علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

مقام التسامح

هيا بنا نعيش من غير هم يؤرقنا، أو غم يزاولنا، الحياة ثقيلة، والمعيشة كئيبة، والمطالب كثيرة، واليد قصيرة، والمرض يتهددنا، والفقر يتوعدنا، هيا بنا نغير الموازين، وننتصر على أثقال الدنيا ومتاعبها، فنحول ترحها فرحا، وصابها عسلا، وذبابها شهدا، وغولها غزالا، ونتنها عودا، وغثها عمودا.

هيا بنا يخفف بعضنا على بعض بابتسامة من القلب، أو تحية من الفؤاد، أو نظرة رقة، أو إيماءة حب، أو شارة ود، أو طاقة ورد، هيا بنا نتصافح، وننسى ما جرى، ونتناسى ما كان، نغفل الكراهية، ونتغافل عن السيئات، ونتذكر الحسنات، ولا نكثر العتاب، وننهي الغباب.

احملوا مشاعل الأمل إلى كهوف النفوس البائسة، والقلوب اليائسة، والأرواح القانطة، عساها أن يشع منها الضوء، ويختفي منها الظلام، خففوا عن الناس آلامهم، وارفعوا أحزانهم، ليكن لكم وِرد المودة مع الخلان قبل وِرد التلاوة والقرآن، واعلموا أنكم لن تسعوا الناس بصيام نهاركم، وقيام ليلكم، وإنما بطيب تعاملكم، ورقي أخلاقكم.

انشغلوا بذواتكم، ولا تغرنكم حسناتكم، فإننا جميعا مخطئون، لكننا –فقط– مستورون، ولو كشف الله عنا ستره لفضحنا على روؤس الخلائق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا تكثروا من العتاب، ولا تطيلوا الجدال والضراب، وإياكم من الغيبة، وحذار من الفتنة والنميمة؛ لا تنقلوا إلا أحسن ما تسمعون، وأطيب ما تشاهدون، ولا تتحدثوا إلا بالعذب من الأقوال، وإن قصرتم في الأفعال. اعلموا أن الله غني عن تمتمات اللسان بالقرآن، ونحن لا نتورع ليل نهار عن إيذاء الأهل والجيران.

تسامحوا .. ارفقوا بالآخرين

تسامحوا فإن الدنيا سرعان ما تزول، فاصفحوا الصفح الجميل، ترفقوا، ترققوا، تمهلوا في الحكم على إخوانكم، تثبتوا، فليس ثمة وقت للبغضاء، أو الحسد والشحناء، أو الكره، أو الحقد، الدنيا فانية، والمناصب زائلة.

هيا بنا نجعل التسامح سيمفونية متناغمة الألحان، تتردد صدى إيقاعاتها، ووقع موسيقاها، لتعم العالم نغمات الود والغرام، وترنيمات الحب والهيام، حتى لا نجعل في الدنيا كلها أي محزون أو مصاب أو سقيم، فإن الحياة التي نعيشها لا تستحق منا أن نقضيها في الشقاء أو التعب أو اللأواء، فما خلقنا الله سبحانه وتعالى كي يعذبنا أو نسعى لتعذيب الآخرين وإشقائهم، فالله رحيم، كتب الرحمة على نفسه، وأمرنا جميعا أن نتعامل بها في حياتنا، ولذلك جاء في الأثر: الراحمون يرحمهم الله تعالى في الدنيا والآخرة.

أيها الناس، ارفقوا بالآخرين، وهدهدوا ذواتهم، واربتوا على صدورهم، وراعوا شعورهم، وطبطبوا على أرواحهم، وطببوا آلامهم، وامسحوا دمعتهم، وخففوا جراحهم، وابتسموا في وجوههم، واحفظوا أسرارهم، وأعينوا ضعيفهم، وارأفوا بسائلهم، واعطوا محتاجهم، وتعهدوا كسيرهم، واحترموا كبيرهم، لا تغدروا، ولا تفجروا، ولا تختصموا، كونوا لهم الكف الحانية، والنظرة الساجية، والقبلة المرطبة، والكتف المطببة، كونوا لهم العصا التي يتوكؤون عليها، ويستندون إليها،

كونوا لهم نعم النصيح، والأخ السميح، وقولوا للناس حسنا، واعلموا أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولا بأبنائكم، ولا بمناصبكم أو عشيرتكم، وإنما بحسن أخلاقكم، ورهافة مشاعركم، وليكن الحب شعاركم، والسكينة دثاركم، والطمأنينة وشاحكم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً:

دعوة للتسامح

الفضيلة ومفتاح السعادة الإنسانية

نحو عهد أخلاقى جديد

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب

مقالات ذات صلة