مقالات

أهلا بكم في العيادة الفلسفية

مؤتمر الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة

في الوقت الذي تحتفل فيه معظم الجمعيات الفلسفية على امتداد وطننا العربي الكبير باليوم العالمي للفلسفة، لاهثةً وراء إقناع الناس بضرورة الفلسفة وأهميتها للإنسان في بحثه عن حقيقة الوجود، وتطوير منظومة حياته الأخلاقية والسياسية إلخ، تخطو الجمعية الفلسفية المصرية خطوة جبارة نحو تجذير دور الفلسفة في حياة الإنسان وقدرتها على حل مشكلاته، ليس فقط على صعيد الوجود العام، بل في إطار حياته اليومية ومشكلاته الحياتية.

إذ انعقد مؤتمرها الدولي السنوي بالتعاون مع قسم الفلسفة وفي رحاب جامعة القاهرة تحت عنوان “الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة”، يوم السبت الموافق العاشر من ديسمبر على مدار ثلاثة أيام.

تحدث فيه أكثر من ستين أستاذًا وباحثًا متخصصًا من مصر والعالم العربي، وبحضور مجموعة من الخبراء الأجانب وبالذات من إيطاليا، إذ دار الحديث من الجميع حول الدور التطبيقي للفلسفة في حياة الإنسان، وما يمكن أن يقدمه الفيلسوف لنفسه ولمجتمعه.

حيث عرض هؤلاء الخبراء تجاربهم الحية في الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة مع محيطهم الفردي والاجتماعي، إذ تنامى منذ بدايات هذا القرن دور المستشار الفلسفي، ليس فقط على مستوى الحوار مع المترددين على العيادات الفلسفية وحل مشكلاتهم الفردية، بل أيضًا على مستوى الهيئات والشركات التي بدأت تعي أهمية وجود المستشار الفلسفي داخل الهيئة أو الشركة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً: عن أصل الفلسفة أتحدث

علاقة صراع أم تعاون؟

كل ذلك ونحن هنا في عالمنا العربي لا نزال نحارب الفلسفة ونتصور أنها الطريق إلى كل ما هو خبيث، ولا نزال نتصور أنها ضد الدين! وتقذف بصاحبها في طريق الإلحاد والضلال! بينما الحقيقة أنها الطريق الملكي للإيمان كما قال القديس كلمنت السكندري مع بدايات ظهور المسيحية في الإسكندرية القديمة، أو كما قال فرنسيس بيكون أول فلاسفة العلم في العصر الحديث.

بين هذا وذاك، أكده فلاسفة الإسلام في العصر الزاهي للحضارة العربية الإسلامية، حينما أعلن ابن رشد “أن الحق لا يضاد الحق”، وأن العقل والوحي مصدرهما واحد وهو الله سبحانه وتعالى.

دور الفلسفة وأهميتها في حياة الإنسان

484941 129803721 1024x682 - أهلا بكم في العيادة الفلسفيةبعيدًا عن هذا الدفاع عن الفلسفة من منظور ديني، فإن دور الفلسفة والفيلسوف أصبح أساسيًا في عصرنا الراهن، إذ إن العصر أصبح عصر التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل، الذي من شأنه أن يلقي على الإنسان كثيرًا من المشكلات والمسؤوليات الأخلاقية، التي تجعله لا يتوقف عن التساؤل إزاء صورة المستقبل الذي سيواجهه! وكيف يحمي نفسه من الآثار السلبية لهذا التقدم العلمي وتكنولوجياته، وكيف يمكن توجيه هذا التقدم ليخدم الإنسان ويحافظ على هويته وإنسانيته.

الاستشارة الفلسفية قد تنجح في معالجة الاضطرابات النفسية

بعيدًا أيضًا عن هذا الدفاع عن دور الفلسفة وضرورتها في توجيه دفة التقدم العلمي للإنسان، للحفاظ على بيئة الحياة المناسبة له وللكائنات الحية الأخرى، فإن الدور المتنامي لها في خدمة الإنسان الفرد ومشكلاته الفكرية والحياتية أصبح في غاية الأهمية، لأن كثيرًا من هذه المشكلات التي يُنظر إليها خطأ على أنها مشكلات نفسية وتوصف على أنها أمراض نفسية، إنما هي في واقع الحال مجرد هزات فكرية تمر بالإنسان في لحظات كثيرة من حياته، ويكون عاجزًا عن إدراك كنهها بشكل صحيح، فيتجاهلها أو يتخذ إزاءها قرارات متسرعة تسبب له كثيرًا من المشاكل في حياته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كم يكتشف الفرد مدى بساطتها لو أنه عرضها وناقشها مع ما ندعوه بالمستشار الفلسفي! فالعيادات الفلسفية أو مراكز العلاج بالفلسفة ليست أماكن لاستقبال المرضى، بل هي مراكز لاستقبال الأصحاء والتحاور معهم فيما يعانونه من مشكلات تعقد حياتهم وتضيق بها صدورهم.

أهمية الفلسفة العلاجية والمشورة الفلسفية

رئيسي فلسفة 1.jpg 1024x702 - أهلا بكم في العيادة الفلسفيةهؤلاء ليسوا مرضى ولا يحتاجون للذهاب إلى الاستشاريين النفسيين ولا إلى المصحات النفسية، بل هم فقط في حاجة للتحاور مع إنسان راجح العقل يمتلك الرؤية الشاملة لحقيقة الإنسان وطبيعة مشكلاته، وقادر على تحليل المشكلة الفكرية وتفكيكها وردها إلى عناصرها الجزئية البسيطة، حتى تتضح أمام صاحبها فيتخلص منها ويتجنب تداعياتها، وهذا هو –كما قلنا– المستشار الفلسفي وهذا هو دوره، إنه لا يعالجك من مرض بل يحميك من الوقوع فيه!

هذه لمحة سريعة عن الاستشاري الفلسفي أو المعالج بالفلسفة (أي بالحوار العقلي وليس بالعقاقير)، إنه دور جديد – قديم للفلسفة وهو دور لو تعلمون عظيم، يقي الفرد والمجتمع من كثير من المشكلات التي تعوقه عن الاستمتاع بالحياة الإنسانية كما يجب أن تكون، فأهلًا بكم في العيادة الفلسفية بحثًا عن جودة الحياة والسعادة الحقيقية.

“منقول بإذن من كاتبه”

مقالات ذات صلة:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العلاج بالفلسفة

نحو تبسيط الخطاب الفلسفي

الفلسفة التي أتعبتني!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. مصطفى النشار

رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، ورئيس لجنة الفلسفة بالأعلى للثقافة

مقالات ذات صلة