مقالات

مقالنا اليوم بعنوان: مكانة العقل في الفلسفة العربية – الجزء الأول

قد يتبادر للذهن لأول وهلة لكل من يقرأ عنوان مقالي هذا ما الذي يقصده كاتب هذا المقال؟ هل يقصد قيمة العقل كعقل وعاقل ومتعقل ومعقول؟ أم يقصد قيمة العقل وأهميته في دراسة الفلسفة العربية؟ أم مقصده رؤية نقدية للقضايا التي عالجتها ولا تزال تعالجها الفلسفة العربية؟ للإجابة على هذا التساؤل لابد أن نتعرف على تعريف فيلسوف العرب الكندي للفلسفة، يقول: “الفلسفة محاولة التعرف على حقائق الأشياء قدر الطاقة البشرية”.

والسؤال أوجهه لفيلسوف العرب الكندي هل ثمة قدر ومقدار تقدر به الطاقة البشرية؟ هل ثم حدود للمعارف البشرية؟ أرى أن الإنسان بما هو كذلك دأبه وديدنه التعلم والفهم والاستبصار بما حباه الله بهذه الملكة التي ليس لها حدود، ملكة العقل الذي من خلاله يكون الفهم والإدراك والاستبصار، وتلك نعمة أنعم الله بها على الإنسان فالذي لايعمل عقله ولا يبحث ولا يتأمل مثله كالأنعام أو أضل،

فالإنسان في سعي مستمر لهاثا تواقا إلى المعرفة في شتى صنوفها سالكا كل دروبها، فيسعى ناحية الحواس وقد يجدها غير كافية، ويتجه إلى العقل بكل مقوماته ويحاول أن يجد ضالته المنشودة من خلاله، وقد لا يصل إلى مرحلة اليقين المعرفي فيبحث له عن مسلك آخر ألا وهو القلب أو الحدس أو الوجدان، ولكن هل هذه الوسيلة مأمونة الجانب؟ هل هذا الحدس _الذي هو ضرب من ضروب الإدراك_ هل يتأتى للجميع؟

مكانة العقل

ومن ثم فالإنسان دوما ما يجاهد نفسه ساعيا إلى إدراك كنه الحقيقة، ولكن في اعتقادي إذا فقد الإنسان رؤيته العقلية للأشياء ورؤيته إلى كل ما يعرض عليه من قضايا من وجهة نظري سيقع في التيه والضلال، لأن العقل هبة من عند الله تعالى وهو الذي زين الله به الإنسان، بل وهو أعدل الأشياء قسمة بين الناس مثلما ذكر ديكارت.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إذا نظرنا نظرة موضوعية إلى الفكرة الرئيسة التي يدور حولها مقالنا _مكانة العقل في الفلسفة العربية_ هل أعلى فلاسفة العرب من شأن العقل؟ نقول: أعلى فلاسفة العرب من شأن العقل ورفعوه مكانا عليا، ولم لا؟ وهم يعلمون علم اليقين القيمة التي منحها الله تعالى لهذا العقل، ولا أقصد بالعقل تلك الغدة الصنوبرية التي تقع في قاع الرأس، وإنما أقصد بالعقل القوة الفعالة السارية في كل الإنسان بما هو كذلك، ولم لا؟

وهم يعلمون علم اليقين أنه ما دخل العقل في شيء إلا زانه وما خرج من شيء إلا شانه، ولم لا؟ وهم جميعا دون استثناء تتلمذوا على يد المدرسة اليونانية الأرسطية، وليس معنى أنهم تتلمذوا على يدي أرسطو أنهم صاروا تابعين ونقلة ومقلدين، بل كانت لهم آراؤهم الخاصة بهم، وهذا موضوع يطول شرحه -سنفرد له مقالا آخر.

تعامل فلاسفة العرب مع العقل:

الكندي

إذا ما قسمنا الفلسفة العربية سنجد فلاسفة المشرق وعلى الجانب الآخر فلاسفة المغرب العربي. أما فلاسفة المشرق فإذا ما بدأنا بفيلسوف العرب الكندي نجده حتى وهو يتناول مشكلة التوفيق بين الفلسفة والدين يعالجها معالجة عقلية، انظروا إلى رسالته إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى، كذلك وهو يتحدث في رسالته وحدانية الله وتناهي جرم العالم ويثبت أن العالم حادث مخلوق يذهب إلى فكرة التناهي أي تناهي كل ما في الوجود بكل ما فيه من كثرة، وبما أنها متناهية إذن فهي مخلوقة وبما أنها مخلوقة فلم توجد مصادفة واتفاقا، إذن لابد لها من محدث أحدثها وهذا دليل عقلي قدمه الكندي ،

الفارابي وابن سينا

وإذا ما تركنا الكندي واتجهنا إلى أبي نصر الفارابي المعلم الثاني تلميذ أرسطو النجيب أليس لهذا الرجل رسالة بحالها أطلق عليها (مقالة في معاني العقل)؟ تحدث فيها عن عدة عقول أهمها العقل الفعال الذي هو بمثابة حلقة الوصل بين عالم ماتحت فلك القمر وعالم ما فوق فلك القمر. وإذا ذهبنا إلى تلميذه ابن سينا ألم يقدم ابن سينا دليلا عقليا على وجود الله أطلق عليه دليل الممكن والواجب؟

إن الله تعالى هو واجب الوجود بذاته ليس هناك من وهبه هذا الوجود، وأن ما سواه ممكن الوجود أي من الممكن أن يكون أولا يكون، والذي يتحكم ويسيطر على فعل الكينونة هو الله تعالى، راجعوا إن شئتم إلهيات الشفاء، وتسع رسائل في الحكمة والطبيعيات والإلهيات والنجاة، وكذلك طبيعيات الشفاء لتروا كيف أعلى الحسين أبو عبدالله بن سينا الشيخ الرئيس من شأن العقل،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الإمام الغزالي

وإذا ما ولينا وجوهنا شطر الإمام الغزالي فعلى الرغم من تصوفه إلا أنه بدأ حياته البحثية شاكا يبغي الحقيقة، وتعرض لمرض ألم به إلا أنه لم يستسلم وسلك طريق العقل أيضا، يقول” “فاعلم أن السبب في إنكار ورفض العقل أن الناس نقلوا اسم العقل والمعقول إلى المجادلة والمناظرة بالمناقضات والإلزامات”. راجعوا الإحياء طبعة مصطفى الحلبي القاهرة 1939 طاولي ص94.

 أحمد مسكويه

وإذا ما تركنا الغزالي واتجهنا ناحية أحمد مسكويه فيلسوف الأخلاق لوجدناه أقام بناء النسق الأخلاقي على العقل خصوصا، وهو يتحدث عن الوسط الأخلاقي لا إفراط ولا تفريط وإعمال العقل في بناء منظومة الفضائل الأخلاقية، راجعوا كتابه تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق،

وكذلك رسالته في تربية الحدث والصبيان، وكيف هذب النفس تهذيبا عقليا عندما تحدث عن قوى النفس الثلاثة الشهوية والغضبية والعاقلة، وكيف تسيطر العاقلة على الشهوية والغضبية، فالإنسان مثلا لا يميل بكليته إلى إشباع شهواته ولا يميل بالكلية لإماتتها وإنما يكون ميزان وسط وعدل، هذا الميزان هو العقل. هذا بالنسبة لبعض فلاسفة المشرق، وللحديث بقية في المقال القادم لنتابع كيف اهتم أبو حيان التوحيدي بالعقل وكذلك لنوضح اهتمامات فلاسفة المغرب بالعقل.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضا:

لماذا الفلسفة الآن؟

لماذا نبدأ بالعقل؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

القوى الكامنة في الإنسان

أ. د. عادل خلف عبد العزيز

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

مقالات ذات صلة