مقالات

Minimalism الحد الأدنى – فيلم وثائقي يجيب عن أيهما أفضل: المادة أم المعنى ؟

بين المادة و المعنى

هل هناك حقا سعادة معنوية وسلام داخلي غير مرتبط بالضرورة بتلبية الاحتياجات والكمالات المادية أم أن من يدعي وجود مثل هذه السعادة، إما فيلسوف مثالي يعيش في عالم موازي أو أنه متوهم تم تخديره ببعض الأفكار في سبيل الحفاظ على نظام يخدم طبقة معينة وأن السعادة الحقيقية لا سبيل لتحقيقها إلا عن طريق جني الأموال لتلبية احتياجات الإنسان والوصول لأقصى حد ممكن من الكمالات المادية؟ وهل حقا عندما نفعل ونختار ما نريد نكون أحرارا؟ أم أنه من الممكن أن تكون هذه حرية وهمية ليست إلا اختيارًا من بين قوسين لا يمكن البحث خارجهما؟

حصر السعادة في المال

ربما تكون المجتمعات الغربية هي أفضل من يجيبنا على هذا التساؤل وبالأخص المجتمع الأمريكي المتحرر حيث إنه النموذج الأمثل للفكر الرأسمالي المتحرر، فمنذ القرن ال17 تقريبا والمجتمعات الغربية تتبنى ذلك الاتجاه القائل بأن السبيل الوحيد لسعادة الفرد ومن ثم المجتمع هي في فهم طبيعة الإنسان وتحليله عن طريق التجارب العلمية والعمل على تلبية احتياجاته التي سنستنتجها من تلك الأبحاث والتجارب وكلما ازددنا علما بطبيعة الإنسان استطعنا إسعاده والعمل على راحته بشكل أكبر وعليه كان النظام الرأسمالي المنفتح الذي بدأ مع ظهور الطبقة البرجوازية، وأخذ في التطور والازدهار في ظل الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي هو النظام الأصلح لتحقيق هذه الرؤية وفقا للأسس التي أرساها “آدم سميث” في كتابه الشهير “ثروة الأمم” لمفهوم الرأسمالية والليبرالية الاقتصادية…

فهو يحث الإنسان على أن يعمل بأقصى طاقة ممكنة للحصول على ما يريد من ملذات وكمالات مادية دون قيد قيمي يعوقه أو تدخل من الدولة في الحياة الاقتصادية ولكن دور الدولة الأساسي هو توفير البيئة الملائمة للاستثمار وحماية الملكية الفردية… وإذا لم يتمكن البعض من جمع المال الكافي لشراء ما يشاء ومن ثم تحصيل أكبر قدر من السعادة، يمكنه اقتراض بعض المال  ليتمكن من العيش في المستوى الاجتماعي المطلوب… وبزيادة العمل تزداد القدرة على الاستهلاك ومن ثم تزداد السعادة لدى الفرد وبالتبعية لدى المجتمع ككل لأن المجتمع ما هو إلا مجموع أفراده وبذلك يعيش الجميع في سعادة ورخاء ورفاهية تامة…

اضغط على الاعلان لو أعجبك

Minimalism – الحد الأدنى

المينيماليزم هي حركة فنية ظهرت في بداية ستينيات القرن الماضي في مدينة نيويورك، وقد تبنت هذه الحركة مجموعة من المفاهيم “كالاستغناء، البساطة، التركيز،… إلخ” في فن التصميم والمعمار ولكنها لم تقتصر على ذلك بل انتشرت في مختلف أشكال الفن كالموسيقى والأدب إلى أن أصبح المينيماليزم أسلوب حياة وتم عمل فيلما وثائقيا باسم Minimalism” about the important things” يعرض تفاصيل هذا الأسلوب وطبيعة الظروف التي جعلت الكثير من الشباب الأمريكي يتبنى هذا الاتجاه وهو ما سنقوم بتحليله في الفقرة التالية…

يبدأ “رايان نيكوديماس” بالحديث عن نفسه في بداية الفيلم قائلا “حصلت على كل ما أردته وكل من حولي قالوا لي إنك ناجح ولكنى في الحقيقة كنت بائسا!” والسبب في كونه كذلك لم يكن في الوحدة أو الغربة أو ما إلى ذلك بل كان ” المعنى “؛ فقد كان هو وصديقه المقرب “جوشوا فيلدز” يعملان معا في نفس الشركة وأخذا في ترقي السلم الوظيفي خطوة وراء الأخرى ساعين وراء المزيد من الإنجاز والنجاح ومن ثم السعادة التي هي غاية كل إنسان…

وفي يوم من الأيام لاحظ “رايان” سعادة ورضا على وجه “جوشوا” لم يعهدهم عليه من قبل، فجلس معه وسأله عن السبب وراء ذلك وكانت إجابته أنه “المينيماليزم” وهو الأداة التي بها استطاع السيطرة على حياته مرة أخرى وأصبح بإمكانه العيش في هذه اللحظة ومن ثم العيش بدون توتر وقلق، وحكى له كيف ساعده هذا التوجه في التركيز على ما هو حقا مهم، وكيفية ابتكار المزيد واستهلاك القليل والبدأ في البحث عن المعنى والغاية الحقيقية من الحياة!

  اللهث وراء المادة والبعد عن المعنى شقاء

وبعد ذلك بدأ يظهر المزيد ممن تبنوا هذا الاتجاه ليعبروا عن السبب فيما وصلوا إليه من فراغ وفقدان للمعنى فيقول أحدهم:

“شعرت بفجوة كبيرة في حياتي فحاولت ملئها كما يفعل الكثير من الناس بالأشياء وبالاستهلاك محاولا الوصول إلى السعادة ولكنى في الحقيقة كنت أعيش من أجل الاشياء”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويقول آخر أن حلمه كان أن يرى العالم ويطَّلع على آفاقه غير المحدودة وكان يعمل من أجل الوصول لهذا الهدف، لكن عندما بدأ يصل لمكانه عالية لم يكن يتوقعها في الشركة التي كان يعمل بها، شعر بكونه محاصرا وأن حياته ستتحول إلى نسخة طبق الأصل من مديره وهو عكس ما كان يطمح إليه تماما فخرج سريعا قبل أن يوقع العقد!

ويقول “سام هاريس” وهو متخصص في علم الأعصاب:

“ينظر الناس إلى المجلات والتلفاز ليروا حياة فاتنة ومبهرة ويبدأوا في التفكير “كيف نستطيع الحصول على ذلك أو الاقتراب منه؟”

ويضيف قائلا:

إن الشيء الذي نكون مهوسين به بعد فترة قصيرة يأتي الإصدار الأفضل والأكثر إثارة منه، فنحن بهذه الطريقة لم نعد نهتم بما نملكه بالفعل، بل الحقيقة هي أن ما نملكه يصبح مصدرا لعدم الرضا، فالعديد يتوقع أن إرضاء كل رغبة تظهر سيجعل حياته أكثر إرضاءً وسعادة ولكن الحقيقة عكس ذلك! وظهرت أخرى تحدثنا عن دور أقسام التسويق في تجديد وتحديث المنتجات لتتحول المواسم الأربعة الأساسية إلى 52 موسم -أي موضة جديدة كل أسبوع-  وبالطبع للإعلام الدور الأهم في تعزيز شهوة الشراء والهوس بالأشياء وحصر الخيارات

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم يحكي “جوشوا” عن الحدث الذي جعله يعيد التفكير في كل شيء, وهو معرفته بكون والدته في المرحلة الرابعة من سرطان الرئة الذي نادرا ما ينجو أحد منه في تلك المرحلة، وعندما كان يجلس بجانبها في دار الرعاية لم يستطع التحكم في بكائه وكل ما كان يندم عليه حقا هو الوقت الذي أهدره بعيدا عنها منخرطَا في العمل لتحقيق المزيد من النجاحات!

الأثر الفردي والإجتماعي للمادية

والفيلم به الكثير من الأمثلة لا يسعنا الوقت لذكرها هنا على خطورة سيطرة الفكر المادي على الإنسان والمجتمع ككل، ويمكننا أن نخلص إلى أن الهدف الأساسي للفكر المادي هو توجيه البشر نحو الاستهلاك بأقصى صورة ممكنه معتمدا في ذلك على الكثير من الطرق المباشرة وغير المباشرة مخاطبا العقل في بعض الأحيان عن طريق النظريات الفلسفية لإثبات صحة أن الغاية الأسمى هي “أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس” كما قال الفيلسوف “بنثام” وبالطبع المقصود بالسعادة كل ما هو مادي ويشبع الرغبات وفي أغلب الأحيان الأخرى يخاطب المشاعر والشهوات…

ولكن هل الفكر المادي ينحصر أثره على المستوى الفردي فقط، بحيث يفقد الإنسان القدرة الوحيدة المميزة له عن باقي الكائنات وهي صنع ” المعنى ” والبحث عن الغاية من كل شيء ومن كل فعل يقوم به ليصبح عقله مجرد خادما مطيعا لشهواته ليس إلا؟

 

بالطبع لا؛ فالأثر الاجتماعي أعمق بكثير فإذا كان الأب منغمسًا في العمل طوال الوقت فأين الوقت للتواصل العائلي والتنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال؟ هل ستلبي أفضل أنواع المأكولات والملابس وحتى المدارس دور القيم والمبادئ والاحتواء الأسري؟ وإذا كان الابن يفكر في أحدث الإصدارات وكان مثله الأعلى أحد المشاهير فهل نتوقع منه إلا التعامل مع الأسرة والوطن كمصدر للأمان والراحة المادية إلى أن يجد من هم أكثر أمنا ومالا؟ وإذا كان جل اهتمام الأسرة هو زيادة المستوى الاجتماعي لأعلى حد ممكن فهل هناك وقت لصلة الأرحام أو لمساعدة الآخرين ونصرة المستضعفين أو الاهتمام بمشكلات المجتمع؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فقدان المعنى

إذا فالنتيجة الحتمية للفكر المادي فقدان الغاية و المعنى والتحول لمجرد اللات بيولوجية وبالتبعية تفكك الأسر ومن ثم تفكك المجتمع الذي ما هو إلا مجموعة من الأسر واختفاء التفكير في الصالح العام وتصاعد الفردية والأنانية بل والحيوانية في المجتمع، فالقوي سيهتم بالحفاظ على قوته وزيادتها وسيعمل على إقامة قوانين تخدمه وتهيء له الاستثمار وتحميه من الضعيف –أطفال الشوارع، المرضى، العجائز… إلخ-

الذي بالطبع في ظل هذا الفكر لا يجب أن ينتظر مساعدة ممن هم أقوى منه بل يحاول اكتساب ما يؤهله للعيش في هذه الغابة الموحشة ولعل ما قالته الفيلسوفة “اين راند” يوضح ما يخبئه كثيرون ممن تبنوا المذهب النفعي والاتجاه المادي كأسلوب حياة ورؤية لما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان.. ويمكن مشاهدة الذي يعضد فكرها سريعا من هنا

اقرأ أيضاً:

تأملات في فيلم الذهب الأسود

مناقشة فيلم شكرا لأنك تدخن

مناقشة فيلم الدائرة

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة

مقالات ذات صلة