مقالاتفن وأدب - مقالات

قل شيئًا … تجَمَّل بالحقيقة!

لعلك تكسر حاجزًا، أو تُبدد يأسًا ... أو تفضح ظالمًا!

في الأول من مايو سنة 2015، أزيح الستار في ميدان ألكسندر في برلين عما عُرف بتماثيل الرجال الثلاثة ، وهم على التوالي:

الأمريكي «إدوارد جوزيف سنودن» Edward Joseph Snowden (من مواليد 1983)، والاسترالي «جوليان أسانج» Julian Assange (من مواليد 1971)، والأمريكي «برادلي مانينغ» Bradley Manning (من مواليد 1987)، تكريمًا لهم بعد أن ضحَّوا بحريتهم إعلاءً لقيم أخلاقية باتت في الغالب منسية في خضم المصالح البشرية المتضاربة، أبرزها الصدق والشفافية وحرية الصحافة والرأي والتعبير.

قام بنحت التماثيل الثلاثة الفنان الإيطالي «دافيدي دورمينو» Davide Dormino، وقد نصبها بحيث يقف الثلاثة على كراسي مصطفة ومتوازية في الميدان، وبجوارها كرسي رابع تركه خاليًا تشجيعًا لكل من أراد الوقوف عليه في إطار مشروعه الذي أطلق عليه اسم: «لديك شيئًا لتقوله؟».

ما وقع على كلاً منهم:

إدوارد جوزيف سنودن

تجمع مئات الناس في معية الناشطين من حزب الخضر الألماني للترويج لقصص الثلاثة الذين أودت تسريباتهم بحرياتهم ودفعت بهم إما إلى الهرب أو إلى غيابات سجون القهر وتكميم الافواه؛ أما الأول (إدوارد جوزيف سنودن) فقد كان تقنيًا وعميلاً لوكالة الأمن القومي الأمريكية، وأدين في يوليو سنة 2013 بتهمة كشف أسرار تتعلق بالتجسس والاعتداء على خصوصية الأفراد، حيث قام بتسريب مواد مصنفة على أنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي، منها برنامج «بريسم» PRISM (برنامج تجسس رقمي يتيح مراقبة معمقة للاتصالات الحية للأفراد) إلى صحيفة الجارديان وصحيفة الواشنطن بوست.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وبعد اتهامه رسميًا من قبل الحكومة الأمريكية فرَّ هاربًا ليستقر به المقام في مكان غير معلوم بروسيا، وسعت عدة هيئات دولية لتكريمه، فحصل سنة 2013 على جائزة «سام آدامز» Sam Adams (جائزة تُمنح سنويًا لأحد العاملين في الاستخبارات ممن يهبون دفاعًا عن النزاهة والأخلاقيات)، كما رُشح لنيل جائزة نوبل للسلام.

جوليان أسانج

وأما الثاني (جوليان أسانج) فقد كان صحافيًا ومبرمجًا وناشطًا في مجال الإنترنت، اشتُهر بمشاركته في موقع «ويكيليكس» Wikileaks، واتهُم بنشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة بمساعدة من شركائها في وسائل الإعلام. اعتقل في بريطانيا في السابع من ديسمبر سنة 2010 بموجب مذكرة توقيف دولية صادرة عن القضاء السويدي بتهمة اغتصاب وتحرش جنسي، لكنه تمكن من الفرار ولجأ في التاسع عشر من يونيو سنة 2012 إلى سفارة الإكوادور في لندن، حتى أعلن وزير خارجية الإكوادور «ريكاردو باتينيو» Ricardo Patiño في السادس عشر من أغسطس سنة 2012 أن حكومته قررت منح اللجوء السياسي له بناءً على ما أورده في طلبه من الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها في حال تسليمه إلى السويد.

برادلي مانينغ

وأما الثالث (برادلي مانينغ) فقد عمل كمحلل استخبارات في القوات البرية الأمريكية. وأدين بعدة جرائم وفقًا لقانون التجسس الأمريكي بالإضافة إلى عدة جرائم أخرى، وذلك بعد تسريبه أكبر كم من الوثائق السرية في تاريخ الولايات المتحدة. حُكم عليه بالسجن لمدة 35 عامًا، وتم تسريحه بشكل غير مشرف.

من بين ما قام بتسريبه وثائق تُدين الولايات المتحدة الامريكيّة بجرائم حرب في العراق. وفي مايو سنة 2010 تم التحفظ عليه في زنزانة انفرادية، وفي أغسطس سنة 2013 تم الحكم عليه بالسجن لمدة 35 عامًا، مع إمكانية الإفراج المشروط عنه في السنة الثامنة.

هؤلاء، بغض النظر عن ملابسات حياتهم الشخصية، ينظر إليهم العالم كنماذج لضحايا حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير … أو كما عبَّر مؤيدوهم:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كانت لديهم فضيلة أخلاقية باتت نادرة، ألا وهي شجاعة المواجهة، وشجاعة النُطق بكلمة «لا» لقذارة المراقبة الدولية، وقذارة الأكاذيب التي أودت بحياة الآلاف من الضحايا في الحروب والاضطرابات التي أثارتها وتثيرها الصراعات السياسية والاقتصادية في مجتمعنا المعاصر.

اقرأ أيضاً:

الكيتش والحمقري.. في دفء الأكذوبة!

التضليل والتلاعب بالمصطلحات

هل الإعلام وسيلة لتشكيل الرأي العام أم وسيلة مؤدلجة لصناعة القيم؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية

مقالات ذات صلة