مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

تهميش الفلسفة وسطوة اللاعقلانية في العالم العربي: دور الفلسفة في عقلنة الشباب ومواجهة التطرف والإرهاب

أشرتُ في مقال سابق إلى واقع الفلسفة في المجتمع العربي، حيث بينت كيف تعاني الفلسفة ودارسيها تهميشا لا تستحقه في عصر طغت فيه اللاعقلانية وساد فيه الفكر المتطرف العامل على التخلف والرجعية، ذلك الفكر الأحادي المنغلق الذي يعتقد أصحابه أن ما يتبنوه من فكر وما يفعلوه من سلوك هو الحق المبين، أولئك الذين صدق عليهم قول الحق سبحانه وتعالى في سورة الكهف: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (سورة الْكَهْفِ: 18/103-104). من ثمَّ، أُشير في هذا المقال إلى الدور الكبير الذي تؤديه الفلسفة والفكر الفلسفي في نشر العقلانية والتنوير، ذلك الدور الذي لم يتجلى في أبهى صوره في العالم العربي بسبب واقع الفلسفة سابق الذكر.

دور الفلسفة في عقلنة الشباب ومواجهة التطرف والإرهاب:

إن للفلسفة دورا كبيرا ومهما في عقلنة الشباب وتحرير عقولهم، وتعليمهم كيفية التفرقة بين الفكر السوي والفكر المتطرف، وذلك خلال تسليحهم بسلاح العقل والنقد، ليصبح الفرد قادرا على النظر إلى ما يعرض أمامه نظرة المحلل الناقد غير الموجه، فلا يمكن للآخرين السيطرة على عقله من خلال الخداع النفسي وترويج الشائعات والمغالطات. فالفكر هو المسئول عن السلوك، ويجب علينا ضبط الفكر لينضبط السلوك.

قد تسمع يوما ما عن قضية معينة، سياسية كانت أم علمية أم أخلاقية، يُعرض أمامك حيالها سيل جارف من المعلومات والأخبار، وبعدها تبدأ التحليلات وعرض وجهات النظر، فتجد عند استماعك لتحليل أحد الخبراء أنك تميل إلى رأيه، ثم عندما تستمع إلى آخر يعرض وجهة نظر قد تكون معاكسة، تجد أن كلامه مقنع أيضا! وهنا تبدأ الحيرة، هنا تظهر قيمة تعلم التفكير الفلسفي، حيث يتجلى عقل الفيلسوف للتفرقة بين الغث والسمين.

كما يساعدك التفكير الفلسفي على التخلص من آراء واعتقادات خاطئة، ربما تكون قد أُمليت عليك في الماضي، فصرت مقتنعا بها دون أن تعرف سببا حقيقيا لهذا الاقتناع، وذلك لأن الفيلسوف لا يسلم بصحة شيء دون اختباره والتأكد من صحته من خلال العقل. فلابد من تكوين آرائنا الخاصة بناء على قناعاتنا نحن، وليس كما يريد غيرنا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التحديات العربية والحاجة إلى الفلسفة:

أما بالنسبة لما أود أن يهتم به المسئولون عن التعليم في العالم العربي _لمواجهة التحديات المحيطة بنا من جميع الجهات_ هو الاهتمام بالفكر الفلسفي العقلاني المعياري المجرد وتدريسه، ودعم فعل التفلسف خلال التشجيع على التأمل العقلي العميق والتدبر في باطن الأمور، وهذا ما دعت إليه تعاليم الدين الإسلامي السمحة، والديانات السماوية السابقة عليه.

وأقترح تبني منهجية الفلسفات التحليلية وتطبيقها في المنطقة العربية، تلك الفلسفات التي تتماشى مع العقل العربي وطبيعته السوسيوثقافية. كذلك لابد من الاستفادة من الأنساق الفكرية المنصبة على الانشغالات الذاتية والاستفادة منها في بناء أنساق فكرية عربية خاصة، تناسب الغايات والأهداف والانشغالات العربية، حيث الاستفادة من كل مصادر العقلنة المتاحة وتوظيفها أفضل توظيف.

كذلك لابد من إعلاء قدر الفلاسفة ودارسي الفلسفة ومنحهم التقدير والثقة؛ لتشجيعهم على مواجهة تلك التطرفات الدينية والفكرية والخرافات التي باتت تهدد العالم العربي، والمنذرة بسطوة اللاعقلانية وما يتبعها من تخلف ورجعية وإرهاب يؤدي إلى الدمار والاستعمار؛ حيث يجب الاستعانة بالفلاسفة ودارسي الفلسفة في مراكز الأبحاث ودراسات السياسات ومناهضة الفكر المتطرف، وكذلك مراكز دعم واتخاذ القرار.

إنّني أكتب هذه الكلمات بقلب مواطن عربي شديد الانتماء لأمته العربية ولوطنه مصر، شغوف بمجاله الفلسفي وتخصصه في فلسفة العلوم والتفكير العلمي، لديه إيمان كبير بقدرة الفلسفة والعلم والتكنولوجيات الحديثة على إحداث ثورة ثقافية وتنموية كبيرة في مجتمعاتنا العربية، محاولا من خلال هذه الكلمات خدش تلك القشرة الصُلبة التي جعلت دراسة الفلسفة وتدريسها في بعض الدول العربية عصية على الباحثين والطلاب الذين يريدون أن يتعايشوا مع عصرهم ويحاكوا أنماط تفكيره المختلفة.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضا:

الجزء الأول من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في رحاب الفلسفة

الفلسفة والدين … كيف ولماذا!

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب

مقالات ذات صلة