قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الرابع

المدرسة المشَّائية: (2) الكِنْدِي: فيلسوفُ العربِ الأول

(1) “رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى”.

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، عن أولى مدارس الفلسفة الإسلامية الخمسة (المدرسة المشَّائية: (1) المنطلقات والأصول). ولتوضيح المنطلقات النظرية والمنهجية للمدرسة المشائية، ولمعرفة مكوناتها الرئيسة، من خلال نصوص فلاسفة هذه المدرسة، نعرضُ لنماذجَ من ممثلي المدرسة المشائية، ولنبدأ –في هذه الدردشة– بالنموذج الأول: فيلسوف العرب الأول: الكِنْدِي وكتابه “رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى”.

أولُ فيلسوفٍ لدولة العقل في الإسلام:

أولُ الفلاسفةِ المشائينَ المسلمينَ فيلسوفُ العربِ الأول الكِنْدِي أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، تقريبًا ما بين (185هـ/805م – 260هـ/873م). ومن أهم كتبه “كتاب الكِنْدِي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى”، منشور ضمن كتاب: رسائل الكِنْدِي الفلسفية، القسم الأول، الطبعة الثانية، تحقيق وتقديم وتعليق محمد عبد الهادي أبو ريدة، مطبعة حسَّان، القاهرة، 1978م.

يُعد الكِنْدِي الجسر الذي عَبْرَه انتقلتِ الفلسفةُ المشائيةُ إلى العالم الإسلامي العربي. وكانت هذه مهمة جبَّارة اضطلعَ بها، لأول مرة في التاريخ الإسلامي، هذا الرائدُ الفكريُّ العظيم.

كان للفلسفة طريقٌ وللدين طريقٌ حتى جاءَ الكِنْدِي وحاولَ –لا أقول التوفيقَ– بل مجرد ترتيبِ العَلَاقَةِ بين الطريقين، انطلاقًا من مبادئ المشائية وأصولها، (راجع العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية، الجزء الثالث).

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تتلخصُ محاولةُ الكِنْدِي في ترتيب العلاقة بين الفلسفة والدين، وجعل الفلسفة مستوطنة في العالم الإسلامي، والتي يعرضها –لاحظ– على السياسي الأول ورأس الحكم والدولة، دولة العقل في العالم الإسلامي، الخليفة العباسي المعتصم بالله، الذي ولي الخلافةَ بين عامي (218هـ/ 833م- 227هـ/ 843م).

اقرأ أيضاً: مكانة العقل في الفلسفة العربية

منهج الكندي

لنفحصَ إذن هذه المحاولةَ الرائدةَ، مِنْ –كما يصفه محمد عابد الجابري– “أول فيلسوف لدولة العقل في الإسلام”، الفيلسوف الذي لمْ يَرُقْه منهجُ الكلام، ولا منهجُ العرفان، بل اتَّبَعَ –في تأسيسِ رؤيتِه الكونيةِ، وفي إثباتِها للآخرين– منهجَ البرهان، وذلك من خلال المحاور الآتية:

  1. تعريفُ الفلسفةِ: علمُ الحقِّ والعمل به.
  2. تعريفُ الفلسفةِ الأولى: علمُ الحقِّ الأول.
  3. تعريفُ الفيلسوفِ الكامل: المحيطُ بعلمِ الفلسفةِ الأولى.
  4. واجبُ شكرِ السابقين: شركاء ثمارِ الفكرِ الإنساني.
  5. معرفةُ الحقِّ أوسعُ من نطاقِ الفرد.
  6. اقتناءُ الحقِّ شرفٌ لطالبه بصرف النظر من أين أتى هذا الحق.
  7. توقي كيدِ أعداءِ الفلسفة: أهل الغربةِ عن الحق.
  8. القُنْيَةُ النفيسةُ وما جاءتْ به الرُّسُلُ: موضوعٌ واحدٌ.
  9. موضوعُ الفلسفةِ الأولى ومنهجها.
  10. إثباتُ وجودِ الواحدِ الحقِّ وأنَّه فوقَ كلِّ المفهومات.
  11. فكرةُ التوحيد.
  12. حدوثُ العالمِ: تناهي الجِرْم والزمانِ والحركة.
  13. ما بين أرسطو (الفلسفة اليونانية)، والكندي (الفلسفة الإسلامية).

اقرأ أيضاً: في رحاب الفلسفة

تعريفُ الفلسفةِ: علمُ الحقِّ والعمل به.

الكندي 00004 - العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الرابع

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يبدأ الكِنْدِي توضيحَ العلاقةِ بين الفلسفة والدين بمجرد تعريف الفلسفة بأنها: “علم الحق والعمل به”. يقول الكِنْدِي في رسالته إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى: “إن أعلى الصناعاتِ الإنسانيةِ منزلةً وأشرفها مرتبةً صناعةُ الفلسفةِ، التي حدُّها (يعني تعريفها): علمُ الأشياء بحقائقها بقدرِ طاقةِ الإنسان، لأن غرضَ الفيلسوف في علمه إصابةُ الحق، وفي عمله العملُ بالحق”.

إنَّ الفلسفةَ عند الكِنْدِي صناعةُ الصناعات، وحكمةُ الحكم، وعلمُ الأشياءِ الأبدية الكلية بماهياتها وعللها (أسبابها)، بقدر طاقة الإنسان. الفلسفة علم الأشياء بحقائقها، وهذه الحقائق كلية، لأن الفلسفة لا تطلب معرفةَ الجزئيات، فالفلسفة علمٌ يهدفُ إلى الوصول إلى الحق ويجعل الفيلسوفَ حين يسلك في تصرفاته، فإنه يسلك وفقًا للحق.

الفلسفةُ مثلُها مثل الشريعة علم الحق، وتجعلك تسلك سلوكَ الحق. فهي متفقةٌ مع الدين ولا تخالفه، لأنها عِلمُ الحقِّ وتطلبُ الحقَّ، أي أنها علمٌ وعملٌ، لا مجردَ علم نظري فحسب. إذن الفلسفة تتفق –بالتعريف– مع الدين. كما أن الفلسفةَ العلمُ بالله تعالى، علم الحق الأول.

تعريفُ الفلسفة الأولى: علمُ الحقِّ الأول

إذا كانتِ الفلسفةُ أعلى الصناعات عند الكندي، فإنَّ أشرفَ الفلسفةِ وأعلاها علم الفلسفة الأولى، ويعني به الكِنْدِي علم الألوهية، أو العلم الإلهي أو الإلهيات، أو الميتافيزيقا (ما بعد الطبيعة)، يقول الكِنْدِي: “وأشرفُ الفلسفةِ وأعلاها مرتبةً الفلسفةُ الأولى، أعني علم الحق الأول الذي هو علَّة (سبب) كل حق”.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصلُ بقيَّةَ حديثنِا عن فلسفة فيلسوف العرب الأول الكِنْدِي وكتابه: “رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة: 

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة