مقالات

في عصر البيانات الضخمة: كيف تفكر تفكيرا بياناتيا؟

ما هي البيانات الضخمة؟

نعيش الآن في عصر البيانات الضخمة ، تلك البيانات التي ولدت نتيجة لتزاوج العلم بالتكنولوجيا، فهي ظاهرة علمية تكنولوجية معلوماتية من الطراز الأول.

تُعرف البيانات الضخمة –فيما يرى بعض المفكرين- بأنها كميات كبيرة من البيانات المنظمة وشبه المنظمة وغير المنظمة، تأتي معظمها من عمليات البحث على الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن المعاملات التجارية مثل: عمليات الشراء، وسجلات العمليات المصرفية، وكذلك من تقنيات إنترنت الأشياء Internet Of Things مثل: أجهزة الاستشعار الطبية، والبيئية، والصناعية، وإشارات نظام الملاحة العالمي، وبيانات الأقمار الصناعية.

إن أحد أهم التعريفات للبيانات الضخمة هو أنها بيانات أكثر من كونها قدرة التقنيات المتوفرة للتخزين والتحليل والمعالجة، حيث إنها عبارة عن أعداد نقوم خلالها بتمثيل الأشياء والظواهر، فهي نتيجة لتطور تاريخي من الأرقام وصولا إلى البيانات الضخمة.

في الحقيقة، فإن البيانات الضخمة ليست سوى تعبير عن الأنشطة الإنسانية وتفاعل الإنسان مع العالم والبيئة المحيطة به؛ فهي في نظرنا ليست سوى مشروع لنظريات مجسدة مما هو واقعي، حيث إن مصدر هذه البيانات هو الواقع الإنساني، ووفقا لهذا الرأي يعبر الإنسان من خلال التكنولوجيا عن الواقع المعيش، ذلك التعبير الذي تصيغه الآلات في شكل بيانات خام يمكن من خلال معالجتها فهم الواقع والسلوك الإنساني ومن ثم محاولة تطويرهما.

التفكير القائم على البيانات وطرق حل المشكلات:

نقدم في هذا المقال مقاربة لكيفية استنباط المعرفة من البيانات الضخمة، وفيها نحاول تفادى بعض الأمور التي غفل عنها العقليون والتجريبيون، وهي مقاربة تحاول أيضا إثبات أن عملية التفكير بياناتيا أو عملية استنباط المعرفة من البيانات الضخمة تستند إلى النظريات كما هي تستند إلى البيانات، حيث تستند مقاربتي إلى قناعتي بأن الإنسان يستطيع جمع المعلومات والبيانات الصغيرة وتحليلها بنفسه بدقة وجدارة، كما يحدث في البحث العلمي التقليدي،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما جمع وتحليل البيانات الضخمة فهي عملية صعبة لا يمكن القيام بها بجدارة وقدرة عالية دون استخدام أدوات التقنية الحديثة؛ وهذا يرجع إلى طبيعة البيانات الضخمة التي تمتاز بالضخامة والتزايد السريع والتنوع، والتي تعد نتيجة لتداخل العلوم مع التكنولوجيات الفائقة، وهذه المقاربة تتمثل في الخطوات الآتية:

أولا: تحديد مشكلة في مجال معين تحديدا دقيقا، مع تحديد الهدف من دراسة المشكلة.

ثانيا: جمع البيانات والمعلومات (وليس البيانات فقط) المتوفرة عن المشكلة المحددة بناء على النظريات المثبتة، من خلال أدوات جمع البيانات.

ثالثا: تحليل البيانات والمعلومات بخوارزميات وأدوات تحليل البيانات ومعالجتها مبنية على نظريات مجال المشكلة المحددة، وملائمة لنوعية بياناتها.

رابعا: ننظر إلى الأنماط والعلاقات والروابط الكائنة بين مجموعات البيانات والمعلومات التي قمنا بتحليلها، ومن ثم تحديد الأنماط والعلاقات والروابط المهمة نسبة إلى مجال المشكلة المحددة.

خامسا: نكوِّن أسئلة، ومن ثم فرضيات نسعى من خلالها إلى الإجابة عن تلك الأسئلة للمساهمة في حل المشكلة استنادا إلى تلك الأنماط والروابط والعلاقات وثيقة الصلة بمجال المشكلة المحددة.

سادسا: نقوم بالبحث عن إجابة للأسئلة المطروحة خلال اختبار هذه الفرضيات على بيانات ضخمة أخرى في مجال المشكلة المحددة، وذلك بعد وضع قواعد ومعايير معينة تتم على أساسها عملية الاختبار، وهذه القواعد والمعايير تحتاج إلى خبرة كبيرة في مجال المشكلة المحددة (النظرية).

سابعا: الوصول إلى نتيجة وتفسيرها وتعميمها. من ثم يمكننا بعد فترة وجيزة إعادة اختبار هذه النتيجة على بيانات ضخمة أخرى في مجالها؛ وذلك لسهولة وسرعة ويسر عملية تجميع وتحليل ومعالجة البيانات في عصر البيانات الضخمة.

 التفكير القائم على البيانات واستنباط المعرفة

بهذا الشكل تسهم البيانات الضخمة في تطوير التفكير التقليدي ونظرية المعرفة العلمية التقليدية التي كانت قائمة على التمركز حول الإنسان (العالِم)، وجعلت من إنتاج المعرفة عملية مشتركة بين الآلة والإنسان (البيانات والنظريات) أو التجريبية والعقلانية، ويطلق على التفكير الناتج عن هذه الطريقة “تفكير قائم على البيانات”، ويسهم هذا النوع من التفكير بدوره في استنباط معرفة أكثر دقة ومعقولية.

تمثل هذه الخطوات منهجية مقترحة للتفكير بياناتيا، ولاستنباط المعرفة من البيانات الضخمة، تدمج بين النظريات والبيانات في غالبية خطوات إنتاج المعرفة، ففي الخطوة الأولى نجد أن عملية تحديد المشكلة والهدف من دراستها تعتمد اعتمادا كبيرا على الخبرة الشخصية للباحث في مجال اختصاصه، تلك العملية التي تستند إلى النظريات السابقة المثبتة في المجال.

وإذا كان التفكير التقليدي والإبستمولوجيا التقليدية بحثا فلسفيا معياريا عن المعرفة مركز بحثهما هو الفرد، فإن التفكير بياناتيا وإبستمولوجيا البيانات الضخمة يمثل بحثا فلسفيا معياريا عن المعرفة أيضا، لكن مركز بحثهما هو البيانات، حيث إن ما يمتاز به هذا التفكير وما تمتاز به هذه الإبستمولوجيا هو الصفة الآلية توليدا وتحليلا.

اقرأ أيضا:

 المعلومات والمعرفة وصناعة القرار

التفكير العلمي والتصدي للشائعات

نعم أنا متشكك

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب