فن وأدب - مقالاتمقالات

حرفة الأدب

لفترة طويلة عاش الأدباء والمثقفون مظلومين ماديًا، وإن كان الوضع قد تحسن الآن بعض الشيء، لكن ليسوا جميعًا.

الذي يحتك منهم بالوسط الفني فيكتب الدراما أو الأغاني أو يحصل على المناصب، تنعدل حاله المالية، ومن لا يفعل يظل يعاني.

الشعر رخيص الثمن في عالم الأجور، وكذلك القصة، بل إن الشاعر غالبًا ما ينفق من جيبه على حضور الندوات أو طباعة الديوان.

فإذا تعطفت عليه دار نشر حكومية بطباعة ديوانه، كانت مكافأته على ذلك 200 أو 300 جنيهًا أو خمسمائة على الأكثر، بياع الخضار السريح قد يربح مثلهم في يوم واحد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنا عن نفسي لم يستلف مني نقودًا غير أدباء وشعراء، أما الفنانون فهم عمومًا في يسر حال.

الفقر في عيون الأدباء

عرفت شاعرًا كان في الثمانينات مشرفًا على باب الأدب في مجلة، كان باب الأدب فيها منتعشًا، حتى صار مطلبًا للكثيرين لنشر كتاباتهم.

خرجت من بينهم أسماء لامعة في الشعر والأدب، كان منهم قصاص صعيدي شهير ومعروف بعصبيته الظريفة ولهجته الصعيدية، جاء ذات يوم إلى محرر الباب في دار الهلال، وهو في أشد حالات انكساره واكتئابه بسبب ضيق ذات اليد لدرجة البكاء.

قال: “ما معاييش حق الدخان!”، فهدأ المحرر من روعه وراح يفكر معه في مشكلته، فقال لذلك الأديب المفلس: “اسمع يا فلان.. خد دوول”.

ناوله نحو عشرة كيلوجرامات من مرتجع المجلة لأعداد قديمة، كان مقررًا إهلاكها، وقال له: “بعها، الكيلو بيتباع عند البقال بخمستاشر قرش، يعنى يعملولك جنيه ونص مثلًا”، كان مبلغًا جيدًا وقتها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حملها وانصرف، وبعد أيام عاد إليه ليقول له: “ناولني شوية تانيين يا غالي”، أنا أتحدث هنا عن أديب مشهور رحمه الله، ورحم ذلك  الشاعر محرر الجريدة.

فقر العلماء وحاجة الأدباء

تعرف على اشهر الادباء العرب 1024x576 - حرفة الأدبتحضرني قصة شاعر لبنان الشهير خليل مطران، حين علم والده بأن ابنه يكتب الشعر فقال له قوله الشهير: “ابحث لك عن حرفة تتكسب منها، فما وجدنا شاعرًا على ظهره قميص”.

دائمًا يشكو أهل العلم والأدب بأنواعه من قلة الاهتمام بهم والتقدير لهم، بعكس الاهتمام بلاعبي الكرة والفنانين ومن هم في مثل حظهم.

لكن هل هذا الظلم لأهل العلم والأدب هو شيء مستحدث أم أنه قديم وله تاريخ؟

مقامات الحريري

جاء في مقامات الحريري: “أخذتُ أُسْهبُ في مدح الأدب، وأفضِّل رَبَّه على ذي النَّشَب، وأبو زيد ينظر إليّ نَظَرَ المُسْتَجهِل، ويغْضي عني إغضاء المتمهِّل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فلمّا أفرطتُ في العصبية، للعُصْبة الأدبية، قال لي: ‏فأما الفقير فخير له ‏من الأدب القرص والكامخ –يقصد الخبز والطعام–،‏ ثم قال: ‏سيتضح لك صدق لهجتي، واستنارة حُجّتي.

دخلنا قرية للارتياد، وكلانا مُنْـفِضٌ من الزاد، فلَقِينا غلامٌ حيّاه أبو زيد تحيّة المُسْلم، وسأله، قال أبو زيد: ‏أيُباعُ ها هُنا الرُّطـَب، بالخُطـَب؟ ‏قال الغلام: لا والله!

قال: ولا البلح، بالمُلَح؟ ‏ ‏–أى بالنوادر– قال: كلا والله! ‏قال: ولا الثـَمَر، بالسَّمَر؟‏ ‏قال: هيهاتَ والله قال: ولا العصائد، بالقصائد؟ قال: اسكت عافاك الله.

قال: ولا الثرائد، بالفرائد؟ ‏قال: أين يُذْهَبُ بك، أرشدك الله؟ قال: ولا الدقيق، بالمعنى الدقيق؟ ‏قال: عَدِّ عن هذا أصلحك الله!

أمّا بهذا المكان فلا يُشتـَرى الشِّعر بشعيرة، ولا النثر بنثارة، ولا القصص بقُصاصة، ولا الرسالة بغسالة ولا حِكم لقمان بلـُقْمة، ولا أخبار الملاحم بلحمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأما جيلُ هذا الزمان فما منهم من يميح، إذا صيغ له المديح، ولا من يُجيز، إذا أُنشِدَ له الأراجيز، ولا مَنْ يُغيث، إذا أطربه الحديث.

عندهم أن مَثلَ الأديب، كالرَّبْع الجَديب إنْ لم تُجد الرَّبْعَ دِيمةٌ، لم تكن له قيمة.

فقال أبو زيد: أعلمتَ الآن أن الأدب قد بار، وولـَّت أنصارُه الأدبار؟ وأن الأسجاع، لاتُشْبع مَنْ جاع؟‏”.

مقالات ذات صلة:

بين الأدب والأديب

اليوم العالمي للقضاء على الفقر

الشعر والعِلم

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف

مقالات ذات صلة