مقالاترياضة - مقالات

الألعاب الأوليمبية بين الحقيقة والأسطورة

ذكر ويل ديورانت عند حديثه عن حياة اليونانيين في كتابه “قصة الحضارة” أن طاغية مدينة أثينا المُستنير بيسيستراتوس “Peisistratus” (600-528 ق.م.) قد أمر بإقامة أول دورة ألعاب رياضية بمدينة أوليمبيا “Olympia” عام 527ق.م. تكريمًا لكبير ألهتهم زيوس “Zeus”. وبعد فترة توقف طويلة تم في العصر الحديث عام 1896م تنظيم أول دورة أوليمبية في مدينة أثينا اليونانية، بناء على اقتراح بارون فرنسي بإعادة إحياء الألعاب الأوليمبية اليونانية القديمة “olympiakoi agones”.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن “القرن الحادي والعشرين” تم تنظيم 31 دورة، وتستضيف الآن العاصمة اليابانية طوكيو الدورة رقم 32، تلك الدورة التي كان من المفترض إقامتها في العام الماضي 2020م، ولكن بسبب جائحة كورونا “Covid 19” وغلق جميع مطارات العالم وعدم التنقل والسفر بين الدول وبعضها البعض، فقد تم تأجيل تلك الدورة. وفي شهر يوليو 2021م تم تنظيم الدورة المؤجلة، وبمشاركة لاعبين من كافة دول العالم، وجميع القارات.

ومن الجدير بالذكر أنه لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل تلك المسابقات الرياضية، ولكنه قد سبق وتم تأجيلها أعوام 1916، 1940 و1944، وذلك بسبب الحروب العالمية. وبسبب الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا) تم الحد من المشاركة في ألعاب أعوام 1980 و1984م.

بداية الألعاب الأوليمبية

ويتم تنظيم الألعاب الأوليمبية كل أربع سنوات على التوالي، ويتم اختيار الدولة المستضيفة للدورة المقبلة في نهاية كل دورة مُقامة. وتتنافس الدول المشاركة في تلك الدورات بمتنافسيها من الأبطال القوميين الذين لهم شهرتهم وبطولاتهم في إحدى مجالات المنافسة، مصارعة أو حمل أثقال أو عدو أو غيره من البطولات التي تعتمد جميعها على القذف أو القفز أو الجري.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد ابتكرت بلاد اليونان تنظيم تلك الدورات، حيث ذكرت الأساطير اليونانية القديمة أن الألعاب الأوليمبية قد بدأت في بلاد اليونان بمدينة أوليمبيا، تلك المدينة التي تحوي معبدًا عظيمًا لكبير الآلهة اليونانية “زيوس”، وكان ذلك في القرن الثامن قبل الميلاد، عام 776ق.م. تقريبًا، وقد استمر تنظيم تلك الألعاب هناك حتى القرن الرابع الميلادي عام 393ق.م. تقريبًا، أو في القرن الخامس الميلادي عام 426ق.م. تقريبًا، وذلك عندما أرادت روما القضاء على كل ما هو وثني وبعيد عن تقاليد وتعاليم الديانة المسيحية.

لقد كان إيمان اليونانيين الأقدمين بالقوة والبطولة، سببا في تنظيم تلك الألعاب، والتي كان يتم تنظيمها بالقرب من معبد الإله زيوس، حتى يرعى المتنافسين، وبخاصة الفائزين منهم، وحتى ينال المتنافسون رضا الآلهة وبركاتها فقد كانوا يتقدمون إليها بالقرابين حبًا وتعظيمًا، وكانت جميع المدن اليونانية تشارك في هذا الحدث الديني الاحتفالي وتُرسل متنافسين رياضيين أتقياء يمثلونها في هذه الألعاب، والتي كانت تستمر لمدة يوم واحد، ولكن مع مرور الوقت تم زيادة أيام المنافسات وصارت خمسة أيام.

وكان الرياضيون يتنافسون في ألعاب القوى بأنواعها، والمصارعة بأنواعها، كذلك الجري والسباق بمختلف أنواعه. وحتى يتم انتقال وسفر المشاركين في تلك الألعاب في أمان، فقد اتفقت المدن اليونانية فيما بينها على وقف النزاعات والحروب أثناء إقامة تلك الاحتفالات الأوليمبية، وصارت تلك الأيام بمثابة أيام حُرم، يأمن الناس والمتنافسون فيها على حياتهم، وفي هذا تفسير لقدسيتها الدينية أكثر منها ممارسة رياضية.

سبب تنظيم الألعاب الأوليمبية

ولقد نسبت الأساطير اليونانية إلى البطل الأسطوري هرقل “Hercules” سبب تنظيم تلك الألعاب الرياضية، وذلك عندما أراد التعبير عن شكره للآلهة التي منحته القدرة على إنجاز أعماله الإثنى عشر الخارقة، فقام ببناء ملعب طوله 200 خطوة، والخطوة في اللغة اليونانية تُعرف باسم ستاديون “stadion”، ومن هذا الاسم صار هذا الملعب يُعرف باسم الاستاد فيما بعد.

وفور الانتهاء من بناء الملعب قام هرقل بتقديم القرابين والأدعية والصلوات للآلهة، وخاصة زيوس على مساندتهم له، ثم طلب من الحضور الدخول معه في منافسات رياضية مختلفة، مثل الجري والمصارعة والقفز ورمي القرص ورمي الرمح. وبعد الانتهاء من المنافسات، قرر هرقل إقامة تلك الألعاب كل أربع سنوات، وفي نفس الملعب الذي أقامه بالقرب من معبد زيوس في مدينة أوليمبيا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفضلا عن القيمة الدينية والرياضية لتلك الألعاب فقد كان لها قيمة ثقافية أدبية، حيث خلد الأدباء ذكرى الأبطال المشاركين وانتصاراتهم في إحدى البطولات، وصلة هذا البطل بالآلهة وإلقاء الضوء على نسبه وأصله الإلهي وعلى مدينته التي أرسلته للمشاركة. هذا إلى جانب اعتماد اليونانيين على تسجيل الأحداث الجِسام تبعًا لتاريخ إقامة تلك الألعاب، خاصة وأن اليونانيين اعتمدوا العام الذي أُقيمت فيه أول دورة أوليمبية بداية لتقويمهم، وهو عام 776ق.م.

اقرأ أيضاً:

حياتنا رموز

الوطن والوطن البديل

تغذية اللاعبين في مجال الرياضة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أ.د صلاح السيد عبد الحي

أستاذ دكتور بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الاداب جامعة سوهاج. ومدير مركز حضارات البحر المتوسط.

مقالات ذات صلة