دعني أعتذر وأنصت إليّ يا صديقي
فلسفة الاعتذار في واقعنا فلسفة عجيبة وغربية ومريبة في آن واحد، فالاعتذار في مفهومه الدارج السهل البسيط هو اعتراف بالخطأ المقترف في حق غيرنا،
لذا وجب الاعتراف به والإقرار به والتماس العفو والصفح والتجاوز عنه ممن أخطأنا في حقهم بكل شفافية ووضوح وحسن نية، تلك بنية الاعتذار باختصار وهذا مفهومه السهل البسيط.
أما في عصرنا العجيب هذا غدا الاعتذار مفهوما مركبا محاطا بمتغيرات شائكة ومربكة، فالمعتذرون أنواع ومن يقدمون إليهم الاعتذار أنواع في تفرد عجيب، ودعني هنا أعرض لك لمحة موجزة عن كلا النوعين..
أنواع المعتذرون
أولا: المعتذرون: عند ارتكاب الخطأ تجد المعتذرين يبادرون بتقديم الاعتذار وفق منظورات منوعة منها:
الجبان
– من يعتذر خوفا وجبنا وفي قلبه إصرار على ثبات موقفه، فالحاجة تبرر الوسيلة، وأهم كلمتين أونطة وخلاص!
المضغوط
– من يعتذر استجابة لضغوط أشخاص تدخلوا للصلح يحمل لهم في قلبه مكانة راسخة، فيتعذر رغم قناعته بثبات موقفه احتراما وتقديرا لأولئك الذين يحبهم، وليس إقرارا بالخطأ في حق من أخطأ فيه أو بالغ في الإساءة إليه.
غير المعترف بالخطأ
– من يعتذر حفاظا على استقرار أمر ما أو مكان ما أو مؤسسة ما، ليس اعترافا بالخطأ بل احتراما للكيان وحفاظا عليه من الانهيار والتشتت والتفرق، ويبقى ما في القلب راسخا في القلب تجاه من نوجه لهم كلمات الاعتذار.
المعترف بالخطأ
– نوع أخير وهو من تمت الإشارة إليه في بداية الإطلالة، من يعتذر بحق احتراما وتقديرا واعترافا بارتكاب الخطأ في حق غيره وحرصا على تصويب وترسيخ العلاقات الإنسانية الراقية القائمة على الحب والاحترام المتبادل.
أنواع المعتذر إليهم
ثانيا: المعتذر إليهم: المعتذر إليهم في واقعنا الحالي أنواع كذلك في بناء نسقي طريف تجده فيما يلي:
المتسامح
– نوع ممن نقدم لهم الاعتذار يؤمن بالتسامح ويتخذه عقيدة راسخة، فتراه بكل حب يتقبل الاعتذار ويتجاوز عما سبق ويفتح صفحة جديدة لتواصل جديد مغلف بالود والاحترام المتبادل وهذا هو الطبيعي في فلسفة قبول الاعتذار.
الرافض
– نوع يرفض اعتذارك شكلا وموضوعا مهما أبديت من أعذار أو قدمت من مبررات أو سقت شواهد وبراهين تثبت بها وجهة نظرك، باختصار قفل منك للأبد!
المتربص
– نوع متربص يقبل الاعتذار شكلا لا موضوعا، تقبله تحت تأثير الضغط أو احتراما لأشخاص لهم مكانة راسخة في قلبه بادروا بدعم الاعتذار ومساندة المعتذر، فكان قبول الاعتذار احتراما وتقديرا لهم لا غير، بغض النظر عما يحمله القلب للمعتذر والذي لم يقبل اعتذاره موضوعا.
المنتقم
– نوع يتقبل اعتذارك مع قوة رد الفعل المماثل، إذ ينتقم لنفسه انتصافا فيرد لك أولا الصاع صاعين والجرح جرحين والوجع وجعين وبعدها يتفاوض لقبول الاعتذار.
تلك فلسفة الاعتذار المركبة في واقعنا المعاصر، والذي غدت فيه العلاقات الإنسانية خليطا من تفاعلات وتناقضات ومعادلات وألغاز جعلت حياتنا أشبه بمعركة حربية الكل فيها خاسر، والكل فيها تحت الضغط والخضوع لمصيدة الترقب والترصد والاستعداد الدائم للصدام المؤلم المستفز!
ما يجب أن تكون عليه ثقافة الاعتذار
لذا أختم مقالي بخمس كلمات تلخص ما يجب أن تكون عليه ثقافة الاعتذار في واقعنا الحالي:
- اعتذر بشجاعة إن ارتكبت ما يستحق اعتذارك، فالاعتراف بالخطأ أقوى مراتب الثقة في النفس.
- اعف بقلبك عمن تراه اعتذر لك بقلبه ولا تكن مصرا على عدم قبول اعتذاره، فكلاكما بشر ولستما ملكين!
- لا تجرح يوما من بادر بالاعتذار إليك، ولا تغامر بجرح كرامته متعمدا انتصافا لنفسك، فجروح الكلمات أشد فتكا من طعنات السيوف، فاحذر ذلك وكن يقظا.
- لا تدعي الكمال وأنك لا تخطئ أبدا وأنك المظلوم المقهور دائما، وزن كلماتك بميزان عقلك قبل قلبك، ثم اترك لسانك ينطق بها، فمن بادر بالاعتذار صدقا يجب احترامه، لا توبخيه وإذلاله والسخرية منه والتشفي والتربص به وإهانته عمدا والتقليل من شأنه!
- لا تخسر معتذرا تعلم يقينا أنه يحبك ويكن لك في قلبه مكانة راسخة، فلا تغامر بقطع حبال وده للأبد، فهو في كثير من الأوقات لن يعوض إن عبثت بمشاعره أو تعمدت إهانته، فلكل فعل رد فعل وبعض العلاقات يا صديقي كالعمر لن تكون إلا مرة واحدة ولن تعوض.
فلنتسامح الآن، ولنتجاوز، فقطار العمر السريع لن يمهلنا ولن يمنحنا رفاهية الوقت لاتخاذ القرار، فهيا يا صديقي كن أنت أنا، ولأكن أنا أنت، فلن يبق بيننا إلا ما كان.
اقرأ أيضاً:
التعصب والتسامح في مرآة الممارسات التطبيقية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا