كبار السّن في الميزان .. الماهية والأهمية
يدور الزمان دورته، فينمو الوليد، ويشيب الصغير، مراحل تسليم وتسلم، ووصول إلى محطات محدودة في أوقات شِبه متقاربة لكنها غير معلومة.
الناظر إلى الثقافتيْن العربية والصينية يرى تشابهًا كبيرًا في الحفاظ على المسنين ومراعاتِهم خطوة بخطوة كما الأطفال الصغار تمامًا. سُنّة الله في خلقه، لِما يعتريهم من ضعف البِنية والعقل وقِلة ومحدودية الفهم، وعدم خِدمة النفس بنفس القوة والهِمّة الأولى، فالرحلة قصيرة بين الميلاد وبلوغِ أرذل العُمُر لكي لا يعلم الإنسانُ من بعدِ عِلمٍ شيئًا، ويمكن تفصيل ذلك كما يلي:
كبار السن في الثقافة العربية
اهتمت الثقافة العربية والإسلامية بكبار السن، كان هذا واضحًا عند العرب في الجاهلية، وقد اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بذلك، ولهذا جاءت التوجيهات بالإكرام والإحسان إلى الوالدين.
إنّ بِر الوالدين من أفضل الأعمال وأعظم القُربات، بعد عِبادة الله تعالى، لهذا وجب الشكر والعرفان لهما، بعد الحَمْل والرضاعة، والألم والشّدة، والتربية.
كبار السن في الثقافة الصينية
لم تختلف الثقافة الصينية عن أختها العربية في الاهتمام بالوالدين وخفض الجناح لهما.
يحثنا كونفوشيوس على هذا الدور ويوصي به إذ يقول: “وجب على الولد المبرّة لوالديه إذا كان داخل المنزل، والاحترام للمتقدمين في السن إذا كان خارجه، وأن يكون منتبهًا صادقًا مُشفقًا على عامة الناس متقربًا إلى ذوي المروءة، وإذا كان له بقية من الوقت بعد فراغه من هذه الأعمال وجب عليه أن يصرفها في دراسة الكتب الأدبية”.
إن الوالدين كانا أشدَّ الناس حِرصًا وحِلمًا على الأبناء وهم صغار، وأشد رغبة في حياتهم وبقائهم وما ينفعهم من طعام وشراب وإرشاد وتعليم، يقول الحكيم: “مَن خدم والديه فلينصح لهما بالبشاشة والرفق، فإن رأى منهما عزيمة على الإعراض على نصحه فليزدد احترامًا لهما، وهو غير متنازل عن تقديم النصح لهما وغير متذمّر منهما ولو نالته المتاعب في سبيل نصحه لهما”.
إن معرفة وحفظ سِنّ الوالدين يجعل الولد يُتابِع حالات الوالدين المختلفة، لأن سِن الثلاثين له خصائصه التي تختلف عن الأربعين والخمسين والستين وهكذا، وفي الثقافة الصينية: “إن سِنَّ الوالدين لا بد أن تكون محفوظة عن ظهر قلب الولد، ليبتهج بطول بقائها، ويتوفى حلول أجلها”.
بِرّ الوالدين موصول أيضًا بعد موتهما، فينبغي على الابن أن يتواصل مع أصدقاء والديه ويصلهم ويبرّهم بالزيارة والجلوس معهم والتعرّف على أحوالهم ومساعدتهم، وبهذا يكون قد قام بِبِرّ والديه وكأنهما على قيْد الحياة.
كبار السن بين ثقافتين
إنّ عادات العرب الشرقية التي تعودت على الشجاعة وكرم الضيافة إلى أبعد حد والإباء والمَنْعَة وعدم قبول الضيْم والذُّل، تأبى وضع الآباء والأمهات الذين بلغوا من الكِبر عِتيًا فيبست عِظامهم ومفاصِلهم ونحلت، في دار للمُسنين وتركهم للغرباء لخدمتهم ورعايتهم، ففي الغالب يقابَل هذا باستهجان واستياء، ومع هذا ربما يضطرُ الأبناءُ لفعل هذا رغمًا عنهم، نظرًا لظروف الحياة التي تقسو يومًا بعد يوم وعدم وجود عائل، أو أنّ الأبناء قُساةُ القلوب ويُريحون رؤوسَهم بعدم تحمّل خدمة آبائهم، فيودعونهم أي دار للمسنين في مقابل دفع بعض الأموال، أو لا يدفعون.
الصين بلد كبير وعمل الأبناء –في الغالب يكون بعيدًا– عن أماكن الإقامة أو خارج الدولة، أو شمال الصين أو جنوبها، فيكون من الصعب توفير الرعاية اللازمة لكبار السن، فيضعونهم في دور للمُسنين توفر لهم سُبل الراحة والنظافة، هذا كما رأيتُ وحُكي لي. مع أنّ الصينيين يُكرمون آباءهم وأجدادهم حَدّ استفراغ الجهد.
في النهاية فبقدر الإمكان والاستطاعة يكون التقرّب بطاعة الوالدين والحفاظ عليهما واكتفائهما، لأنه كما تدين تُدان، وبالكيلِ الذي كِلتَ به تكتال، شِبرًا بشبر وذراعًا بذراع.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
