“الخاتم العظيم”
اكتشاف جديد لأحد أكبر التشكيلات النجمية في الفضاء قد يغير من نظرتنا إلى الكون
من كام شهر فاتوا، علماء الفلك اكتشفوا حاجة كانت مفاجأة بالنسبة لهم، وقلبت المجتمع العلمي كله لدرجة إنها ممكن تغير كل حاجة نعرفها عن النموذج الفلكي اللي نعرفه حاليًا.
تشكيل فضائي مجرّي أكبر من الخيال نفسه، وأضخم من أي حاجة ممكن تسمع عنها في حياتك، لدرجة إنه غالبًا هيلغي الطريقة اللي بنفكر بيها في طريقة تكون الكون وتطوره عبر سنين عمره الطويلة.
طب يا ترى إيه الاكتشاف دا؟ وليه مهم أوي كدا؟! وإزاي ممكن يغير من طريقة تفكيرنا في الكون؟!
هو دا اللي هحكيلك عليه النهاردا، فحضر كوباية الشاي والنعناع في إيدك واستعد، ويلا بينا.
الخاتم العظيم .. لغز كوني كبير
بص يا سيدي، الموضوع كله بدأ من كام يوم كدا، لما (أليكسيا لوبيز) طالبة الدكتوراة بجامعة وسط لانكشاير (University of Central Lancashire) في بريطانيا، اكتشفت خلال بحثها في السما حاجة غريبة في أعماق الفضاء.
الحاجة دي كانت إنها شافت هيكل شديد الضخامة في قلب الفضاء، وعلى بعد 9 مليار سنة ضوئية من الأرض تقريبًا، شكله شبيه بالحلقة، وقطره أكبر من 1.3 مليار سنة ضوئية كاملة!
الهيكل الضخم دا يا سيدي لما اكتشفوه، سموه باسم الخاتم العظيم أو الحلقة الضخمة أو الـ(Big Ring)، ودا عشان هو واحد من أكبر التشكيلات النجمية والمجرّية اللي رُصدت في تاريخ علم الفلك كله، وحجمه لو كان الضوء القادم منه مرئي للعين البشرية، كان هيتجاوز حجم القمر في سماء الليل بما يقارب 15 ضعف!
أنت فاهم يعني إيه تشكيل مجرّي على بعد 9 مليار سنة ضوئية كاملة، حجمه يبقى ضخم لدرجة إنه أكبر من حجم القمر المكتمل بـ15 مرة؟! دا شيء مستحيل تستوعبه إلا لو شفته بعينك، وخيال البشر مستحيل يقدر يتخيل حاجة زي دي!
المهم بقى يا سيدي إنه لما اكتُشف الهيكل الضخم دا، علماء الفيزياء والكونيات كلهم مبقوش مصدقين، والموضوع احتل شاشات الإعلام والصحافة كلها اتكلمت عنه، والدوريات العلمية كلها بدأت تتساءل عن الموضوع المذهل دا، ولو مش فاهم ليه، فالسبب يا صديقي كان إن الاكتشاف دا بيتعارض مع اللي إحنا نعرفه كله عن الكون على المستوى الضخم، وبيناقض النموذج الفلكي أو الـ(Cosmological Principle) اللي علماء الفلك ماشيين بيه بقالهم عشرات السنين!
طب إزاي؟ خليني أشرحلك..
اقرأ عن: الكشف الأكثر غرابة في الفيزياء الكمية!
النموذج الفلكي
شوف يا عم، النموذج الفلكي بتاعنا اللي بكلمك عنه دا، بيتكون من نقطتين قايمين على بعض، أول نقطة القاعدة الأساسية اللي بتقولك إن المنطقة من الكون اللي إحنا بنشوفها بعيوننا وبنقدر نرصدها بالتليسكوبات، شكلها دايمًا وفق مشاهدات علماء الفلك على مر التاريخ، كان المفروض إنه موحد أو (Uniform)، طب يعني إيه الكلام دا؟
يعني المفروض بناءً على المشاهدات الفلكية، إن دايمًا في أي حتة في الفضاء بنصوب عليها التليسكوبات بتاعتنا هنا من على الأرض، بنلاقي إن تعداد الكواكب والنجوم والمجرات فيها متوزع توزيع موحد ومتساوٍ، بمعنى إنك لو لقيت حتة فيها نجوم كتير وحتة تانية جنبها فيها نجوم أقل، فـأنت لازم جنبها هتلاقي منطقة تانية تكون فيها عدد من النجوم يعوض الفرق في العدد اللي كان بين المنطقتين الأولانيين، بحيث إن الكون كله يبقى موحد ومتساوٍ، أو (Uniform) زي ما اتفقنا.
الكلام دا يا صديقي لما علماء الفلك والفضاء اتفقوا عليه، كان معناه إننا توصلنا بالمشاهدة والتطبيق العلمي، لنموذج موحد بنتخيل عليه شكل الفضاء على المستوى الكوني الضخم شاسع الأبعاد، وشكل الكون جوه النموذج دا المفروض إنه مسطح ومنبسط، ودا لأن الجاذبية نفسها بتفرض عليه دا.
هتسألني إزاي؟! هقولك تخيل مثلًا إن الكون دا بساط مفرود في قلب الهوا، لو أنت حطيت في البساط دا كور كتير في المنتصف بس، وسبت الأطراف فاضية، فالبساط دا هينحني للأسفل، أو هيحصل فيه انبعاجات غير متساوية هتؤدي إن شكله ميبقاش موحد، وممكن يوصل لمرحلة إنه يبقى ملتف على نفسه في شكل كروي، ومن ثم تبقى بدايته هي نفسها نهايته، ودا مش الشكل اللي إحنا بنشوفه عمليًا.
لكن لو تخيلنا في المثال نفسه إننا وزعنا الكور على كل منطقة في البساط دا بالتساوي، فهو هيفضل مفرود ومنبسط، ومن ثم هيبقى شكله مسطح وممتد، ومن ثم مالوش حدود معروفة، لأن الكون بيتوسع مع مرور الوقت، ومعدل التوسع بتاعه دا بيزيد بسبب الطاقة المظلمة، ومش بيقل زي ما العلماء كانوا فاكرين زمان.
اقرأ أيضاً: الكون الغامض واحتمالات المستقبل
الكون المنظور ماذا يعني؟
طيب، دي كلها كانت النقطة الأولى في النموذج، إيه بقى النقطة التانية؟
النقطة التانية يا سيدي معتمدة أساسًا ومباشرة على الأولى، بس عشان تفهمها، لازم الأول تفهم حاجة تانية مهمة، المنطقة اللي إحنا بنقدر نشوفها من الكون دي يا صديقي منطقة صغيرة، ومش بتعبر عن الكون بمفهومه الشامل، بمعنى إن في حاجة اسمها الكون المنظور أو الـ(Observable Universe)، اللي هو عبارة عن المنطقة الكونية الضوء اللي خرج منها لحق يوصلنا هنا على الأرض ويقطع المسافة دي كلها، وأي منطقة من الكون بعد المنطقة دي هتبقى خارج مجال إدراكنا واستيعابنا.
حلو لحد كدا؟ تمام.
اللي إحنا بقى كنا شايفينه في الكون المنظور دا يا صديقي، بناءً على المشاهدات السابقة كلها، كان إن الفضاء شكله موحد أو (Uniform) زي ما قلنا، الأماكن اللي رصدناها كلها المفروض إن فيها عدد المجرات والنجوم متساوي ومتوزع توزيع متناسب مع بعضه، بحيث إنها بتأكد أكتر قاعدة الـ(Uniformity) أو التجانس دي.
وبما إن علم الفيزياء في الأساس بيحتوي على قاعدة بتقول إن إحنا مش مميزين وموقعنا في قلب الفضاء مش مميز، إذًا هيكون دا معناه المنطقي إن لازم الكون كله يكون واخد الشكل المتجانس دا نفسه، ويكون أعداد وتشكيلات النجوم والمجرات اللي فيه متساوية ومتناسبة مع بعضها.
بدأت تفهم إحنا رايحين على فين بكلامنا؟
هل النموذج الفلكي خطأ؟
النموذج الكوني المعروف لينا، واللي علماء الفلك قضوا حياتهم ماشيين وراه ومقتنعين بيه، لأنه الشيء الوحيد اللي إحنا رصدناه بناءً على المشاهدات الفلكية، كان بيأكد إن الكون شكله مسطح ومنبسط، وبناء عليه ممتد ومالوش نهاية ولا حافة، بس لما جت بقى (أليكسيا لوبيز) ورصدت المنطقة المجرّية الضخمة جدًا دي، واللي مش موجود زيها في أي حتة تانية حواليها، دا كان بيسبب مشكلة كبيرة جدًا في فهمنا للنموذج اللي حكيتلك عنه دا.
الحقيقة إن المشكلة مكانتش بس بتقتصر على النموذج الفلكي، بل كمان وجود الهيكل المجرّي العظيم دا، على البعد والمسافة دي، وبالحجم دا، كان بيناقض أصلًا النظريات اللي عندنا عن نشأة الكون، ودا عشان الطريقة اللي إحنا فاهمين بيها بداية الكون وبداية تكون العناصر اللي اتحولت فيما بعد لنجوم وبعدين لمجرات، بتقول إن مستحيل في الزمن دا من عمر الكون يكون في هياكل ضخمة توصل للحجم دا بالسرعة دي.
يبقى كدا أكيد في حاجة غلط، يا إما في فهمنا، يا إما في الاكتشاف الجديد دا، مفيش حل تاني!
اقرأ عن: الانفجار الكبير المظلم!
القوس العظيم
المشكلة إن دا مش أول هيكل عملاق هي تلاقيه! بل بالعكس، دي هي نفسها طالبة الدكتوراة دي، لقت هيكل تاني شبهه سنة 2021 سموه القوس العظيم أو الـ(Giant Arc)، وكان حجمه أكبر كمان من الحلقة الضخمة، وممتد لنحو 3.3 مليار سنة ضوئية كاملين!
المشكلة بقى إن الاتنين اللي اكتشفتهم دول، كانوا في المنطقة نفسها والبقعة نفسها من الفضاء، بما يعني إنه لازم ولا بد يكون في زيهم حواليهم في مناطق تانية مختلفة، لو كان النموذج اللي عندنا عن “تجانس” الفضاء صحيح، ودا لم يُثبت خالص لحد دلوقتي، وعشان كدا، فالعلماء حاليًا بيفكروا جديًا في إن النظرة اللي عندنا حاليًا عن شكل الكون على المستويات الضخمة ممكن تطلع غلط، وإننا ممكن نكون محتاجين نظرية وفهم جديد تمامًا لشكل الكون!
طبعًا مش العلماء كلهم مؤمنين بالموضوع دا، وبعضهم بيقول إن الاكتشاف دا ممكن يكون له تفسير إحنا لسه منعرفوش، خصوصًا إنه قبل كدا علماء الفلك بردو كانوا اكتشفوا تشكيلات نجمية ومجرّية أضخم كمان من الاتنين دول، زي سور هرقل-كورونا بورياليس العظيم (Hercules–Corona Borealis Great Wall) اللي حجمه بيمتد لمسافة عظيمة ومذهلة حرفيًا، مستحيل عقلك يتخيلها، تقدر بأكتر من 10 مليار سنة ضوئية!
أسباب وجود الأشكال النجمية الضخمة
عشان كدا في تضارب حاليًا في المجتمع العلمي ما بين التفسيرات اللي بتحاول توصل لسبب وجود الأشكال النجمية الضخمة جدًا دي، ومحدش لسه عارف الحقيقة فين.
الأدهى من دا كله، إن التشكيلات الضخمة اللي بنشوفها دي كلها، هي بس الموجودة في الكون المرئي، ما بالك بقى إيه اللي ممكن يكون موجود خارج حدود الكون المرئي بالنسبة لنا؟
علماء الفلك والفضاء بيقدروا حجم الكون الكامل بما يصل إلى 96 مليار سنة ضوئية تقريبًا بالعرض، يعني لو تخيلنا إننا في المركز، فالكون المفروض وفق الحسابات الرياضية والفيزيائية ممتد لنحو 48 مليار سنة ضوئية في كل اتجاه، والتشكيلات دي كلها إحنا شفناها على أبعاد قريبة نسبيًا، فيا ترى إيه اللي مستخبي في الـ30 مليار سنة ضوئية الباقيين؟
وهل أصلًا اللي باقي كله 30 مليار سنة ضوئية بس؟ ولا النموذج بتاعنا هيطلع غلط زي ما الاكتشافات دي بتوضح، ويطلع شكله مختلف خالص، ويمكن يكون أكبر بكتير من الـ30 مليار سنة ضوئية دول؟!
الله أعلم، محدش عارف ومحدش قادر يجاوب.
والمشكلة إن مع كل يوم بيعدي، الأسرار دي كلها بتتقفل علينا أكتر وبتبعد عننا في الزمن، بسبب سرعة الضوء المحدودة اللي الكون والفضاء نفسه بيتوسع وبيكبر أسرع منها، وفي يوم من الأيام هنحاول نبص على السما عشان نفهم، وهنلاقي مفيش حاجة مقابلانا غير الضلمة والمجهول فقط، وساعتها مهما حاولنا مش هنقدر نوصل للحقيقة بردو.
وعشان كدا، رغم البيانات المتضاربة والاكتشافات المتناقضة كلها، والحيرة والجدال اللي بيدخل فيه العلماء بعد كل حدث زي دا، إلا إنه المؤكد شيء واحد بس..
إننا عايشين حاليًا في العصر الذهبي من عمر الكون، اللي بيسمح لنا نشوف طبيعته الحقيقية ونحاول نفك أسراره.
مصادر:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
