مقالات

خالص التعازي

شغلت وفاة الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة الرأي العام وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ بالتعاطف ضد جريمة اغتيالها، ثم الترحم عليها وذكر نضالها الإعلامي، ثم انتهى بالجدل حول الترحم عليها هل يجوز شرعا من وجهة نظر إسلامية فقهية أم لا؟

وهذه القضية أحد الأدلة على أهمية اللغة، وأهمية الكلمة، فالكلمات المعبَّر بها وطريقة انتقائها هي التي تغير المسألة من مسألة اجتماعية إلى قضية عقدية دينية.

في خلاط الجدل: الترحم على شيرين أبو عاقلة يثير غاضبا واسعا

الجدل الدائر أشبه بالخلاط، شديد السرعة والحركة ويهرس كل ما فيه، أي شيء يدخله يتم هرسه بسرعة.

حيث يرى البعض جواز الترحم على الإعلامية الراحلة من قبل المسلمين وإن كانت مسيحية، ويدعم رأيه بما قدمته للقضية الفلسطينية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويرى آخرون أن ذلك لا يجوز، لأن الترحم وطلب الرحمة أو دخول الجنة شرط فيه الإيمان بالله وتوحيده كما جاء به الإسلام، وهؤلاء دعموا رأيهم بمشاركة تعليقات ومنشورات مسيحية في مواقع مسيحية رفضت أن يدخل بعض المشاهير المسلمين ملكوت السماوات من وجهة نظر مسيحية.

وآخرون متعاطفون عاطفيون، يرون ما بالأمة من شقاق، ويرغبون بصدق في رأب صدوع هذه الأمة ولو بإدخال المسيحي الجنة التي عرضها السماوات والأرض مع المسلم، وإدخال المسلم ملكوت السماء مع المسيحي،

وضرب الدينين في الخلاط أيضا، حتى ليمكن أن نسمي الأمر خلاط الجدل والدين، وبعض المتعاطفين يقول: لا يا مسلمين لا نريد جنتكم فلدينا الملكوت، ويقول الآخرون: ونحن لدينا الجنة، وتتشنج العبارات وتسوء الأفهام وتتنافر القلوب.

في تحرير محل النزاع

fsdyjryxoaivkv2 - خالص التعازيحين أكتب عن الأمر أتجاوز أمرين:

شيرين وجدل الترحم

الأول: الجدل العقائدي في إدخال أيَّ أحد رحمة الإله الخالق أو عدم إدخاله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الثاني: لا علاقة حتمية بين دين معيَّن أو التدين ومقدار ما عليه الإنسان من خلق أو مهارة في وظيفته أو أي شيء آخر. فأصحاب الأخلاق الحميدة والأفعال الخيِّرة موجودون في كل الأديان والأعراق والشعوب، مما يستوجب احترام أهل الخير والخلق في كل دين، فالجانب الأخلاقي عنصر مشترك بين كل الأديان.

الطريق إلى تعزيز التناغم بين الأديان

ولذا يجب أن نفهم الأمر في ضوء:

أولا: مسألة الإيمان بالله والتدين بدين لا تقبل القسمة على اثنين، فإن آمنت بدينٍ ما فأنت رافض وغير مؤمن بأي دين آخر، والذين يقولون بأن قلوبهم تسع الجميع غالبا مائعون ولا يصدقهم أحد، فالعقيدة لها لون واحد إما أبيض فأنت مع، أو أسود فأنت ضد. ولأن ذلك طبيعتها يجب أن نحترم ذلك على صعيد التدين والتعبُّد وخصوصيات الأديان.

ثانيا: لا يخلو مجتمع من تنوع ديني وتنوع في الألوان والثقافات إلخ، وإن كان هناك دين أو ثقافة تشكل غالبية المجتمع، والمثقفون النابهون الوطنيون لا يعززون العراك بين أفراد هذا التنوع أبدا، بل يسعى الجميع إلى التمسك بالمشترك بين كل أفراد الوطن.

ثالثا: من وجهة نظري –وأنا مسلم– هناك خلط في قضية تعزية ومواساة المسلم أو المسيحي للآخر في حالات الوفاة، وبين العقيدة الدينية، ولتوضيح هذا الأمر أضع هذه القاعدة: استدعاء العقيدة الدينية في العلاقات الاجتماعية خطأ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الاختلاف الديني لا يدعو إلى التباغض والخلاف

فالاختلاف الديني والعقدي محله العقيدة وما يترتب عليها من شرائع على أي مستوى، لكن الناس في معاملاتهم العامة –وقد أباح الإسلام ذلك– يتعاملون وَفْق القواعد والأخلاق الاجتماعية، وليس العقيدة الدينية (بمعنى موقف الإنسان من الإيمان بالخالق وعبادته وفق دين معين، وسواء أكانت غالبية المجتمع مسلمين أو مسيحيين أو غير ذلك).

فكل منا له أصدقاء وجيران وزملاء عمل وأقارب وأقارب الأقارب وأصهار ومعارف، يتشارك معهم الأفراح والأحزان وغير ذلك من علائق اجتماعية، مثل البيع والشراء والذهاب إلى طبيب ونحو ذلك، فلا أحد يبحث في هذه العلاقات عن بائع أو طبيب عيون أو سائق سيارة أو كهربائي مثلا له دين معين،

هذه العلاقات تدار بمبادئ اجتماعية وأخلاقية وعرفية، ولذا على المسلم والمسيحي أن يعامل أخاه في الوطن القومي (مصر مثلا) أو أخاه العربي (على صعيد الأمة العربية) بأفضل أخلاق يحملها في نفسه، أما المعتقد الديني فلكل منهما معتقده الذي يؤمن بصوابه، وبهذه القاعدة تتشكل المجتمعات الصحية.

تعزية المسلم غير المسلم

بين الإسلام والمسيحية حوارٌ مع الأستاذ الشيخ علي الشيخ - خالص التعازيوالخلاصة:

سؤال: من سيدخل الجنة أو من سيدخل ملكوت السماوات سؤال عقيدة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وسؤال: هل يعزي المسلم أو المسيحي الآخر في مصاب عنده؟ فجوابه أن جمهور الفقهاء يبيح التعزية بألفاظ لا تثير الجدل العقدي بأي لفظ يعين على الصبر على المصيبة، فالعلاقة الاجتماعية هنا مباحة في أصلها مضبوطة في ألفاظها التي تبعدها عن الجدل.

ولذا فينبغي –ومن الذكاء الاجتماعي– أن يعزي المسلم المسيحي والمسيحي المسلم بعبارات وألفاظ تَعْزِيَة بعيدة عن الجدل أو تُوقع عامة المجتمع في جدل عَقَدِي أو ديني –فما أكثرَ المجادلين– قياما بدور الوعي الواجب على كل فرد في المجتمع، وحفاظا على وحدة المجتمع التي هي هدف أساسي للأمة.

ولو لاحظتَ لوجدت أنني لم أتطرق في كلامي هنا للعقائد من قريب أو بعيد، ولو تحرينا التعبير الصحيح عنها لتفادينا كل هذا الجدل.

خالص العزاء والمواساة لكل فرد يفقد عزيزا لديه، ولأسرهم جميعا الصبر والسلوان، وخالص العزاء للأمة جميعا في فقدها لأي فرد من أبنائها. وخالص دعائي لأمتنا بالوحدة والإخاء.

اقرأ أيضاً:

ما مدى أهمية القضية الفلسطينية حتى أتذكرها 

كيف ننظر إلى الاختلاف فيما بيننا؟

الاختلاف الواجب قبوله بين مركزية الإنسان ومركزية الإله

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمد السيد قياسة

مدرس اللغويات – كلية اللغة العربية بالمنصورة – جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة