أثر الغزو الثقافي اليوناني على المجتمع الروماني
تتميز الشعوب بما تنتهجه من عقائد وعادات وتقاليد وقيم، وبما تنتجه من معارف وفنون وقوانين، فلكل شعب مناهجه الاجتماعية ومنتجاته المعرفية،
وكل تلك المناهج والمنتجات يطلق عليها علم الأنثروبولوجيا “Anthropology” اسم الثقافة “Culture”، فالثقافة إرث اجتماعي ينتقل بالتعليم داخل الأمة الواحدة من جيل إلى جيل، حتى يصير سمة خاصة بتلك الأمة وهذا الشعب دون سائر الأمم والشعوب الأخرى.
من هم اليونان؟
لقد كان الشعب اليوناني القديم صاحب ثقافة تُميزه عن سائر الشعوب القديمة التي كان لها باع طويل في مجال الحضارة والأثر الإنساني، فلقد تميز الشعب اليوناني بمنتجاته الثقافية ومناهجه الاجتماعية،
والتي تمثلت في ديانته وتعدد آلهته، وعاداته وتقاليده، وكذا فلسفته، ونظمه السياسية، وابتكاراته الفنية من نحت ودراما وعمارة، هذا إلى جانب منجزاته التشريعية، بل وملابسه أيضًا.
من هم الرومان؟
في مقابل الشعب اليوناني القديم كان هناك الشعب الروماني، الذي كان له هو الآخر ثقافته التي تُميزه عن الشعب اليوناني المجاور له من الجهة الشرقية داخل مياه البحر المتوسط في جنوب أوروبا،
وكذا عن سائر الشعوب المشاركة له في مياه البحر المتوسط، شماله وجنوبه، وأيضًا الشعوب الأوروبية المشاركة له في قارة أوروبا، حيث كان الشعب الروماني القديم يتسم بالغلظة والفظاظة في التعامل مع الآخرين، والحيطة والحذر دوما في مُعاملاته.
من ثقافة الرجل الروماني القديم كان الاهتمام ببيته وزوجته وأولاده ومتابعة خدمه، واهتمامه ورعايته لأرضه وإنتاج المحاصيل، هذا إلى جانب اهتمامه بشؤون الحرب والقتال، ومن ثم إنتاج وتصنيع عدة الحرب، من دروع وسيوف ورماح وغيرها.
مع استقرار الشعب الروماني في أرضه وظهور مدينة روما وسيطرتها على كافة الأراضي الإيطالية قديما في القرن الثامن قبل الميلاد تقريبًا، وتوجهها نحو التوسع واحتلال أراضي الغير، فقد طمع الرومان في أراضي جيرانهم الشرقيين، أصحاب أعظم حضارة إنسانية في العالم القديم، ألا وهم الشعب اليوناني.
اليونان الرومانية
من ثم توالت غزوات الرومان على اليونانيين، واحتلال أجزاء ومدن تابعة لليونان على مراحل وسنوات عدة، حتى استطاع الرومان السيطرة على الجزء الأكبر منها عام 146 ق.م، وبحلول عام 31 ق.م تمت السيطرة الكاملة للرومان على كافة بلاد اليونان والولايات والمستعمرات التابعة لها.
لقد اعتاد الجنود الرومان على التجول في شوارع وطرقات المدن والجزر اليونانية المهزومة، مما كان يمنحهم فرصة الاحتكاك بالحياة اليونانية والتي كانت تعج بالكثير المختلف عنهم في حياتهم الرومانية.
من ثم فقد كانوا يأخذون عنهم وينقلون ما يشاهدونه ويعجبهم، ويجعلونه نمطا لحياتهم من عادات وتقاليد ومعتقدات دينية وتعددية إلهية، حتى المنتجات الثقافية الفنية التي كانوا يعجبون بها، من تماثيل ومنحوتات وأنماط الطرز المعمارية والكتابات الأدبية المسرحية الشعرية، كانوا ينقلونها معهم إلى وطنهم روما.
الغزو الثقافي اليوناني
الفن اليوناني
بانتقال الهيمنة من اليونان إلى روما في عالم البحر المتوسط، في القرن الأول الميلادي، وتفضيل الأثرياء الإقامة في روما دون غيرها من مدن البحر المتوسط، فقد انتقل الفنانون اليونانيون أيضًا إلى روما،
بحثًا عن الثروة والإقامة في مركز الثقافة والفنون في عالم البحر المتوسط، ومركز الهيمنة والسيطرة السياسية والعسكرية، فضلا عن اكتظاظها بالثروات والرعاة الذين ينفقون ببذخ على الفنانين المبدعين.
في روما أخذ هؤلاء الفنانون اليونانيون في تشييد مبان وقصور للأثرياء الرومان على الطرز اليونانية، كما قاموا بتجميلها وزخرفتها بمنحوتات فنية يونانية كان لها عظيم الأثر في ملء وتكديس روما بالمنتجات الفنية اليونانية.
نمط حياة اليونانيين
هذا فضلًا عن تقليد الرومان لنمط حياة اليونانيين حتى غدت الثقافة اليونانية في كل بيت وركن من أركان مدينة روما، وفَقَدَ الرومان سمتهم وما يميزهم عن الآخرين ممن حولهم من شعوب.
أخذ الرجل والمرأة الرومانية يرتدون الملابس اليونانية، ويستخدمون بعض الكلمات اليونانية في أحاديثهم. وسيرًا على درب نمط حياة الرجل اليوناني، صار الرجل الروماني يتخذ لنفسه خليلة أو أكثر، وانصرف عن رعايته لزوجته وأولاده.
أمام هذا الغزو الثقافي اليوناني والذي أفقد الرومان هويتهم، أعلن أحد الأدباء الرومان خشيته على مصير الشعب الروماني، الذي تخلى عن هويته وثقافته المُميزة له وقال قولته الأشهر: “إن الرومان استطاعوا غزوا اليونان عسكريًا وهزيمتهم، لكن اليونانيين استطاعوا غزو روما ثقافيًا وأفقدوها هويتها”.
اقرأ أيضاً: فضائل اليونان القديمة على الإنسانية المعاصرة
تعرف على: دور حضارات الشرق القديمة في بناء الفكر الأخلاقي عند اليوناني
اقرأ أيضاً: حين وقع سقراط في الحب
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
