أسئلة عامةمقالات

النفس في الفلسفة والعلم والدين

بالتأكيد أنت تبحث عن سلام النفس واستقرارها وسعادتها، وبالطبع تعاني من وقت لآخر من بعض مشاعر النفس السلبية، وترغب في معرفة أسرار النفس وسبر أغوارها، وتسعى للتحكم في ميول النفس وأهوائها.

فالنفس هي حقيقة الإنسان، وهي التي تشكل تعامله مع واقعه، وتحدد مصيره! وهذا المقال سيساعدك لتبدأ رحلتك نحو فهم عميق وتحكم دقيق في النفس البشرية!

النفس في اللغة

“النفس” من مادة “ن ف س” وجمعها “أنفس” و”نفوس”، وللنفس في اللغة معانٍ كثيرة، فهي قد تستخدم بمعنى ذات الشيء فنقول مثلًا: “قرأت الكتاب نفسه أو ذاته”، وقد تستخدم بمعنى الدم مثل قولنا: “من أراق نفسا فعليه دية”، وقد تستخدم بمعنى “الروح”، وقد تستخدم بمعنى الفرد أو الشخص: “في الدار عشرة أنفس”.

تعريف النفس

يمكن إجمال وتبسيط التعريف الاصطلاحي الصحيح للنفس بأنها: القوة التي تمنح الحركة الذاتية والحياة لأجسام الكائنات الحية، وسنلقي الضوء على هذا التعريف بشكل أكثر تفصيلًا في السطور القادمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن تعريف النفس مهمة شاقة، وهو بحث فلسفي وعقلي في الأساس، وهو يسبق علم النفس، ويختلف باختلاف المنهج المستخدم في البحث، وبالتالي يختلف تعريف النفس باختلاف المدارس المعرفية، كالمدراس التجريبية والمدارس النصية والمدرسة العقلية البرهانية، وسنتناول في هذا المقال رؤية كل مدرسة من هذه المدارس الثلاث للنفس.

أولًا: النفس في المدرسة العقلية البرهانية

المنهج العقلي البرهاني

تعتمد المدرسة العقلية البرهانية على الأدلة والبراهين العقلية في البحث في المسائل العامة، مثل مسائل الرياضيات والعقيدة مثلا، ويوضح علم المنطق أسس هذه المدرسة وكيفية هذا البحث.

كما تعتمد أيضًا على الحواس والتجارب العلمية السليمة في البحث في تفاصيل وجزئيات العالم المادي من حولنا، مثل اكتشاف خصائص وقوانين المادة.

وتعتمد على النصوص والأخبار الدينية الصحيحة في البحث في المسائل الغيبية الخاصة بالعقيدة والشريعة.

ويوضح علم نظرية المعرفة العقلي العلاقة بين هذه المصادر كلها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

النفس في المدرسة العقلية البرهانية

فمثلًا عند البحث في النفس، يمكننا أن نصل إلى تعريف النفس وبعض خصائصها العامة بالبحث العقلي البرهاني وحده. وعند محاولة معرفتنا لتفاصيل وجزئيات العلاقة بين النفس والمخ أو الجسد نحتاج إلى الحواس والتجارب العلمية السليمة. بينما لمعرفة التفاصيل والجزئيات الخاصة بهداية النفس على مستوى العقيدة والشريعة نحتاج إلى النصوص الدينية السليمة.

فما هي رؤية هذه المدرسة الشاملة للنفس؟

1- البحث العقلي العام: النفس عند الفلاسفة الحكماء

أشهر الفلاسفة المعاصرين - النفس في الفلسفة والعلم والدين

الكائنات الحية والنفس

إن الكائنات التي نصفها بأن لديها نفسًا هي الكائنات الحية، أي تلك المتصفة بالحياة، لكن ما هي الكائنات الحية؟

الكائنات الحية هي كائنات تتميز عن الجمادات بقدرتها على الحركة الذاتية، فالكرسي مثلا جماد لا يحرك نفسه أبدا، لكن الكائنات الحية كالبكتيريا والنباتات والحيوانات تمتلك جميعها مصدرًا ذاتيًا للحركة،

فيمكنها أن تقوم مثلًا بحركات داخل خلاياها مثل نقل المواد الغذائية وإنتاج الطاقة، ويمكنها أن تقوم بوظائف أخرى كالتغذية والنمو والتكاثر كما نلاحظ في النباتات، بل يمكنها أن تقوم بإدراك الواقع من حولها بالحواس والانتقال من مكان إلى مكان آخر كما تفعل الحيوانات!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن مصدر هذه الحركة الذاتية هو ما نسميه بالنفس، فالقطة مثلا نقول إنها حية وبها نفس طالما أنها تحس وتتحرك، لكن إذا ماتت وتوقفت عن الإحساس والحركة نقول إنها لم تعد حية، أو أن النفس فارقتها! وهكذا!

أنواع النفس

ولأن الكائنات الحية تختلف، فتوجد مثلا مملكة النبات ومملكة الحيوان والكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا، وتختلف الوظائف الحيوية التي تقوم بها الكائنات الحية من كائن إلى كائن ومن نوع إلى نوع، وبالتالي فإن نفوس الكائنات الحية تختلف أيضًا.

وقد تحدث الفلاسفة عن ثلاثة أنواع رئيسية للنفس، وهي:

  • النفس النباتية.
  • النفس الحيوانية.
  • النفس البشرية أو الإنسانية.

النفس النباتية

النفس النباتية هي مصدر الحياة في النباتات، ومن وظائفها التغذية والنمو والتكاثر، وهذه هي الوظائف الأساسية التي تقوم بها النباتات، ومظاهر الحياة الأساسية في النباتات.

فوظيفة التغذية تقوم بالحصول على المواد المغذية من البيئة وتحويلها إلى مواد مناسبة لجسم الكائن الحي، ووظيفة النمو تستخدم هذه المواد الناتجة لكي ينمو الكائن الحي ويجدد خلاياه، ووظيفة التكاثر تقوم باستخدام هذه المواد وخلايا الكائن الحي لإنتاج أفراد جدد أو أمشاج تتحد لإنتاج الأفراد الجدد!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

النفس الحيوانية

والوظائف الثلاث السابقة -التغذية والنمو والتكاثر- موجودة أيضًا في الحيوانات، لكن الحيوانات تتميز بوظائف أخرى تميزها.

فالحيوانات تتميز أيضًا بالإدراك (مثل الإدراك بالحواس والخيال) والحركة الإرادية (أي حركة الحيوان بإرادته من مكان إلى آخر)، ونتناول بشيء من التفصيل الإدراك الحيواني والإرادة الحيوانية:

الإدراك الحيواني

الإدراك الحيواني هو قدرة الحيوان على معرفة الواقع من حوله، وللحيوان نوعان من الإدراك، الأول هو الإدراك الحسي الذي يستخدم الحواس كاللمس والتذوق والشم والسمع والبصر، والثاني هو الإدراك الخيالي الذي يقوم بوظيفتين هما الذاكرة الحسية والتركيب الخيالي.

فالذاكرة الحسية هي قدرة بعض الحيوانات على تذكر الصور الحسية التي رأتها سابقًا، حيث يسترجعها الحيوان في ذهنه أو خياله، فالقطة مثلا تعرف شكل صاحبها أي أنها تتذكر صورته، وكذلك الكلب، والحمار يتذكر الطريق من وإلى الحقل،

بل إن بعض الحيوانات أفضل من الإنسان في الذاكرة الحسية، حيث توجد بعض التجارب التي يتنافس فيها الإنسان مع بعض القردة العليا كالشمبانزي، فيتفوق الشمبانزي في قدرته على تذكر الصور، وهذه التجارب موجودة في فيديوهات على “اليوتيوب”.

أما التركيب الخيالي فنقصد به قدرة بعض الحيوانات على تركيب الصور الحسية التي رأتها سابقا في ذهنها أو خيالها للوصول إلى صور جديدة تساعدها مثلا في حل بعض المشكلات التي تقابلها،

فالعديد من التجارب أيضًا توضح قدرة الغراب مثلا على حل بعض الألغاز التي تتطلب تركيب الصور الحسية في ذهنه أو خياله أولًا ثم تركيبها في الواقع ثانيًا، وهذه التجارب موجودة أيضًا في فيديوهات على “اليوتيوب”.

الإرادة الحيوانية أو الغريزة

قلنا أيضًا إن الحيوانات لديها إرادة تمكنها من الحركة الإرادية، فهي تتحرك بإرادتها من مكان إلى مكان. والإرادة الحيوانية هي تلك المسماة بالغريزة، وهي تسعى بشكل أساسي لما فيه بقاء الحيوان ومنفعته المادية.

وتنقسم هذه الغريزة أو الإرادة إلى نوعين أساسيين، الأول هو الشهوة، وهي إرادة حيوانية أو غريزة تسعى لجلب النفع الجسدي للحيوان، مثل شهوة الأكل والشرب والجنس والراحة والنوم و…

والنوع الثاني هو الغضب، وهو إرادة حيوانية أو غريزة تسعى لدفع الضرر الجسدي عن الحيوان، مثل غضب الحيوان عندما يؤذيه أحد، أو عندما يرى صيادًا أو…

اقرأ أيضاً:

معرفة النفس

الاضطرابات النفسية والإدمان

هواجس النفس وسمومها

النفس البشرية أو الإنسانية

وهي مصدر الحياة في الإنسان، وهي تقوم بكل الوظائف سابقة الذكر والتي تقوم بها النباتات والحيوانات، كالتغذية والنمو والتكاثر، والإدراك الحسي والخيالي، والإرادة الغريزية أي الشهوة والغضب.

لكنها تتميز عن الحيوانات والنباتات بامتلاك جانب معنوي غير مادي وغير جسدي، هو الذي يسميه البعض بالروح أو العقل، هذا الجانب المعنوي هو الذي يجعل الإنسان يتميز بالإدراك العقلي أولًا، وبالإرادة الإنسانية أو الضمير الإنساني ثانيًا! ونتناول بشيء من التفصيل الإدراك العقلي والإرادة العقلية أو الإنسانية:

الإدراك العقلي

من وظائف النفس البشرية الإدراك العقلي، وهو الذي يجعل الإنسان يدرك الأمور المعنوية كالعدل والمساواة والخير والحق والواجب والعفة والحكمة و…، ويدرك العلوم العامة كالمنطق والرياضيات والطبيعيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والفلسفة والعقيدة و…

وهو مختلف عن الإدراك الحيواني، الذي لا يدرك إلا الصور الحسية، أي الخصائص الحسية لظاهر الأجسام المادية، ويتذكر هذه الصور الحسية ويركب بينها في الخيال، كما سبق توضيحه.

الإرادة الإنسانية أو العقلية أو الضمير

ومن وظائف النفس البشرية الإرادة الإنسانية المسماة بالضمير، حيث تتميز بأنها تريد العدل والحق والخير و…، وتنفر من الظلم والباطل والشر و…

وهي مختلفة عن الإرادة الحيوانية، التي هي مجرد غرائز شهوانية تطلب الأكل أو الجنس أو الراحة أو…، أو غرائز غضبية تطلب الافتراس والفتك والقتل و…، بل إن الضمير عادة ما يعارض هذه الغرائز ويكبحها ويتحكم فيها ويسيطر عليها ويرفض انفلاتها!

تكامل وسعادة النفس البشرية

وبالتالي ما يجعل الإنسان إنسانًا فاضلًا هو أن تسيطر قواه العقلية والروحية والمعنوية على قواه الحيوانية، فيكون العقل بعلومه الصحيحة هو الحاكم في مملكة الإدراك وليس الحس أو الخيال، ويساعد على ذلك تعلم العلوم الصحيحة والاعتقادات الحقة.

وأن يكون الضمير هو المتحكم في إرادة النفس وليس غريزة الشهوة أو الغضب، ويساعد عليه تربية النفس أو ما يسمى بـتهذيب النفس أو رياضة النفس. وهذا ما يؤدي إلى السعادة الإنسانية المعنوية والروحية والعقلية الحقيقية، ويسمو بالإنسان من مستنقع الحيوانية إلى سماء الملائكية!

الاضطرابات النفسية

والاضطرابات النفسية هي مشاكل وأمراض نفسية تصيب الإنسان، لها أسباب معنوية وأخرى جسدية، ويساعد على حدوثها عوامل خارجية كالوراثة والبيئة والمجتمع، وتحتاج إلى علاجات معنوية كالعلاج المعرفي والسلوكي، وأحيانا إلى علاجات جسدية كبعض الأدوية، ويساعد أحيانًا العلاجات الجماعية والدعم الاجتماعي.

2- البحث الحسي التجريبي: علاقة النفس بالمخ والجسد

117791250 2738920606344895 2457432107040942877 n 1 - النفس في الفلسفة والعلم والدين

البحث باستخدام التجارب العلمية الصحيحة

بعد البحث في النفس بشكل عام باستخدام العقل وبراهينه كما سبق، يمكن البحث في علاقة النفس بالمخ والجسد باستخدام العقل المستعين بالحس والتجربة.

الإدراك الحسي والجسد والمخ

فقد أثبتت التجارب العلمية الصحيحة وجود علاقة وثيقة بين النفس والجسد، فالإدراك الحيواني يبدأ في الجسد، فمثلًا عندما تنظر إلى هذا المقال أمامك، تقوم أعضاء الحس باستقبال المثيرات الحسية من البيئة الخارجية،

ويؤدي هذا إلى بدء إشارة عصبية في المستقبلات الحسية، ثم تنتقل الإشارة العصبية عبر الأعصاب حتى تصل إلى المخ، وفي المخ توجد مراكز مسؤولة عن الحواس المختلفة، مثل مركز السمع والشم والتذوق والبصر، ومن هذه المراكز تستقبل النفس المعلومات الحسية.

الإدراك الخيالي والجسد والمخ

وأيضًا يوجد في المخ مراكز مسؤولة عن الذاكرة الحسية، التي تحتفظ بالصور الحسية، مثل صور منزلك ومكان عملك، وتستعمل النفس هذه المراكز كي تستعيد الصور الحسية مرة أخرى وتتذكرها، كما تقوم النفس بالتركيب أيضًا بين هذه الصور بالاستعانة بمراكز الذاكرة ومراكز التركيب الخيالي في المخ، فتصنع صورًا خيالية جديدة مثل صورة جبل من ذهب!

الشهوة والجسد والمخ

وعندما تدرك النفس بهذه الطرق السابقة وجود وجبة شهية أمامها، كرؤيتك لدجاجة مشوية أمامك، عندها تتحرك الغرائز الحيوانية في النفس كغريزة الشهوة هنا، فتقوم بتحفيز مراكز في المخ والجهاز العصبي مسؤولة عن شهوة الأكل أو الشهية،

ثم تنطلق الإشارات العصبية من المخ عبر الأعصاب المختلفة، لإثارة أجزاء الجسم المسؤولة عن الانتفاع بالأكل، فيتم مثلًا إفراز اللعاب في الفم، وإفراز العصارات الهاضمة في المعدة، وهكذا.

الغضب والجسد والمخ

وبالمثل عندما تدرك النفس وجود خطر أمامها قد يضر الجسم، مثل وجود حيوان مفترس أمامك، حيث تثور الغريزة الغضبية في النفس، فتقوم بتحفيز مراكز المخ والجهاز العصبي المسؤولة عن حالات الطوارئ، فتخرج الإشارات العصبية والكيميائية المختلفة (مثل هرمون الأدرينالين) لتثير أعضاء الجسد المسؤولة عن الطوارئ، فيزداد نبض القلب، ويرتفع ضغط الدم، وتتسع حدقة العين، وغيرها من التغييرات التي تهيئ الجسم للقتال أو الهروب من الخطر!

التفكير والمخ

كما تستعين النفس بالمخ للقيام بعملية التفكير، والتي هي أحد مهام الإدراك العقلي، فمثلًا عندما تحاول أنت التفكير في حل المعادلة (2س + 4 = 8)، تحتاج النفس إلى تذكر المعلومات العقلية التي تعلمتها سابقا، واختيار ما تحتاجه منها لحل المعادلة،

مثل حاجتها هنا إلى قواعد الجمع والضرب والطرح، والتركيب بينها وترتيبها في خطوات للوصول إلى نتيجة جديدة، أي حل المعادلة في المثال المذكور. ولكي تستعيد النفس هذه المعلومات السابقة وتركب بينها تحتاج إلى استعمال بعض مراكز المخ.

الحركة الاختيارية والمخ والجسد

وعندما يقرر الإنسان بإرادته الإنسانية الحرة وباختياره قرارًا ما، كما يحدث عندما تقرر الذهاب إلى غرفة أخرى، عندها تقوم النفس بإرسال الأمر إلى مراكز المخ المسؤولة عن التحكم في العضلات، فيتم تحفيز وإثارة هذه المراكز، فترسل هذه المراكز إشارات عصبية عبر الأعصاب الإرادية حتى تصل إلى العضلات الإرادية، مثل عضلات اللسان واليدين والرجلين، وعندها يتحرك الجسد طاعة لإرادة النفس!

3- البحث النصي: النفس في الأديان

5 most important conditions quran do know - النفس في الفلسفة والعلم والدين

النفس في الأديان الصحيحة

كما قلنا سابقًا يمكن أن يستعين العقل بالنصوص الدينية الصحيحة لمعرفة بعض الجزئيات والتفاصيل الغيبية والاعتقادية والتشريعية الخاصة بالنفس، وذلك بعد أن يصل إلى معارف عامة عن النفس بالبحث العقلي البرهاني وحده.

النفس في الإسلام

فمثلًا يوجد في الإسلام الكثير من المعلومات عن النفس، بعضها مذكور في القرآن الكريم، وبعضها في الأحاديث النبوية. ويمكن الاستفادة من هذه المعلومات بعد التأكد من صحة النصوص، فمثلًا نصوص القرآن الكريم محفوظة بالتواتر، وكذلك بعض الأحاديث، بينما توجد أحاديث أخرى تختلف في الصحة والضعف.

ثم بعد ذلك يتم استخدام قواعد اللغة والمنطق والنصوص الدينية الصحيحة الأخرى لفهم النصوص الخاصة بالنفس مثلًا، وتفسيرها تفسيرا صحيحا مبنيا على أسس متينة وعلمية ومنطقية.

النفس في القرآن

وعند البحث عن مادة “نفس” في القرآن نجدها مذكورة أكثر من 260 مرة. والقرآن يحتوي على معلومات اعتقادية خاصة بالنفس، مثل أن الله خلقنا من نفس واحدة وجعل منها زوجها، وأن الله يعلم ما توسوس به نفسك، وأن كل نفس ذائقة الموت، ثم تجزى كل نفس بما كسبت، في يوم لا تملك فيه نفس لنفس شيئًا، فمن عمل صالحا فلنفسه، فقد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، وله يومئذ ما تشتهيه الأنفس.

كما يحتوي القرآن على تشريعات تربوية وأسرية واجتماعية، تسعى لتعليم النفوس، وتهذيبها وتزكيتها، فنعرف مثلا أن الصدقات تطهر النفس وتزكيها، وأن التأمل في النفس يجعل الإنسان يرى بعض آيات الله فيتبين له الحق، وأن الإنسان يجب أن يتجنب قتل النفس الحرام، وهكذا.

أنواع النفس الثلاث في القرآن

وقد دلنا القرآن على تقسيم بديع للنفس، حيث ذكر ثلاثة أنواع للنفوس، وهي:

  • النفس الأمارة بالسوء
  • النفس اللوامة
  • النفس المطمئنة

النفس الأمارة بالسوء

هي النفس التي تأمر صاحبها بالسوء والشر والظلم باستمرار وفي أغلب الأوقات، وهي نفس تغلبت غرائزها الحيوانية كالشهوة والغضب عليها، وتراجعت سيطرة العقل والضمير، فتصبح شهوات الإنسان وانفعالاته الغضبية هي التي تحركه، فيظلم نفسه لأنه لم يعط لعقله وضميره حقهما، ويتبع شهواته وغضبه فيظلم الآخرين من حوله، ويفعل الشر والسوء.

النفس اللوّامة

وهي النفس التي يجاهد عقلها وضميرها ضد شهوتها وغضبها وغرائزها، فقد تفعل الشر والظلم والسوء أحيانا بسبب اتباع الشهوة والغضب، لكن العقل والضمير سرعان ما يستعيدان زمام السيطرة، فيندمان ويتوبان، ويلومان النفس على اتباع غرائزها الحيوانية وابتعادها عن الحق.

النفس المطمئنة

وهي النفس التي انتصر فيها العقل والضمير في معركتهما وجهادهما ضد غرائز الشهوة والغضب، فانتهى الصراع فيها، وأصبحت نفسًا مطمئنة، مؤتمرة بأوامر العقل والضمير، متبعة للحق، وطالبة للخير والعدل، فتصبح راضية عن خالقها، ويرضيها خالقها بجوده وكرمه.

ثانيًا: النفس في المدارس الحسية والتجريبية والمادية

vector mental health and psychology concept 1024x1024 - النفس في الفلسفة والعلم والدينالمدارس الحسية والتجريبية والمادية

المدارس الحسية والتجريبية والمادية لا تعترف إلا بما ترصده الحواس والتجارب، فلا تعترف إلا بالأجسام المادية، وتنكر الأمور المعنوية.

المدارس الحسية والتجريبية والمادية والنفس

فترى هذه المدارس أن النفس الإنسانية مثلا ما هي إلا مجموعة من الوظائف الجسدية والمادية والآلية للمخ، أي ذلك العضو الجسدي الموجود في الجمجمة، وتفسر الاضطرابات النفسية بمشكلات عضوية في المخ بشكل أساسي.

قصور المدارس الحسية والتجريبية والمادية

وهذه المدارس قاصرة عن فهم النفس بالشكل التفصيلي السابق الذي عرضناه، كما أنها عاجزة عن فهم أو وصف الوظائف المعنوية للنفس لأنها لا تُدرك بالحس والتجربة.

وقد نتجت عن هذه المدارس بعض الأفكار الشاذة في علم النفس، مثل أن كل اضطراب نفسي سببه عضوي بحت، وهذه الأفكار مرفوضة بدرجة كبيرة حاليًا حتى عند التجريبيين أنفسهم، حيث فشلت في تفسير الاضطرابات النفسية، وفشلت في الوصول لعلاجات سليمة لها.

الغرب والمدارس الحسية والتجريبية والمادية

وبسبب تأثر الغرب بهذه المدارس بدرجة كبيرة، أدى ذلك إلى ضعف تطور علم النفس عندهم عكس باقي علوم الطب التي تعالج الجسد، وقد لجأ الغرب مؤخرًا إلى علاجات معنوية مثل العلاج بالمعنى والعلاج المعرفي، بالرغم من أن هذه العلاجات لا يمكن الوصول إليها بالحس والتجربة وحدهما، في اعتراف واضح بفشل المدارس الحسية والتجريبية والمادية.

المدرسة العقلية البرهانية واستعمالها للتجارب العلمية في دراسة النفس

وهذا بخلاف المدرسة العقلية التي تستعين بالحس والتجربة لكن في موضعهما السليم في فهم علاقة النفس بالمخ والجسد كما سبق توضيحه في هذا المقال.

ثالثًا: النفس في المدارس النصية والإخبارية

المدارس النصية والإخبارية والنفس

المدارس الدينية النصية والإخبارية تعتمد في فهمها للنفس على تفسيرها للنصوص الدينية فقط. لكن البعض منهم لا يهتم بإثبات صحة هذه النصوص أولًا، أو بإثبات صحة تفسيره لها ثانيًا، مما يؤدي إلى عدم وجود منهج علمي لديه للتعامل مع النفس والاضطرابات النفسية.

كما أن النصوص الدينية قد أتت لهداية الناس، عن طريق تعليمهم العقائد والتشريعات المهمة لسعادتهم، ولم تأت بأبحاث تفصيلية في كل العلوم كالفيزياء النووية والفلك وعلم النفس و…

المدارس النصية والإخبارية والخرافات حول النفس

ولذلك فإن بعض المدارس النصية والإخبارية والدينية التي لا تتبع المناهج المنطقية والعلمية في البحث قد أنتجت بعض الخرافات عند تعاملها مع النفس، مثل الخرافات التي سادت في أوروبا في العصور الوسطى، ومثل الخرافات الموجودة في بعض مجتمعاتنا في عصرنا الحالي، والتي تفسر الأمراض النفسية بتلبس الجن بالإنسان بشكل غير موجود في الدين نفسه!

كما تستعمل طرق علاج ما أنزل الله بها من سلطان مثل ضرب الملبوس! بل وصل الأمر إلى وجود معالجين روحانيين يمارسون الدجل والشعوذة والسحر!

المدرسة العقلية البرهانية والنفس في النصوص الدينية

وهذا بخلاف المدرسة العقلية البرهانية التي تستعين بالنصوص الدينية الصحيحة، وبتفسيراتها السليمة، بناء على منهج علمي وأسلوب منطقي في البحث والتفسير، فتتعلم من الأديان الصحيحة حقائق تفصيلية وجزئية عن النفس وعلاقتها بعالم الغيب وبالمسائل الاعتقادية والشرعية، كما سبق توضيحه في هذا المقال.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة