علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

احرس قلبك من التيه والكبر

بالأمس نشر أحد الأصدقاء صورة قديمة لأحد شوارع القاهرة، تعود الصورة لأكثر من مائة عام مضت، فيها نساء يحملن أطفالهن على صدورهن، وفيها شيوخ يجلسون على جانب الطريق، الصورة قديمة جدًا وكل قديم يذكرك بقبضة الزمان القوية، فلم يتغير الشارع القاهري فحسب، وإنما جاء الزمان على أجساد كل من كانوا بالصورة، لقد كبر الأطفال الصغار بالتأكيد، ثم شاخوا وماتوا ولحقوا بأمهاتهم، وبات الجميع الآن ترابًا تذروه الرياح!

أخذت أردد قوله تعالى: “تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين”.

هذه القاعدة العامة مستخلصة من استعلاء قارون بماله، لكنها تتجاوز فضاء القصة المحدود لتغدو حكمًا عامًا، ينسحب على كل المستكبرين والطغاة وما أكثرهم في حياتنا.

فالعلو طغيان وتجبّر، وهذا يتنافى مع حقيقة الإيمان، إذ لا إيمان دون تواضع وانكسار أمام المالك الأعظم، العلو تطاول على حقيقة الإيمان وغفلة عن شرط الوجود الإنساني في هذه الحياة، نحن بشر، محض عابرين، وهذا يقتضي منك ترك كل استعلاء والابتعاد عن مظنة التجبر والبغي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقد أُدين فرعون باستعلائه على الناس، والاستعلاء زهو بالنفس وادعاء امتياز ليس لها، وهذا معنى إبليسي يجب أن تحذر منه (لم يفعل إبليس أكثر من هذا).

العلو بهذا المعنى فساد وضلال، والفساد ظلم للنفس وظلم للناس، ومن العلو أن ترى ذاتك خارج دائرة النقص البشري، وكما تعلم فإن كل نقص ضعف، وكل ضعف احتياج، والاحتياج يفرض عليك ألا تمشي في الأرض مرحًا، فأنت ضعيف إلى أقصى حد، وفي حاجة إلى غيرك وغيرك في حاجة إليك، وعلى هذه القاعدة تستقيم الحياة.

الاستعلاء سلوك يعكس ما في القلب من تيه وغشم، وحين يستعلي القلب ينحرف عن الطريق، وينشغل بما يُفقِده سلامته، ولا نجاة لمن يأتي ربه بقلب مظلم عليل.

العلو فساد، والفساد استعلاء، وهي أمور تتصل مباشرةً بإرادتك الحرة، بمعنى أنك اخترت هذا الطريق بنفسك، لم يفرضه عليك أحد، والتخلي عنه يجعلك بالضرورة من المتقين الذين وجبت لهم الدار الآخرة.

الدار الآخرة متصلة بالدنيا والاجتهاد فيها، فلا تنفصل هذه عن تلك، فالآخرة ليست مكافأة للذين ينسحبون من الدنيا ويتخلون عنها، جهاد النفس من جهاد الناس، ولا غاية لك إلا أن تستقيم الدنيا على قاعدة ينخفض فيها جناح الذل من الرحمة والعفو والتعاون، هذا هو الميزان القويم، وهذا شرط استحقاق الآخرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فاحرس قلبك من التيه والكبر، لكي تتمكن من رؤية الأمور على حقيقتها، فالكبر كله فساد وضلال.

مقالات ذات صلة:

من العجب إلى الخير و الحب

احذر أن تُدمّر نفسك!

متى يكف الجهل عن ثرثرته؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة