مقالات

الانفجار الكبير المظلم! .. هل كان هناك انفجار كبير آخر حدث بعد الأول؟!

طول عمرنا كنا عارفين واتربينا على إن الكون الواسع دا كله، كانت بدايته مع الانفجار الكبير، حدث كوني ضخم وعظيم، كان السبب اللي خلى الكون دا كله يتولد ويتوسع، ويوصل لشكله وحجمه الحالي. بس تخيل لو أنا قلتلك إن الانفجار الكبير دا مكانش الوحيد ولا حاجة!

تخيل لو قلتلك إن بعد الانفجار الكبير دا ما حصل بشوية، حصل انفجار تاني أغرب منه بكتير، والانفجار التاني دا مش عادي، بل انفجار كبير مظلم! وبيتكون بالكامل من مادة غامضة ومجهولة بالنسبة للعلم البشري تمامًا، اسمها المادة المظلمة! وهو دا اللي أدى لوجود الكون بتاعنا بشكله الحالي!

هات كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وتعالى معايا النهاردا أحكيلك عن واحدة من أغرب النظريات اللي تم طرحها مؤخرًا في أوساط علم الفيزياء الفلكية والفضاء، واللي ممكن تغيرلك وجهة نظرك عن الطريقة اللي بدأ بيها الكون نفسه. يلا بينا!

بص يا سيدي، القصة كلها بدأت زمان أوي، في بدايات القرن العشرين، لما علماء الفيزياء اكتشفوا لأول مرة في التاريخ إن الكون في الواقع مش ثابت، بل بيتوسع، وإن التوسع بتاعه دا معناه إنه مكانش دايمًا موجود في مكانه بالشكل دا، بل إنه كان له بداية، والبداية دي كانت عبارة عن نقطة واحدة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

نقطة واحدة كانت بتجمع جواها كل شيء، الفضاء والزمن والأبعاد والطاقة والمادة وكل حاجة نعرفها أو سمعنا عنها في يوم، والنقطة دي في الوقت القديم جدًا دا، مكانتش ثابتة ولا مستقرة، وعشان كدا حصل إنها انفجرت وتولد منها الفضاء والزمن نفسه، وبدأت من عندها رحلة الكون نفسه اللي إحنا نعرفه، وجه للحياة! وهو دا بقى يا صديقي اللي بيسموه الانفجار الكبير!

الحدث اللي تكون منه الكون كله، من أكتر من 13.7 مليار سنة! حدث غامض ومخيف وعظيم جدًا، بدأ عنده كل شيء، ولسه لحد النهاردا منعرفش ولا متأكدين حصل إزاي بالظبط ولا إيه اللي كان موجود قبله، نظريات كتير حاولت تفسر وتتخيل، واتكلمنا كتير عنها قبل كدا، بس يظل لحد وقتنا هذا مفيش شيء مؤكد.

المهم إن بعد ما الانفجار الكبير دا حصل، وفي وسط ما الكون كان لسه عبارة عن عاصفة صغيرة ومحدودة من الطاقة، في الثواني الأولى من عمره، حصل حدث تاني أغرب من كل دا، ولسه لحد النهاردا بردو مالوش تفسير محدد، ولا حد عارف يفهمه بشكل مؤكد، الحدث دا هو التضخم أو الـ(Inflation).

في جزء صغير من تريليونات الأجزاء من الثانية، تمدد الكون من حجم أصغر من حجم الذرة بتريليونات المرات، لحجم أكبر من المجموعة الشمسية كلها، وكل التمدد دا حصل وقتها في أجزاء صغيرة جدًا من الثانية، يعني بسرعة أكبر من سرعة الضوء نفسه! ودا كان كسر ضخم في عرش قواعد الفيزياء حصل في الفترة الزمنية القصيرة جدًا دي، ومحدش لحد النهاردا لاقيله تفسير مقنع.

بناء على الافتراضات اللي وضعها علماء الفيزياء الكمية، فالكون من بداية ما تكون وهو موجود جواه حقل ضخم من الطاقة الكمية، بيسموه “الحقل الكمي” (Quantum Field). والحقل الكمي دا هو اللي انهار، وانهياره دا أدى لحدوث عملية التضخم، ونتج عنه إشعاع ضخم بيسموه “خلفية إشعاع الميكروويف الكوني” أو الـ(CMB)، وهو دا نفسه اللي سمح بعد كدا بتكون الجسيمات الذرية الأولى، اللي ارتبطت ببعضها بعدها، وكونت أول ذرات في عمر الكون، وكل دا حصل وهو لسه في أول 12 دقيقة من دورة حياته!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعد فترة طويلة، أكتر من مئات الملايين من السنين حرفيًا، بدأت الذرات الأولى دي تتجمع مع بعضها وتندمج، وتبدأ في تكوين النجوم، وبعدين النجوم دي تجمعت بردو، وأدت لولادة المجرات، بس الغريب بقى إن في حاجة تانية كانت موجودة ساعتها، ولسه لحد النهاردا علماء الفلك والفيزياء مش لاقيين لها تفسير ولا حل منطقي وشافي.

علماء الفيزياء بيسموا الفترة الأولى في عمر الكون، اللي بدأت فيها الذرات والجزيئات والجسيمات الذرية في التكون، باسم “الانفجار الكبير الساخن” (Hot Big Bang)، ودا عشان الكون ساعتها كانت حرارته عالية جدًا وكان شديد النشاط، والمفروض إن في الوقت دا، كان في مادة تانية غريبة وغير مرئية موجودة ومالية الكون كله حرفيًا، والمادة دي مش بتتفاعل مع الضوء ولا مع أي حاجة في الكون كله، ومالهاش أي أثر ولا بتتأثر بأي حاجة، وكل اللي خلانا نعرف إنها موجودة كتلتها بس، اللي تسببت في تأثيرات جذبوية كبيرة خلتنا نلاحظها!

الحاجة دي هي المادة المظلمة!

حاليًا، وبناء على الحسابات الفلكية والفيزيائية، المادة المظلمة دي بيتكون منها أكتر من 27% من إجمالي كتلة الكون كله، وإحنا مبنقدرش نشوفها ولا نتفاعل معاها من الأساس! علمًا بإن كتلة الكون المرئي اللي بنشوفه 5% بس! والـ68% اللي باقيين دول كتلة حاجة تانية اسمها الطاقة المظلمة!

الفكرة إن في معظم النماذج اللي بتتكلم عن بداية الكون واللحظات اللي مرت عليه بعد الانفجار الكبير وتكون الجسيمات والذرات الأولى، كلهم بيقولوا إن الكون ساعتها كان ممتلئ على آخره بالمادة المظلمة دي، وإنها كانت موجود في كل ركن منه حرفيًا، ومن ساعتها وهي منتشرة وحجمها وكتلتها بتكبر لحد ما وصلت للي إحنا بنلاحظه دلوقتي، بس من فترة كدا، طلعت نظرية غريبة بتقولك حاجة مختلفة تمامًا، ومذهلة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

النظرية دي بتقولك إن في الواقع، مفيش أي حاجة تؤكد أو تثبت إن المادة المظلمة دي كانت موجودة بالفعل في اللحظات الأولى من عمر الكون! وإنها في الواقع والحقيقة، مظهرتش إلا بعد ما الكون اتكون بفترة، وبعد الانفجار الكبير! وظهورها دا، حصل بطريقة فريدة من نوعها، انفجار كبير تاني، بس مظلم!

أيوه، أنت سمعت صح، النظرية دي بتقول إن بعد الانفجار الكبير بفترة معينة، تقريبًا شهر كدا، حصل انفجار كبير تاني مظلم، أدى لخلق وتمدد وتوسع المادة دي في كل حتة من الكون الأصلي، وفي داخل حدوده! والانفجار دا جه بسبب خلل حصل في قلب حقل طاقة تاني افتراضي كان موجود في بداية الكون، اسمه “الحقل المظلم” (Dark Field)، هو اللي أدى لحدوث الانفجار، وهو اللي جاب المادة المظلمة دي للوجود!

يعني معنى كدا إن الانفجار الكبير العادي بدأ الأول، وفضل مستمر لحد ما الجسيمات الذرية والذرات تكونت لأول مرة، وساعتها حصل خلل في الحقل المظلم، أدى بعدها لحدوث انفجار كبير تاني، بيتكون بالكامل من المادة المظلمة، ومالوش علاقة بالانفجار الكبير الأصلي ومتفاعلش معاه بأي شكل، لكن المادة المظلمة اللي نتجت منه هي اللي أدت فيما بعد لحفظ توازن المجرات وثباتها، وهي اللي خلتها تندمج وتاخد شكلها النهائي وتحافظ على استقرارها!

الفكرة إن الانفجار الكبير المظلم دا، ووفق الورقة البحثية اللي تم نشرها وبتعرض النظرية دي، حصل في ميعاد مدروس، وظروف دقيقة ومحددة جدًا، ومحسوبة حرفيًا بالشعرة، عارف ليه؟!

عشان لو كان حصل بدري أوي بعد الانفجار الكبير مباشرة، كان زمان الكون الحالي اللي إحنا عايشين فيه شكله مختلف تمامًا، وكمية المادة المظلمة اللي فيه كانت هتبقى أكبر بكتير من الـ27% بتوع دلوقتي، أما لو كان حصل متأخر بعد الانفجار الكبير العادي بفترة طويلة، كان حجم وكتلة المادة المظلمة هيكون أقل بكتير، ومكانتش المجرات هتقدر تحافظ على استقرارها ولا هتتكون!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنما هو حصل في ميعاده بالظبط! في وقت محسوب بالشعرة حرفيًا، بعد أقل من شهر من وقت وقوع الانفجار الكبير الأصلي! وحدوثه في الوقت دا بالذات أدى للظروف الكونية اللي موجودة حوالينا دلوقتي، وهو اللي متوافق مع كل الشواهد والملاحظات اللي إحنا نعرفها حاليًا!

المذهل في النظرية دي إنها بتقدم مميزات كبيرة جدًا هتخليها مفيدة جدًا لينا لو طلعت حقيقية وواقعية فعلًا، أول ميزة مثلًا، إنها هتفصل تمامًا تكوين وبداية المادة المظلمة عن تكوين وبداية المادة الطبيعية اللي إحنا نعرفها. وبكدا هيقدر العلماء يصمموا ويدرسوا نماذج جديدة لطريقة توزيع المادة المظلمة في كوننا حاليًا، بدون ما يقلقوا من إنهم يبوظوا أي حاجة تتعلق بتأثيراتها القديمة على المادة الطبيعية في بداية الكون، وبكدا هتخلي عندهم مرونة أكبر بكتير في دراسة المادة المظلمة وكشف أسرارها!

الميزة التانية إن النظرية دي متوافقة بالفعل مع اللي إحنا نعرفه عن الخصائص الفريدة للمادة المظلمة، وإنها مش بتتفاعل مع المادة الطبيعية بأي نوع، فبالتالي مفيش أي سبب يفرض علينا إننا نقول إنهم بدأوا مع بعض أو إن ليهم أصل مشترك!

بس فوق كل دا، الميزة الأكبر والأهم فعلًا، إن النظرية دي بتدينا لأول مرة تقريبًا إمكانية لأننا نتأكد منها، ووسيلة حقيقية لأننا نرصد أثر فعلي وواقعي في الكون اللي إحنا عايشين فيه، ممكن يكون ناتج عنها!

دا عشان  الانفجار الكبير المظلم دا لو كان موجود وحصل فعلًا، فهو المفروض يكون نتج عنه أثر معين ومميز، عبارة عن موجات جاذبية أو (Gravitational Waves) ليها ترددات معينة، أقرب لتموجات في نسيج الفضاء الكوني أو الزمكان، أصلها بدأ مع الانفجار نفسه، ولسه بيتردد صداها في الكون كله لحد النهاردا!

بناء على كلام الباحثين اللي نشروا النظرية دي، فإحنا صعب علينا جدًا نقدر نرصد الموجات الجذبوية دي بالتكنولوجيا ومراصد الجاذبية المتاحة لينا حاليًا، ودا عشان حساسيتها ضعيفة جدًا على إنها تلقط أثر الموجات دي، بس يومًا ما في المستقبل، التكنولوجيا دي هتكون موجودة، وفي مراصد بيتم العمل عليها حاليًا بالفعل ممكن حساسيتها في يوم من الأيام توصل للدرجة دي فعلًا، زي تجربة ومشروع (NANOGrav) العالمي اللي بيهدف لرصد موجات الجاذبية الدقيقة عن طريق حساب المسافات اللي بيننا وبين النجوم النابضة أو الـ(Pulsars) البعيدة!

ساعتها لو تم تأكيد النظرية دي، فالفكرة اللي كانت عندنا عن الكون وبدايته هتتغير تمامًا، وهيحصل إعادة كتابة كاملة لأساسيات علم الفلك نفسه، عشان معنى كدا هيكون إن سبب وجودنا دلوقتي مش مجرد انفجار كبير واحد مالوش تاني زي ما كنا فاكرين، بل انفجار تاني مظلم جه بعده، وهو اللي خلق المادة اللي بتحفظ وجودنا كلنا دلوقتي.

فأنت بقى رأيك إيه؟!

مصادر:

https://www.livescience.com/a-dark-big-bang-may-have-flooded-the-universe-with-invisible-matter-new-study-proposes

https://gizmodo.com/dark-matter-big-bang-hidden-universe-physics-1850199134

https://www.vice.com/en/article/dy3g5j/dark-big-bang-dark-matter

https://www.popularmechanics.com/space/deep-space/a43096887/dark-matter-big-bang/

https://www.universetoday.com/160285/the-universe-may-have-started-with-a-dark-big-bang/

https://science.nasa.gov/astrophysics/focus-areas/what-is-dark-energy

https://nanograv.org/

مقالات ذات صلة:

أول صورة حقيقية للمادة المظلمة

الانفجار العظيم هل من الممكن أن يكون سبب؟

نجوم الثقوب السوداء

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست

مقالات ذات صلة