علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أهلًا بكم مرة أخرى

من الظواهر اللافتة للنظر في أيامنا هذه أن الناس غاضبون، وتبدو على وجوههم دائمًا علامات الغضب والضيق، ليس فقط في كثير من بلداننا ومجتمعاتنا العربية بل حتى في دول العالم الأكثر تقدمًا، وبالطبع فإن الأسباب معروفة، فنحن نعيش منذ سنوات ثلاث ظروفًا صعبة وأزمات متلاحقة، فلا نكاد نخرج من أزمة حتى ندخل في أخرى، فمن أزمة جائحة كورونا التي ألزمت الناس منازلهم أكثر من عام، إلى أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي شردت الملايين وهددت العالم كله بأزمات غذائية طاحنة، إلى أزمات داخلية عديدة من غلاء أسعار ونقص في الرواتب والوظائف، ما أدى إلى إضرابات ومظاهرات ضد الحكومات في كثير من دول العالم. والحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عنا بداية أن كل ذلك من صنع الإنسان، فهو بسلوكياته الشاذة وقرارات زعمائه الطائشة مسؤول عما يعانيه من أزمات.

كيف تتحكم بالغضب

لما كان الإنسان العادي البسيط مغلوبًا على أمره في كل ذلك، فهو للأسف الأكثر شعورًا بالغضب للدرجة التي قد تدمر حياته، خاصة إذا ما كان بطبيعته غضوبًا وتتسم ردود فعله بشدة الانفعال، وهنا ربما تنفعنا الروشتة الرواقية في علاج الغضب، فقد قال “سينكا” وهو أحد أهم أعلامهم في القرن الأول الميلادي: “إن الغضب عدو للعقل وهو جنون قصير”، بل هو في رأيه رذيلة مُدمرة، وهو لا يتوافق مع الطبيعة البكر للإنسان بأي حال من الأحوال، ومن الأفضل التحكم فيه عن طريق إعمال العقل، فالعقل هو المسيطر على المشاعر ولا ينبغي أن يصبح الإنسان عبدًا للمشاعر، ومن ثم يجب مُمارسة ضبط النفس بالعقل بدلًا من الغضب، إن الغضب سبب في الحروب والمجازر التي ترتكب بين البشر، بل وربما السبب في تدمير مدن بأكملها، فالغضب يؤدي إلى الرغبة في الانتقام ومزيد من الانتقام… وهكذا. هذا ما نراه –بالفعل– فيما يجري من ردود أفعال المعنيين بالحرب الدائرة الآن بين الغرب وروسيا على الأرض الأوكرانية!

أسباب الغضب

قبضة يد عند الغضب 1024x576 - أهلًا بكم مرة أخرى

أوضح “سينكا” أن من أسباب الغضب المعتقدات الخاطئة، إذ إن غضبي من الآخرين ينجم من اعتقادي بأنهم يجب أن يتصرفوا وفقًا لتوقعاتي دائمًا، وقد يأتي الغضب بسبب الأشياء التي لا أستطيع أن أتحكم فيها بعقلي، تلك التي أريدها أن تأتي دائمًا أيضًا وفق توقعاتي مثل تقلبات الطقس وسلوك الآخرين إلخ. إن علاج هذا الغضب إنما يستند هنا بالتأكيد على إعمال فضيلة ضبط النفس وعلى إدراكنا أن الغضب ليس مُفيدًا، وأن نتعلم كيفية التحكم في انفعالنا الغاضب، فالشخص الغاضب غير قادر على الحكم السليم، لأن الغضب يجعله عبدًا لانفعالاته وأسيرًا لغضبه، وحينئذ يفقد العقل سيطرته على الانفعال.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فوائد لا تعرفها عن الغضب

على الرغم من رفض “سينكا” للغضب، فإنه مع ذلك يرى أن الغضب قد يكون مفيدًا وإيجابيًا حينما يدفعك إلى العمل، فهو في هذه الحالة يعد غضبًا مُحفزًا، فحينما تغضب لشعورك مثلًا بأن حقًا قد ضاع منك وتحاول استرداده بمزيد من العمل وبذل الجهد، فحينئذ يكون الغضب مشروعًا ومحفزًا لمزيد من الإبداع والترقي، وهنا يصدق قول أرسطو في أن الغضب ضروري ولا يمكن لأي كفاح أن ينتصر دونه، لأنه يملأ العقل ويوقظ الروح، فعندما يقوم العدو مثلًا بخداعنا والاعتداء علينا نحتاج إلى الغضب لكي يولد لدينا دافعية الانتصار عليه!

من ذلك يتضح أن الغضب ليس كله شرًا، وهو مثل كل الانفعالات فيها دائمًا جانب إيجابي، بما فيها حتى انفعال الخوف الذي قد يدفعنا أيضًا إلى التفكير في أسبابه لنكتشفها ونقضي عليها، إن معالجة الانفعالات ومن بينها الغضب والخوف إنما يكون بداية بالوعي بها والتفكير الهادئ فيها، فهذا الوعي وذلك التفكير سيمكننا من تحمل أي شيء سلبي والعمل على تجاوزه بنجاح، وحينئذ قد يصبح الألم والغضب والخوف فُرصة للإبداع بدلًا من الخضوع لهم والشكوى منهم.

عمومًا فإذا كانت تلك المناقشة غير كافية لتخليصك من هذه الانفعالات السلبية، فقد تجد مزيدًا من المساعدة عند المستشار الفلسفي، وأهلًا بك مرة أخرى في العيادة الفلسفية.

مقالات ذات صلة:

في عالم آخر … كاد أن يُودي بعلاقتهما الغضب

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المستشار الفلسفي

أسباب الخوف من التدخل

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. مصطفى النشار

رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، ورئيس لجنة الفلسفة بالأعلى للثقافة

مقالات ذات صلة