مقالاتقضايا شبابية - مقالات

الزواج في المنهج العقلي … هل الزواج غاية أم وسيلة ؟

المنهج العقلي هو المنهج الذي يعترف بوجوب استخدام جميع الأدوات المعرفية في أماكنها الصحيحة، وسمي بالعقلي لأن الأداة المعرفية القادرة على إدراك نفسها وغيرها وتحديد نطاق عمل كل أداة –بما فيها نطاق عمل نفسها– هي العقل.

المنهج العقلي يعترف بالعقل كأداة معرفية حاكمة ومبدئية، ونطاق عملها هو الكليات والمبادئ الأولية الحاكمة للأمور، ويعترف كذلك بأداتي الحس والتجربة لكشف الواقع المادي المحسوس وإجراء عمليات جزئية بسيطة ومركبة لاستكشافه، ويعترف كذلك بالنصوص والإخبارات كالنص الديني وأهمية الاستعانة به في منطقة الجزئيات التي تتعلق بالأمور المعنوية، وأخيراً يعترف أيضاً بضرورة إصلاح السر الباطني والتوجه إلى مصدر الكمال والمعشوق الأول.

ولكي يتضح الموضوع أكثر سنحاول تطبيق الكيفية التي يسري بها المنهج العقلي في تحليل قضية مثل قضية الزواج.

عندما نتبنى المنهج العقلي في تحليل القضايا ينبغي أولاً بناء تصور كافٍ للقضية المطروحة، بمعنى أن نبدأ بتحليل المفاهيم لتكوين مفاهيم صحيحة، وعادة يتم طرح أسئلة مثل: ما هو الإنسان؟ ما هو الزواج؟ وهكذا…

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم يأتي الحكم على القضية نفسها استناداً إلى التصور الصحيح لها، ويكون الحكم مبنياً على أدلة برهانية صحيحة وثابتة، والهدف يكون الحكم بالإيجاب أو السلب عن القضية وتقديم تفسيرات لها، مثلاً هل الزواج ضروري؟ ولماذا نتزوج؟

هذا الحكم يتم بأكثر صورة منطقية مقبولة وهي تحصيل نتائج باستخدام معلومات (مقدمات) صحيحة، ويتم بأكثر نوعية من المعلومات يقينية وثبات.

من أين نأتي إذا بالمعلومات الصحيحة؟ هذا هو دور أدوات المعرفة.

يشخص العقل حينها نوعية المعلومات المرجوة، هل هي أمور كلية أم جزئية؟ هل هي مادية أم معنوية؟ ومن خلال التشخيص الصحيح ينتقي الأداة المناسبة ومن ثم يبدأ البحث.

فمثلاً عند الخوض في أمور كلية خاصة بمبادئ الزواج وأهدافه العامة ومدى أهميته بالنسبة للإنسان وما هي أسس اختيار شريك الحياة وما هي الضروريات الأساسية لاكتمال الزواج وكيف يكون الزواج سعيدًا؟
كل ذلك يستطيع أن يخوض فيه العقل بشكل غير تفصيلي للتوصل إلى إجابات صحيحة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عندما تأتي التفصيلات الجزئية كطريقة إجراء عقد القران وحدود التعامل بين المخطوبين وتفصيلات المهر والمؤخر وحقوق الزوج والزوجة التفصيلية، لجأنا إلى النص الديني الصحيح لنتعرف على القواعد الإلهية التفصيلية التي تحفظ العلاقات الإنسانية وتحمي الأفعال ذات التأثير السلبي العاجل أو المؤجل على الروح، مع استخدام العقل في فهم المواقف وتطبيق جوهر القواعد وليس ظاهرها.

ثم تأتي التفصيلات الجزئية المادية المتعلقة بضرورة اكتشاف الشخص الذي وقع عليه الاختيار وفق المبادئ الكلية العامة، ومعرفة مدى تحقق الشروط الأساسية فيه/ فيها ومدى تقبل كل منهما لشخصية الآخر، فنلجأ هنا للحواس والتجربة المتمثلة في المواقف والتعاملات الحياتية في الواقع، مع استخدام العقل للتوصل إلى استنتاجات أقرب للصحة وعدم التسرع في الحكم.

ولمزيد من التوضيح دعونا نطرح مثالًا: عندما أراد عمر أن يتزوج وجد الكثير من الأقاويل الحسنة والسيئة عن الزواج، ومر على مسامعه الكثير من النماذج الفاشلة والسعيدة للمتزوجين، فشعر بالتخبط والحيرة، فماذا يفعل عمر؟

إن كان عمر متبنياً للمنهج العقلي فسيقوم أولاً بفهم صحيح لقضية الزواج، وهل هو ضروري لحياة الإنسان أم لا؟ وهل له أثر اجتماعي أم مجرد منفعة شخصية للمتزوجين؟ وما هو أثر تكوين أسرة متزنة أو أسرة مفككة؟ وما هو هدف الزواج؟

ثم يقرر أن يتزوج بعد بناء رؤية صحيحة عن الزواج، فيحدد باستخدام العقل السليم الشروط الأساسية اللازم توافرها في شريكة حياته كالأخلاق الحسنة والفكر القويم المتسق مع فكره والمعين له على الاستمرار في رحلة تكامله، ويحدد كذلك الشروط التفصيلية الواجب توافرها فيها من خلال النص الديني الصحيح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويلجأ إلى النصوص الدينية الصحيحة كذلك لمعرفة حدود التعامل في فترة الخطوبة والخطوات الإجرائية اللازمة لإتمام الزواج وحقوق وواجبات كلًّا منهما قبل وبعد الزواج.

ولا ينسى أهمية الميل القلبي والمشاعر الباطنية المحفزة على بناء علاقة قوية مع الشريك، وكذلك لا ينسى أهمية الإصلاح الباطني ولا يهمل الإشارات المحتمل صحتها من خطئها في رحلة التعارف والارتباط، فالمشاعر الباطنية عنده تستقر تحت جناح العقل الذي يعرف ويحلل ويحكم.

ولا ينسى كذلك أن الزواج وسيلة هامة للتكامل والتقرب إلى المصدر، لا غاية في ذاتها، فلا يتوقع أن تكون النهاية السعيدة هي حدث الزواج فقط، بل هو بداية لحياة مختلفة بشكل ما، بها صعوبات وتحديات ولكن آثارها عظيمة على الفرد والمجتمع إن تمت بشكل سليم، فتبقى بذلك روحه متزنة وهمته عالية مهما مر به من مشاكل أو أزمات طالما أنه يسير في الاتجاه الصحيح.

المنهج العقلي يحل الكثير من الإشكالات المرتبطة بالزواج وغيره سواء على المستوى الفكري أو الإجرائي لأنه ببساطة يضع كل شيء في موضعه الصحيح والمناسب.

المنهج العقلي يرتكز على أسس ثابتة فيجنب الإنسان الوقوع في أفخاخ الأفكار الخاطئة والمتناقضة جراء النماذج المختلفة من الزيجات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهو كذلك يحمي من الغفلة المدمرة ويمهد الطريق لحياة متزنة تحفظ إنسانية الفرد وتقوده إلى سعادته وسعادة مجتمعه.

 

اقرأ أيضاً:

الزواج مرة اخرى: أريد حلاً

لأن الحلال أجمل لا تنتظر

متزوج وأفتخر

 

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة

مقالات ذات صلة