أسرة وطفل - مقالاتقضايا شبابية - مقالاتمقالات

الترابط الأسري ترابط للمجتمع

لا شيء أقدر على الحفاظ على سلامة المجتمع واستقراره من الترابط الأسري، الذي يكفل لأبناء الأسرة الواحدة الحياة السعيدة الدافئة، والذي تستطيع أن تواجه به الأسرة ملمات الأمور وصعوباتها المتكررة على مدى الأيام والأحداث المتعاقبة، فإذا ما ترابطت الأسرة واستقرت أدى ذلك إلى ترابط المجتمع واستقراره، إذ هي المكون الأول والأساس للمجتمع أي مجتمع، وعلى عاتقها يقع تقدمه وازدهاره أو تخلفه وتراجعه، ولذا اهتمت الشرائع السماوية جميعها بهذا الرباط المقدس والميثاق الغليظ، وأوجبت أن يكون على أساس متين يحفظ بقاءه ويكفل استمراره، وأن يكون بناؤه بناءً صحيحًا قائمًا على علاقة صحيحة متمثلة في عقد الزواج الذي يجمع بين الزوجين جمعًا تباركه السماء والأرض، وبغير هذا العقد المبارك لن تكون للأسرة ديمومة ولن يكون لها بقاء.

وإذا تأملنا حال المجتمعات التي تدعي أنها متحررة، وفي الحقيقة أنها فهمت معنى الحرية خطأ، وجدناها لا تقيم بالًا لهذا العقد المبارك (عقد الزواج) إلا عند الأقلية العاقلة منها، أما الغالبية فهم يعيشون ولا يعبئون به، ولذا وجدنا مثل هذا المجتمع قد أكله التفكك الأسري وجاء عليه الدهر انحلالًا وهمجية، مما أدى إلى تقطع العلاقات بين رجاله ونسائه بل حتى بين الأبناء وآبائهم وأمهاتهم، وإن مثل هذا المجتمع مهدد بانتشار الجرائم والتحلل الأخلاقي، أما المجتمعات التي قدست عقد الزواج وجعلته الركيزة الوحيدة لإقامة الأسرة نراها مجتمعات وادعة، قلّ عندها التحلل الأخلاقي ونجحت في بناء أسر متماسكة ونجحت في تقديم أبناء صالحين محافظين على ما بناه آباؤهم.

يجدر أن نعلم أن عقد الزواج له أهمية كبيرة، فهو العقد الذي يضمن أن يكون الزوجان قد بلغا السن القانونية التي تجعلهما مؤهلين لإتمام هذا العقد، ولذا يتهرب بعض الناس من هذا العقد لأن الولدين لم يبلغا السن القانونية، وفي هذا ضرر بالغ يجب على العقلاء أن يمتنعوا عنه ويمنعوا منه أهليهم، وهو العقد الملزم للزوجين كي يقوما بدوريهما تجاه بعضهما وتجاه أبنائهما بعد ذلك، وهو الضمانة الأساس للحفاظ على الحقوق الزوجية والمجتمعية، وهو الوثيقة الوحيدة التي يعترف بها المجتمع الرشيد في العلاقات الإنسانية، وعلى أساسها يقوم المجتمع بواجبه تجاه الزوجين، وفي الوقت ذاته يجعل الدول تقوم بواجبها تجاه هذين الزوجين أيضًا.

لكن الأهمية الكبرى لهذا العقد أنه يقدم وثيقة اعتراف برضا الزوجين عن بعضهما وأن اقترانهما جاء عن طريق القبول المحض بينهما، وتلك شريعة الله التي اشترطها لإنفاذ هذا العقد، فلا بد من الإيجاب والقبول بين الطرفين، ولا يصح إجبار أحدهما أو كليهما على الزواج وإلا كان العقد باطلًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التكافؤ

الآن بعد هذه التقدمة المهمة عن عقد الزواج وأهميته هلم بنا قارئي العزيز لنتعرف على أول العوامل التي تساعد على دوام الترابط بين أفراد الأسرة، وهو عامل الاختيار الذي يكون أول ما يكون عند التفكير الصحيح لارتباط الزوجين، فمن الحكمة البينة والتفكير المنطقي السليم أن يختار كل زوج شريكه على مجموعة من الأسس التي تعلن التواؤم بينهما وتبشر بالديمومة لهذا الزواج، وأهم هذه الأسس على الإطلاق التكافؤ في كل شيء؛ في التعليم وفي الوسط الاجتماعي وفي الفكر، وأهم تكافؤ التكافؤ في الدين والأخلاق، ومن المعلوم أن التكافؤ هنا يقصد به التقارب بين الزوجين في هذه الأمور وليس التطابق المطلق فهذا أمر بعيد الوجود، فقد خلق الله الناس مختلفين في عاداتهم وطبائعهم وتفكيرهم والتزامهم.

هذا التكافؤ يساعد على استقرار البيوت ويحميها من الاكتواء بنار الخلافات، ويساعد على خلوها من المشكلات أو على أقل تقدير تقليلها، إذ إننا عندما ندقق النظر في المشكلات التي تواجه الأسر نجد أن معظمها مرده إلى التباعد في المستوى العقلي أو المستوى النفسي بين الزوجين، مما ينتج عنه اختلاف كبير في تقدير الأمور وتفسيرها بما يثير الأزمات بينهما، وحينئذ تتباعد بهما الهوة ويأخذهما الخلاف إلى عدم فهم كل منهما للآخر، مما قد يؤدي بهما إلى نبذ كل منهما للآخر، بل قد يتعدى الأمر بهما إلى صعوبة الحياة بينهما والانجرار إلى ويلات القضايا ومأساة الانفصال.

أما من وجد بينهما تكافؤ عقلي ونفسي فنجد تفسيرهما لأحداث الحياة متقاربًا وتقديرهما للأمور متقاربًا، مما ينتج عنه فهم كل منهما للآخر ومراعاة كل منهما لاحتياجات الآخر، وهذا سيؤدي حتمًا إلى اتفاق الحياة بينهما، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إذ أرشدنا إلى مراعاة هذا التكافؤ بقوله: “تَخيَّروا لنُطَفِكُم فانْكِحوا الأَكْفاءَ وأَنْكِحوا إليهم”، ابن ماجه.

ولأهمية هذا التكافؤ بين الزوجين شُرِّعت “الخطبة”، حتى تكون فترة تعارف واختبار يقدم فيها كل زوج نفسه إلى الشريك المستقبلي في الحياة، وليعلم كل واحد منهما أهو كفء للآخر أم لا، ومن الأمانة أن يقدم كل واحد نفسه بمنتهى التجرد والموضوعية دون تجميل أو تزوير حتى تكون النتائج صحيحة مرضية، فإذا حدث قبول بينهما وتناسب في التوجهات العقلية والاجتماعية والاقتصادية، استطاعا أن يكملا الحياة مع بعضهما على أساس متين ورابط وثيق.

مقالات ذات صلة:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تزوجوا وبكروا في الزواج

الزواج هكذا يجب أن يكون

هل الزواج غاية أم وسيلة؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عبدالله أديب القاوقجي

مدرس بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة