مقالات

فضائل اليونان القديمة على الإنسانية المعاصرة

اليونان، مهد الحضارة الغربية، كان لموقعها الجغرافي المميز أثر في قارات العالم الثلاث القديمة، آسيا وإفريقيا وأوروبا. ولليونان أيضًا تاريخ إنساني عريق مُوغل في القدم، يعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد تقريبًا.

أطلق اليونانيون على أنفسهم اسم الهيللينيون “Hellenes” أو الأخيون “Achaeans”، وعلى بلادهم اسم هيللاس “Hellas”، بينما أطلق عليهم الرومان اسم الجرايكيين “Graikoi”، ومنه صار الأوربيون المحدثون يعرفونهم باسم الجرِكيين “Greeks”، وبلادهم صارت عندهم معروفة باسم جريس “Greece”، بينما أطلق العرب عليهم اسم اليونانيين، وبلادهم اسم اليونان. وقد يُحدث بعض العرب تحويرا للاسم الروماني القديم “جراكيون” و”جرايكوس” فتصير إغريق.

فضائل اليونان القديمة

وكانت بلاد اليونان القديمة مهدًا لإحدى وأهم الحضارات الأوربية القديمة على الإطلاق، خاصة وأنها استطاعت مشاركة الحضارة الرومانية القديمة وكونتا معًا حضارة أوروبية عظيمة عُرِفت باسم الحضارة الكلاسيكية.

وقد استطاع اليونانيون الوصول إلى أوج عظمتهم الحضارية خلال القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، حيث صارت لهم إبداعاتهم في شتى المجالات الإنسانية آنذاك، حتى صارت فضائل تنهل منها الأمم والشعوب على مر العصور، ومن بين تلك الفضائل نجد:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنظمة الحكم:

ابتكرت المدن اليونانية الكثير من أنظمة الحكم “regimes”، وكانت كل مدينة تنقل عن الأخرى نظام حكمها الذي توصلت إليه، حتى مارس اليونانيون أنظمة حكم عديدة، منها الملكي “Monarchy” والأرستقراطي “Aristocracy” والأوليجاركي “Oligarchy” وكذلك الديكتاتوري “Tyranny”، كما أنهم في نهاية الأمر توصلوا إلى نظام الحكم الديمقراطي “Democracy”، وفي ظل نظام الحكم الديمقراطي صار لكل مواطن ذَكر الحق في إدارة شؤون بلاده وتشريع قوانينها.

ولقد غدت هذه النظم اليونانية إرثًا للإنسانية جمعاء، وأخذت منها الشعوب النظام الذي يتلاءم وطبيعتها، فصارت هناك شعوب يحكمها نظام ملكي، وأخرى ديمقراطي، وإن ظل نظام الحكم الديكتاتوري بغيضا لدى الجميع، كما كان بغيضًا على الشعب اليوناني، الذي ابتكره ولكنه سرعان ما تخلص منه ومارس أنظمة حكم أخرى.

فن العمارة:

all need know about greek civilization 13 features ancient civilization deep impact - فضائل اليونان القديمة على الإنسانية المعاصرة ابتكر اليونانيون الأقدمون طُرزًا معمارية مختلفة، اتسمت جميعها بالجمال والقوة، فكان منها الطراز الدوري، والذي يتسم بالمباشرة والزاوية القائمة، وكان هناك الطراز الأيوني، والذي يتسم بالمنحنيات والزوايا المنفرجة،

هذا إلى جانب الطراز الكورنثي والذي يتسم بأوراقه وتلافيفه الرائعة، وهكذا كان لكل منها سِمته وزخرفته، ومعجبيه، حتى أنها انتشرت جميعها في كافة المباني والمنشآت الحكومية الهامة، كالمعابد والمسارح والمجالس التشريعية، وغدت سِمة من سِمات العمارة اليونانية دون غيرها.

وفي العصور الحديثة، اعتمدت العمارة الأوروبية والشرقية على تلك الابتكارات المعمارية الهندسية اليونانية في تصاميم مبانيها، وذلك حتى تمنحها لمسة من الحضارة والتاريخ والجمال والقوة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فن النحت:

سبق اليونانيون غيرهم من الأوروبيين في معرفة فن النحت والارتقاء به إلى أجواء لا يمكن أن يصل إليها غيرهم من الأوروبيين، فنحتوا تماثيل مستديرة وأفاريز بغرض تزيين جدران وواجهات المعابد والمنشآت الهامة والمقابر.

وقد استخدم الفنان النحّات اليوناني مواد بيئته، من خشب وحجر جيري ورخام، وأيضًا معادن وطين محروق، وقام بتصوير جوانب حياته اليومية وطقوسه الدينية.

ومع مرور الوقت صارت تلك المنحوتات الجميلة أيقونة لدارسي فن النحت والمهتمين به، يتعلمون منها ويحاولون تقليدها، أما الأثرياء وراغبي إضافات جمالية على بيوتهم فإنهم يزينونها بنماذج تقليدية لتلك الروائع والفضائل اليونانية النحتية الجميلة.

الأدب:

مَن لم يقرأ الأدب اليوناني ويُطالعه فإنه لم يقرأ أدبًا على الإطلاق. لقد أنتجت العقلية اليونانية القديمة أجناسًا أدبيةً شتى. لقد كتب اليونانيون القصائد الشعرية، والمقالات والموضوعات النثرية، هذا إلى جانب ابتكارهم لفن الملحمة، الذي رصدوا فيه تاريخهم القديم والإشارة إلى أبطالهم الأولين، وكذلك آلهتهم.

كما كتبوا الروايات المسرحية الشعرية، التراجيدية منها والكوميدية، هذا إلى جانب مؤلفاتهم التاريخية والنقدية. ولا يخلو أدب أوروبي أو شرقي حديث من تأثيرات أدبية يونانية، سواء كان في موضوع العمل الأدبي أو شخصياته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفلسفة:

древней греции 1 e1454618585871 - فضائل اليونان القديمة على الإنسانية المعاصرة

اعتاد الرجل اليوناني على النظر في الكون والموجودات من حوله، محاولًا إيجاد نظريات مُفسرة لوجودها وتعليل وظائفها وماهيتها، وذلك في أوقات فراغه من الحروب والمعارك، وقد أفاضت بلاد اليونان على الإنسانية بأسماء فلاسفة وأصحاب رأي كان لهم عظيم الأثر في الفكر الإنساني، فمنهم وجدنا سقراط وأفلاطون وأرسطو،

فثلاثتهم قادة الفكر والفلسفة اليونانية، الذين تركوا للبشرية إرثًا عظيمًا من الأسئلة حول ماهية الوجود والعدم والإنسان، وإن لم يعطوا لنا إجابة شافية لأي منها. لقد أنشأ ثلاثتهم أنماطًا من الأفكار والمنطق لا تزال تحكم طريقة التفكير حتى يومنا، وتؤدي إلى استكشاف قدرة الجنس البشري على التفكير والبحث عن الحقيقة.

المسرح:

ابتكر اليونانيون الأقدمون فن المسرح، كتابةً وتمثيلًا وتشييدًا. وقد ابتكر اليونانيون فن الكتابة المسرحية، بغرض تعليم وتهذيب الجمهور اليوناني، وتعريفه أبطال أساطيره وآلهته، والعمل على تطهيره مما بداخله من مشاعر الخوف والشفقة.

ولقد مر المسرح اليوناني بمراحل عديدة من حيث التشييد والبناء وكذلك الأداء الدرامي، حتى وصل إلى ما نعرفه اليوم من مبنى خاص بالمسرح، ومن ممثلين وملابس وديكور وإضاءة وإنتاج وإخراج.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العلوم والرياضيات:

اعتاد الرجل اليوناني القديم التحديق في الكون والموجودات عندما تواتيه الفرصة إلى ذلك سبيلا، وعلى إثر هذا التحديق والتأمل استطاع الوصول إلى العديد من التفسيرات والنظريات التي كان لها عظيم الأثر في مجالات الهندسة الرياضية وحساب المثلثات وتعبيد الطرق وإنشاء المدن وتخطيطها،

وكذلك في الفلك واكتشاف مواقع النجوم ومجموعاتها ودورانها في أفلاكها، وأيضًا في الطب واكتشاف الأدوية، حتى غدى الكثير من تلك النظريات العلمية أساسًا ومرجعًا للعلماء والباحثين المُحدثين.

الرياضة والألعاب الأوليمبية:

deviz olimpijskih igr istoriya olimpijskogo deviza - فضائل اليونان القديمة على الإنسانية المعاصرة

عرف اليونانيون قبل غيرهم من الشعوب أهمية وقيمة الرياضة للإنسان، حتى أنهم جعلوا من أوقات الرياضة بمثابة أوقات حُرم، يُمنع فيها القتال والحروب. ولقد كان لهم السبق والريادة في تشييد الصالات الرياضية “صالات الجيم Gymnasion” لممارسة الرياضة داخلها وبناء الأجساد الصحيحة القوية.

وابتكر اليونانيون أيضًا المنافسات الرياضية لاستعراض القوة، فكانت المسابقات الأوليمبية “Olympic Games”، والتي تعود لعام 776ق.م، وكانوا ينظمونها كل أربع سنوات، حتى تم حظرها عام 393م باعتبارها عبادات وثنية ومُناهضة للمسيحية، ولكن تم إحياؤها ثانية عام 1896م.

ولقد كان سباق الماراثون من الفضائل الرياضية التي تركها اليونانيون أيضًا للإنسانية، والذي يُظهر قُدرة الإنسان على التحدي وتحمل المشاق واجتياز الصعاب.

اقرأ أيضاً:

مفهوم السعادة في الفكر الفلسفي اليوناني

الأضحية في تراث اليونانيين الأقدمين

نبوة سقراط

أ.د صلاح السيد عبد الحي

أستاذ دكتور بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الاداب جامعة سوهاج. ومدير مركز حضارات البحر المتوسط.

مقالات ذات صلة