مقالات

المستشار الفلسفي

لعلي ألاحظ  الآن دهشة القارئ العربي العزيز من هذا العنوان الغريب، فهو يعرف المستشار القانوني والمستشار الطبي والمستشار المالي والاقتصادي، وربما المستشار النفسي والاجتماعي، لكنه للأسف لا يعرف أنه لو لجأ إلى المستشار الفلسفي لأغناه عن هؤلاء جميعًا في أحيان كثيرة.

كم من التباسات ومشكلات في حياتنا اليومية قد تؤدي إلى مرض نفسي أو بدني، يمكن لو أنك لجأت إلى المستشار الفلسفي وناقشتها معه لوجدت حلها لديه، لمجرد أن ناقشها معك!

معظم مشكلاتنا الاجتماعية بل والاقتصادية –نحن الأفراد– يمكن أن تجد حلها عنده بمجرد أن تشركه معك فيه، لكن للأسف لا تزال بلادنا بعيدة عن فهم دور الفلسفة والفيلسوف، لأننا لا نزال نصدق الزعم القائل بأن الفلسفة بعيدة عن الواقع، وأنها مجرد أفكار وآراء ومذاهب لأناس حالمين يفكرون في اللا شيء أو في الما وراء.

على كل حال أيها القارئ العزيز، فإن عصرنا الحالي هو عصر الفلسفة التطبيقية، الساعية إلى مشاركة البشر مشكلاتهم وإيجاد الحلول لها، سواء كانت مشكلات أخلاقية أو سياسية أو بيئية أو تتعلق بنواتج التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل الهندسة الوراثية والاستنساخ والرقمنة والذكاء الاصطناعي والفضاء الإلكتروني وطرق التعامل مع الواقع الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي إلخ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

من هو المستشار الفلسفي؟

من هنا، ظهرت الحاجة لدى الناس في المجتمعات المتقدمة إلى  “المستشار الفلسفي”، وتأسست المراكز والهيئات بل والعيادات المتخصصة في تقديم الاستشارات الفلسفية، والمستشار الفلسفي هو في الغالب أستاذ فلسفة يجيد الحوار العقلي ومهاراته، ويمتلك مهارات التواصل الاجتماعي والخبرات الحياتية التي تمكنه من أن يستمع جيدًا إلى المستشير ليصل معه إلى فهم دقيق للب المشكلة التي يعانيها: أسبابها، مضمونها وتعقيداتها، ونتائجها ومدى تأثيرها على صاحبها.

من هنا يبدأ تحليله لعناصرها مميزًا بين العناصر الجوهرية وبين العناصر الهامشية، التي هي مجرد أعراض ناتجة عن العناصر الجوهرية، ثم يركز بعد ذلك على تفكيك هذا العنصر الجوهري أو ذاك، ليكشف السبيل إلى تجاوز ما به من متاعب وهكذا.

ضرورة الحوار بين المستشار والمستشير

دور الطبيب النفسي في حياة المريض 1000x700 1 - المستشار الفلسفيلا شك أن الحوار بين المستشار والمستشير سيفضي إلى وضع سلسلة من احتمالات الحل، حسب ظروف المستشير وقدراته العقلية والنفسية وربما المادية. بالطبع فإن مجرد إدراك المستشير لعناصر مشكلته الجوهرية وكيفية العمل على حلها سيكون هو نفسه قادرًا على مواصلة التفكير بهذه الطريقة الإيجابية التي اكتسبها من مستشاره الفلسفي!

إذ لا توجد مشكلة بلا حل ما دمنا امتلكنا القدرات العقلية على التفكير المنطقي الإيجابي واستبعاد التفكير السلبي المحبط، الذي ساهم من قبل في تعقيد المشكلة وجعلها تؤثر على نفسيتنا وتحبطنا.

دور المستشار الفلسفي

إن ميزة اللجوء إلى المستشار الفلسفي أنه يعرف جيدًا كيف يغير طريقة تفكيرنا من التفكير السلبي إلى التفكير الإيجابي، ويجيد توجيه عقل مستشيره إلى طريق الحل دون استخدام أدوية وعقاقير قد يكون ضررها أكثر من نفعها، ودون اللجوء إلى أساليب ملتوية وسحرية وغامضة قد تعقد المشكلة أكثر مما تساعدنا على حلها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الاستشارات الفلسفية لا تقتصر على الأفراد، وإنما تمتد إلى الدول والحكومات والهيئات التابعة لها، فالفلاسفة يوجدون في كثير من المراكز الاستشارية لرؤساء الدول والحكومات، وهم من يرأسون كثيرًا من المراكز البحثية والاستراتيجية في الدول المتقدمة، المعنية بالتخطيط للمستقبل برؤية شاملة وبكيفية تحقيق العدالة الشاملة بين مواطنيها.

الاستشارة الفلسفية بين النظرية والتطبيق

40153 94b156IAFOR Innovation and Value Initiative 1024x535 - المستشار الفلسفيإن إدراك أهمية الفلسفة والفلاسفة أحد مفاتيح صنع التقدم الغائب عنا تمامًا، وسنظل نرزح في غياهب التخلف إن لم نُعمل العقل في كل ما نفعل، وإن لم نستمع إلى صوت الحكمة من صُناعها مهما اختلفوا معنا في الرأي.

إن الفلاسفة الحقيقيين عادة ما يستخدمون قدراتهم العقلية والنقدية ومهاراتهم التنبؤية لمصلحة الإنسانية كلها من جانب، ولتحقيق الأهداف الوطنية من جانب آخر. فهل آن أوان إدراك أهمية الفلسفة والتفلسف في وطننا العربي الكبير ونترك الفلاسفة يفكرون متمتعين بحرية التفكير والإبداع ونتفاعل بإيجابية مع رؤاهم النقدية والمستقبلية؟!

هل يمكن أن نرى يومًا مكانًا للفلاسفة بين مستشاري رؤساء الدول والحكومات في بلداننا العربية؟! وقبل كل ذلك وبعده، متى نقتنع ونسمح للمتخصصين من الفلاسفة في الاستشارات الفلسفية والعلاج بالفلسفة من أن يمارسوا ذلك سواء داخل الجامعات أو خارجها؟!

“منقول بإذن من كاتبه”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

أهلا بكم في العيادة الفلسفية

حقيقة الفلسفة

واقع الفلسفة في مجتمعاتنا العربية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. مصطفى النشار

رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، ورئيس لجنة الفلسفة بالأعلى للثقافة

مقالات ذات صلة