مقالات

الطاقة الكهرونووية بين الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل من منظور جغرافي

عرف العالم الطاقة النووية لأول مرة حينما قصفت الولايات المتحدة الأمريكية مدينتي “هيروشيما” و”نجازاكي” في اليابان، بالقنابل الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، مما آثار رعب البشرية من المخاطر الهائلة التي تهدد بفناء العالم في حالة نشوب حرب نووية.

منذ ذلك الوقت واجه العالم تحديًا مزدوجًا تمثل في منع استخدام الطاقة النووية للحرب، مع استغلال هذه الطاقة الهائلة استغلالًا مضمونًا لمصلحة البشرية. وفي عام 1951م أنشأ معهد الفيزياء وهندسة القوى النووية الروسي أول مفاعل نووي في العالم، لإنتاج كهرباء بقدرة خمس ميجاوات في مدينة “أوبنسك” بالاتحاد السوفيتي السابق، وبدأ إنتاج الكهرباء في 27 يونيو عام 1954م.

إلا أن مبادرة الرئيس الأمريكي “أيزنهاور” في عام 1953م، والمسماة “الذرة من أجل السلام”، كانت أول محاولة ناجحة على الصعيد العالمي، لاستغلال الطاقة الهائلة الكامنة في نواة الذرة في تطبيقات سلمية لصالح البشرية، التي يرجع إليها الفضل في إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1957م، ووضع الأساس الذي تقوم عليه صلاحيتها في دعم الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والمساعدة في حظر انتشار الأسلحة النووية.

تزايدت قدرات المحطات الكهرونووية المركبة على مستوى العالم من خمس ميجاوات عام 1954م إلى ما يزيد عن عن 370 ألف ميجاوات في الوقت الراهن، تأتي من 441 مفاعلًا نوويًا توفر نحو 16٪ من إجمالي الكهرباء المولدة من كافة المصادر على مستوى العالم، كما أنها تمثل أكثر من 20٪ تقريبًا من إجمالي الكهرباء المنتجة في معظم البلدان التي تستخدم الطاقة النووية، وتصل في ليتوانيا وفرنسا لأكثر من 75٪.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يُعد امتلاك التكنولوجيا النووية واحدًا من أهم عناصر التقدم للدول في عصرنا الحديث، نظرًا إلى ما تحققه من فوائد علمية وسياسية واقتصادية، لعل أهمها تعزيز المكانة السياسية للدول المالكة لهذه التكنولوجيا على الساحة الدولية، باعتبارها دولًا قادرة على ارتياد المجالات الأكثر تطورًا من النواحي العلمية والتكنولوجية، ما يمنحها نفوذًا ومكانة متميزة، حتى مع اقتصار برامجها النووية على الاستخدامات السلمية فقط، ولا يقل عن ذلك أن التكنولوجيا النووية تحقق مكاسب اقتصادية ضخمة للغاية باعتبارها مصدرًا للطاقة وغيرها.

مفاهيم مرتبطة بالتكنولوجيا النووية

هناك عديد من المفاهيم الأساسية المرتبطة بالتكنولوجيا النووية، تتمثل في:

الذرة (Atom)

أصغر جزء من العناصر التي تتكون منها المواد المكونة للكون كله، مثل الماء والغازات المختلفة والمعادن، إلخ، ويتكون كل عنصر من ذرات متناهية في الصغر، كل منها تشتمل على نواة موجبة هي التجمع الحقيقي للمادة، تدور حولها بسرعة كبيرة أجسام صغيرة مشحونة بكهرباء سالبة تسمى “إلكترونات”.

داخل هذه النواة نوعان من الأجسام، “البروتونات” أجسام تحمل شحنات كهربية موجبة، و”النيوترونات” أجسام متعادلة خالية من الشحنات الكهربية، وتسمى الذرات التي تحتوي نواتها على نفس عدد البروتونات (وإن اختلف عدد النيوترونات) نظائر، ويعتبر عنصر اليورانيوم أحد العناصر الموجودة أساسًا في الطبيعة في صورة نظيرين هما “يورانيوم 235″ ويحتوي على 92 بروتون و143 نيوترون، و”يورانيوم 238” ويحتوي على 92 بروتون و146 نيوترون.

الانشطار النووي (Nuclear Fission)

إذا انشطرت نواة الذرة لأي سبب (مثل اصطدامها بجسم نووي مثل النيوترون) فإنها تنقسم إلى عنصرين، يقل مجموع كتلتيهما عن كتلة الذرة الأصلية، ويتحول هذا الفرق في الكتلة إلى مقدار هائل من الطاقة، طبقًا لمعادلة “أينشتين” التي تربط الطاقة بالكتلة، وكلما زاد عدد البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة كانت أكثر قابلية للانشطار، ومن أهم العناصر الانشطارية اليورانيوم 235 المستخدم وقودًا في المفاعلات النووية، الذي يُنتج عن انشطار جرام واحد منه طاقة تعادل الطاقة الناتجة من حرق 2.4 طن من الفحم أو 11.2 برميل من البترول. إلى جانب هذا المقدار الهائل من الطاقة ينتج عن هذا الانشطار عدد يتراوح من 2 – 3 نيوترونات جديدة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المفاعل النووي (Nuclear Reactor)

جهاز تتم فيه عملية انشطار متسلسل محكوم، وأجزاء المفاعل الرئيسية: قلب المفاعل والعاكس ومنظومة التبريد ومنظومة التحكم، وهناك معدات وأجهزة أخرى مساعدة مثل المضخات والتوربينات وغيرها، وجميعها مع المفاعل تكوّن ما يسمى “المحطة النووية”.

المحطة النووية (Nuclear power Station)

عبارة عن تصميم تكنولوجي تُحوَّل فيه طاقة الانشطار الناتجة داخل الوقود النووي إلى طاقة حرارية يكتسبها المبرد في أثناء سريانه، وتستخدم هذه الطاقة الحرارية في توليد الكهرباء وغيرها من التطبيقات.

أنواع المفاعلات النووية

الطاقة النووية 1024x576 1 - الطاقة الكهرونووية بين الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل من منظور جغرافي

تتعدد أنواع المفاعلات النووية وتختلف فيما بينها، من حيث المادة المهدئة وظروف استخدامها، وأهم هذه المفاعلات:

مفاعلات الماء المغلي

أُنشئت أول محطة نووية من هذا النوع عام 1960م –بقدرة 200 ميجاوات– وتسهم في إنتاج نحو 23٪ من إجمالي الكهرباء النووية على مستوى العالم. وهذا النوع تنتجه شركات في كل من الولايات المتحدة والسويد وألمانيا وفرنسا واليابان. وتتشابه المحطات النووية التي تستخدم مفاعلات الماء المغلي في نواحٍ كثيرة مع تلك التي تستخدم مفاعلات الماء المضغوط، إلا أنها تختلف في جانب مهم وهو السماح بتكوين البخار داخل قلب المفاعل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مفاعلات الماء المضغوط

تعتبر هذه المفاعلات الأكثر تطورًا وانتشارًا في العالم حاليًا على المستوى التجاري (62 مفاعلًا)، إذ أُنشئت محطات كبيرة تتراوح قدرتها الكهربائية بين 600 – 1200 ميجاوات، تسهم في إنتاج 65٪ من إجمالي الكهرباء النووية على مستوى العالم، كما تقوم شركات عديدة بإنتاجها في كل من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي السابق، وفي هذا النوع من المفاعلات يحفظ الماء تحت ضغط عالٍ جدًا، إذ تزداد درجة الحرارة لتصل إلى 859 درجة مئوية دون أن يتحول إلى بخار، والهدف من رفع درجة حرارة المياه إلى هذه الدرجة العالية زيادة كفاءة التحويل إلى طاقة كهربائية، إذ تزداد الكفاءة بزيادة درجة الحرارة.

مفاعلات الماء الثقيل

تعتبر تكنولوجيا الإثراء (التخصيب) من التكنولوجيا المتقدمة، ولم تكن متوفرة في البداية إلا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذا لجأت الدول الأخرى الراغبة في تطوير قدراتها النووية العسكرية والمدنية إلى استخدام اليورانيوم الطبيعي وقودًا لمفاعلاتها، وقد طُوِّر نموذجان لهذه المفاعلات في ألمانيا وكندا، وتعد المفاعلات الكندية –التي تسمى اختصارًا بمفاعلات “الكاندو”– أهم هذه الأنواع، وتسهم في إنتاج نحو 4٪ من إجمالي الكهرباء النووية على مستوى العالم، كما كانت الأساس الذي طورت على أساسه الهند برنامجها النووي السلمي.

مفاعلات التوالد السريع

مفاعلات تولد من الوقود أكثر مما تستهلك منه، ويعتمد تصميم هذه المفاعلات على تفاعل متسلسل يستمر بالاعتماد على النيوترونات السريعة الناجمة عن انشطار اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239، وتوجد أربعة مفاعلات عاملة من هذا النوع على مستوى العالم، في فرنسا واليابان وكازاخستان وروسيا الاتحادية، بالإضافة إلى مفاعلين آخرين.

دورة الوقود النووي (NFC)

10141016831649351974 1024x683 - الطاقة الكهرونووية بين الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل من منظور جغرافي

تعتبر دورة الوقود النووي ذات أهمية بالغة، وتتكون من عدة مراحل تتمثل في:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الأنشطة والعمليات اللازمة لتوفير الوقود للمفاعل، واستكشاف واستخراج اليورانيوم، ومعالجة خام اليورانيوم، وإنتاج ثاني أكسيد اليورانيوم (U3O8) والمعروف باسم العجينة أو الكعكة الصفراء، وتحويل الكعكة الصفراء إلى سادس فلويد اليورانيوم لمفاعلات الماء العادي، أو أكسيد اليورانيوم (UO2) لمفاعلات الماء الثقيل المضغوط.

ثم إثراء وتخصيب اليورانيوم، وهي إحدى العمليات المهمة الخاصة بدورة وقود مفاعلات الماء العادي، ثم تصنيع الوقود النووي، ثم إدارة المفاعل والتعامل مع الوقود المحترق (مؤخرة دورة الوقود)، وتشمل نقل وتخزين الوقود المحترق في مخازن مؤقتة أو دائمة، وإعادة معالجة الوقود المحترق لاستخلاص اليورانيوم والبلوتونيوم لاستخدامهما وقودًا مرة أخرى، ثم التعامل مع النفايات المشعة والتخلص النهائي منها.

يمكن أن تكون دورة الوقود النووي إما مفتوحة أو مغلقة. ومن المبادئ والقواعد والمعايير التي يستلزم توافرها لكل المراحل بدءًا من اختيار موقع المحطة حتى تصميمها وبنائها، ثم تشغيلها للحيلولة دون وقوع أي حوادث، ومنع المشتغلين والجمهور والبيئة من مخاطر الإشعاعات التي قد تنتج من تشغيل المحطة. لذلك يراعى عند تصميم وتشغيل المحطة النووية وجود حواجز متعددة لاحتواء الإشعاعات ومنع تسربها إلى الأفراد أو البيئة.

اقتصاديات الطاقة الكهرونووية

تتفوق في الوقت الراهن محطات الطاقة النووية على محطات الطاقة الحرارية التقليدية بعد تراجعها في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، ومن المتوقع استمرار هذا التفوق في المستقبل المنظور، وقد يرجع ذلك إلى زيادة طاقة المفاعلات النووية وازدياد عمرها الافتراضي وارتفاع مستوى الأمان النووي، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار البترول والغاز الطبيعي، بخاصة في ظل التحديات التي واجهها عالمنا المعاصر بعد جائحة كورونا والحروب الأهلية والدولية والأزمات الاقتصادية وتداعياتها السلبية على سكان العالم.

تتسم اقتصاديات الطاقة الكهرونووية بعدة خصائص يمكن تلخيصها في: تكاليف الإنشاء، وتكاليف الوقود، وتكلفة الوقود المستنفد، وتكلفة التشغيل والصيانة وزمن الإنشاء، وعدم اليقين (Uncertainty)، إذ أوضحت التجارب في عديد من دول العالم أن إنشاء المحطة النووية يمكن أن يواجه عديدًا من المتغيرات التي تعطل تنفيذ المشروع، وتزيد بشكل كبير.

هناك عديد من المحطات النووية بدأ إنشاؤها في السبعينيات من القرن العشرين، ولم تنته حتى الآن وذلك لأسباب عديدة، منها ما كان معطلًا ولكن بدأ العمل والإنشاء، كما في جمهورية مصر العربية (محطة الضبعة النووية) نموذج عربي مثالي وبداية الانطلاقة لباقي الدول العربية.

من خصائص اقتصاديات الطاقة الكهرونووية أيضًا معامل الحمل وحجم المحطة النووية ومساحتها، إذ تَشغَل المحطة النووية لتوليد الكهرباء مساحات صغيرة نسبيًا من الأرض، مقارنة بمحطة التوليد التقليدية التي تعمل بالفحم أو البترول أو الغاز الطبيعي، فعلى سبيل المثال: المحطة الحرارية التقليدية بقدرة 1000 ميجاوات تحتاج إلى مساحة تبلغ نحو 290 ألف متر مربع، وتتسع لمنشآت المحطة ذاتها وملحقاتها، كما أكدت دراسات الباحثين في هذا الشأن أن ما تولده محطة نووية بقدرة 1000 ميجاوات يحتاج إلى حقل شمسي بمساحة تزيد على 35 فدانًا (أي تعادل 147 ألف متر مربع) تدار بالطاقة الشمسية، أيضًا مساحة الحقل اللازم لمحطة كهرباء تدار بالرياح لإنتاج نفس القدرة يصل نحو 50 ألف فدان أو أكثر (تعادل 21 مليون متر مربع)، كما هو الحال في جمهورية مصر العربية (محطة الزعفرانة) على ساحل خليج السويس.

كذلك من خصائص اقتصاديات الطاقة الكهرونووية تنويع مصادر الطاقة، والتنميط في بناء المفاعلات النووية (Standardization)، فالاعتماد على التنميط في بناء المفاعلات النووية يتفوق اقتصاديًا على بناء النموذج المنفرد، فالنظام الفرنسي يأخذ بأسلوب التنميط ويطلق عليه نظام” القافلة” وذلك لتماثل وحداته، ويتميز بانخفاض تكلفته الرأسمالية عن تكلفة النظام الأمريكي والإنجليزي وكلاهما يقوم على التفرد.

يدخل اختلاف الموقع ومدى توافر البنية الأساسية مثل الطرق وغيرها في تقدير اقتصاديات المحطة النووية، وذلك فيما يعرف بخاصية “موقع المحطة النووية وموضعها”، وأيضًا من خصائص اقتصاديات الطاقة النووية “تكاليف حماية البيئة”، ولذلك أصبح من الخصائص التي يجب على دول العالم التي تأخذ بالبرنامج النووي، في ظل التغيرات المناخية وتداعياتها السلبية وحدوث ظاهرة الاحتباس الحراري، وضع هذه الخاصية بنسبة أكبر في الاعتبار، فعندما تدخل تكاليف حماية البيئة في حساب اقتصاديات الطاقة النووية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 الحراري لا شك أن هذا يساند القوة التنافسية للطاقة النووية.

في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يعتبر الفحم أهم مصادر الوقود المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، إذ تؤدي إضافة 10 دولارات للتخلص من طن من الانبعاثات الناتجة من استخدام الفحم إلى جعل الطاقة النووية منافسة قوية للفحم في توليد الكهرباء، وفي دول الاتحاد الأوروبي يبلغ متوسط تلك التكلفة نحو 18.3 يورو للطن، وهو ما يعادل 23 دولارًا وذلك منذ عام 2005م، فيما يسمى بضريبة الكربون. وآخر خصائص اقتصاديات الطاقة الكهرونووية تتمثل في تكاليف النقل والتوزيع.

مستقبل الطاقة النووية في عالمنا المعاصر

1673954341 996 849476 wa 1024x504 1 - الطاقة الكهرونووية بين الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل من منظور جغرافي

تأتي الطاقة الكهرونووية ثاني أكبر مصدر للطاقة الخالية من الكربون في العالم بعد الطاقة الكهرومائية، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة –في خريطة الطريق لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050م– أن توليد الطاقة النووية على مستوى العالم سيتضاعف تقريبيًا، وسوف تساهم الطاقة النووية مساهمة كبيرة في المستقبل في زيادة إمدادات العالم بالطاقة، بخاصة أن عالمنا المعاصر في ظل الثورة الثالثة “المعلوماتية” والتحديات العالمية والزيادة السكانية في معظم دول العالم وبخاصة الدول النامية، وتبنّي كثير من دول العالم وعلى رأسهم مصرنا الحبيبة، التي تتبنى نموذجًا رائدًا في التنمية والتنمية المستدامة.

كل ذلك يعمل على زيادة الطلب على الطاقة في المستقبل، ومصر في هذا الشأن تقدم نموذجًا عربيًا رائدًا في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية (محطة الضبعة النووية)، كما تشير الدراسات والتقارير العلمية العالمية في مجال الطاقة النووية أنها تقدم كهرباء مولدة بطريقة آمنة، إذ يتزايد الطلب على الكهرباء بمعدل ضعف سرعة الاستخدام الكلي للطاقة، ومن المحتمل وفق التقارير العالمية أن يرتفع بأكثر من النصف حتى عام 2040م، وتشير بعض التقارير العالمية في مجال الطاقة النووية إلى الدور المتزايد للطاقة النووية كونها طريقة آمنة للبيئة لإنتاج كهرباء بجودة عالية على نطاق واسع.

إن مستقبل الطاقة النووية يحتاج إلى زيادة ضرورية في توليد الطاقة في كل أنحاء العالم، إذ يمكن استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات منخفضة الكربون أو التي ينعدم فيها الكربون في مجموعات مختلفة، ويتبين في هذا المقال الدسم مدى المساهمة المحتملة التي يمكن أن تقدمها الطاقة النووية كونها تكنولوجيا منخفضة الكربون قابلة للتوزيع، ودون هذه المساهمة تزداد تكلفة تحقيق أهداف إزالة الكربون العميقة زيادة كبيرة للغاية.

ما زالت الطاقة النووية المصدر الرئيس لتوليد الكهرباء في ثمانِ دول أوروبية، كما تمثل أكثر من نصف الكهرباء المولدة في أربع دول؛ فرنسا – بلجيكا – ليتوانيا – جمهورية السلوفاك. إلا أن عديدًا من الدول الأوروبية قد توقف وبدأ في الإغلاق التدريجي للمفاعلات النووية مثل بلجيكا وألمانيا وأسبانيا والسويد وأيرلندا.

توجد نحو ست دول ليست لديها مفاعلات نووية، أو استغنت عنها؛ إيطاليا والبرتغال والنمسا والدنمارك واليونان ولوكسمرج، ولا يبقى غير فرنسا وفنلندا وبريطانيا، حيث استمرار الاستثمار في مجال الطاقة النووية، ففي مدينة “سومرست” في إنجلترا كانت محطات الطاقة النووية أول التطورات، وما إن تُشغَّل هذه المحطات ستتوفر الكهرباء لأكثر من ستة ملايين منزل على مدار الأعوام القادمة، مع أن الصناعة في بريطانيا تواجه مشاكل اقتصادية كبيرة.

تعتمد أي محطة طاقة نووية على فريق عمل كبير من الأفراد الماهرين والخبراء المتخصصين، وهذا ما تفعله مصر الآن، إذ أنشأت مدرسة الضبعة الثانوية لتخريج أشخاص متخصصين وخبراء في هذا المجال، استعدادًا لمستقبل الطاقة النووية في مصر.

غير أن ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء، مقترنًا بالقلق المتزايد حول انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وأهمها ثاني أكسيد الكربون، ثم اتجاه مصادر الطاقة التقليدية (البترول والغاز الطبيعي) إلى النفاد والنضوب السريع، فهي مصادر غير متجددة، هذا إلى جانب الارتفاع السريع والمتلاحق في ظل الظروف العالمية الراهنة في أسعار الطاقة التقليدية، كل ذلك جعل دول العالم –مثل جمهورية مصر العربية التي حركت المياه الراكدة منذ خمسينيات القرن العشرين– تعيد النظر في مجال استثمار الطاقة النووية.

يبدو أن بوصلة إنشاء محطات الطاقة النووية تتجه نحو قارة السلالة المغولية (آسيا) في الدول النامية الساعية لاستخدام الطاقة النووية، مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وإيران وتركيا. أما القارة السمراء (إفريقيا) فمصر في طريقها إلى تحقيق الحلم النووي، وتقدم حاليًا نموذجًا إفريقيًا وعربيًا رائدًا في مجال الطاقة الكهرونووية (محطة الضبعة النووية تحت الإنشاء).

في النهاية يجب نشر الوعي بين السكان، وبخاصة في الدول النامية ومنها الدول العربية مثل مصر، بأهمية الطاقة النووية في توليد الكهرباء لمواكبة أغراض التنمية والتنمية المستدامة، وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأن يُدرَّس ذلك ضمن مناهج التعليم الأساسي والجامعي في تلك الدول.

خلاصة القول أنه “لا مفر من الطاقة النووية” في المستقبل القريب والبعيد لكثير من دول العالم، لتلبية الاحتياجات المستقبلية للطاقة على بيئة الأرض في محيطنا العربي والعالم، وهو ما يحتاج الدعم والاهتمام لتحقيق الحلم النووي لكثير من دول العالم.

مقالات ذات صلة:

القنابل النووية سلاح بلا قيمة

ملاجئ يوم القيامة!

الانفجار الكبير المظلم!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وليد محمد على عجوة

دكتوراه فى الجغرافيا الطبيعيه واسشارى نظم المعلومات الجغرافية وتكنولوجيا الاستشعار من بعد مدرس الجغرافيا الطبيعيه بالمعهد العالي للدراسات الأدبية وخبير تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم سابقا

مقالات ذات صلة