وهو ما يترتب عليه طهارة للقلب وصفاء للنفس وتجلٍ للروح.

اقرأ أيضاً: النفس في الفلسفة والعلم والدين

كيف يمكن مواجهة الاغتراب؟

بذلك، يعد الاغتراب سرطانًا للنفس، وداءً للعصر، ومرضًا للأمة، وهو جرثومة الإنسانية التي تتوغل فيها من أجل أن تفسدها وتدمرها وتزهق روحها، حتى يعيش البشر بلا إنسانية أشبه بالآلات المادية، وهو ما يطلق عليه في القرن الحادي والعشرين اصطلاح “سيادة حالة التشيؤ”، وبذلك “فالتشيؤ” نتيجة مترتبة على الاغتراب، فالعلاقة بينهما علاقة طردية، فكلما زادت حالة الاغتراب كلما زادت حالة التشيؤ، وكلما قلت حالة الاغتراب كلما ندرت حالة التشيؤ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يعد الوعي المعرفي والوجودي من أهم آليات دحض الاغتراب بنوعيه النفسي والديني على حد سواء، ذلك الوعي بوجودية الإنسان، وقوة إرادته، ورجاحة عقله، وامتلاكه لأدوات التغيير الذاتي، وتحفيز الهمم، ورسم طريق للمستقبل، وما يتضمنها من آمال وطموحات وأهداف. ذلك من أجل خلق جبهة دفاعية ضد دعوات تغييب الوعي، والتلاعب به، وفقدان قيمته وهو كثيرًا ما ينتشر عبر قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة.

العلاقة بين الاغتراب النفسي والاغتراب الديني

بذلك يتضح أن هناك علاقة بين الاغتراب النفسي والاغتراب الديني وهي علاقة طردية تداخلية، فكلما وجد الاغتراب عن النفس كان هناك استعداد قوي للاغتراب عن الدين، وكلما وجد الاغتراب عن الدين كان هناك اغتراب عن النفس، ونستنتج من ذلك أن الاغتراب عن النفس وهو ما يمثل المستوى الأول من الاغتراب يعد الأساس الذي ينطلق منه الإنسان للمعايشة اللا إرادية للاغتراب عن الدين.

مقالات ذات صلة: 

“المدينة” بين الغربة والاغتراب

ظاهرة اللا مبالاة وانتشار الأنا مالية

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أزمة اغتراب الإنسان المعاصر

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. غلاب عليو حمادة الأبنودي

مدرس اللاهوت والفلسفة في العصور الوسطى ، قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة