مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

في عالم آخر … كاد أن يُودي بعلاقتهما الغضب

صدام هادئ

مشهد اشتملتُه في المقهى بنظراتي الشاخصة كالصنم، رجُلان يتبادلان حوارهُما الهادئ، يلعبان بأحجار الدومينو في حماسة ويشربان الشاي. لم أفهم كيف عادا إلى عهدهما السابق بهذه البساطة؟ كيف انهيا ثورة الغضب التي قد نالت منهما منذ قليل؟

كالمحقق طافت عيناي جنبات المكان، كنت أبحث عن المشتبه بهم، مُستعد لظهورهم في أي لحظة، ربما اندسّوا بين عمال المقهى أو زائريه، إلّا أن الجميع كانوا منخرطين في متابعة أنشطتهم المختلفة، يطالعون الصحف أو هواتفهم المحمولة، يتبادلون الأحاديث، يطلبون المشاريب، أو سارحون في ملكوت أفكارهم.

سئمتُ الانتظار، متى سيخرجون من سكناتهم حاملين الكاميرات ومكبرات الصوت، معلنين أنهم من فريق عمل إحدى برامج “الكاميرا الخفية”، ويضعون لي نهاية واقعية لهذا المشهد الصادم.

الحوار الراقي وثقافة الاعتذار

كنت أستمعُ لمذياع المقهى وفجأة اندثر صوته خلف جدال هذين الرجلين، يبدو أنهما قد اختلفا في وجهات النظر حول موضوع ما، في الواقع لم أهتم بطبيعة القضية محل الخلاف فقد كان هناك ما هو أهم من ذلك لجذب الانتباه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

على الرغم من قسمات الغضب الماثلة على وجهيهِما ونبرة أصواتهم العالية إلا أن أسلوب حوار الرجلين كان راقياً، لم يقاطع أحدهما الآخر أثناء جولة حديثه، لم يتراشقا السُباب أو يتناولا الآباء والأمهات بسوء، بقي الشاي في الأكواب بجانب المتاهة التي شكّلاها بقطع الدومينو، ظلت الكراسي على الأرض في المقهى ولم تتدخل في جدالِهما، على حين غفلة بدأت نيران الغضب التي أصابتهما تنطفئ شيئاً فشيئاً حينما أخذا يتفوهان بعباراتهم الغريبة تلك.

– أنا آسف لأني رفعت صوتي عليك، سامحني على الغضب حقك عليّا.

– ولا يهمك، عليت صوتي وصبيت كل الغضب اللي فيا عليك، سامحني.

منذ لحظة اعتقدت أني سأكون شاهداً على جريمة ما، والآن، أنال نصيباً من سيل اعتذارات مُنهمر، فقد كانا يتأسفان على الإزعاج الذي سبباه لي وللآخرين، ويتعاهدان فيما بينهما أن يكون حوارهما القادم حليمًا قدر المستطاع من دون ذلك الغضب ، باختصار لم تكن القطيعة والعداوة نهاية حتمية لاختلاف الرجلين.

لا وجود للكاميرات ولا أثر لطاقم العمل الذي كنت أبحث عنه، لم أجد من يعود بي من “يوتوبيا” هذا المشهد إلى أرض الواقع، ربما خدعتني عدسات نظارتي الجديدة، أوهمتني بواقع مثالي غير حقيقي، لذا نزعتُها عن عيني ولكن لا شيء تغيّر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم .. كيف يؤدي بنا اللطف الزائد إلى السلوكيات الخاطئة؟ (الجزء الأول)

تهذيب النفس – كيف تتهذب النفس البشرية؟ ( الجزء الأول ) – مقدمات هامة

اليأس خدعة و الأمل حياة جديدة نعيشها.. ولكن كيف؟

ندى علاء منصور

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة