وباء البدانة
الوباء مصطلح يطلق على المرض الخطير المستعصي على العلاج، وقد أطلق في أيامنا هذه على فيروس كورونا؛ لأنه وباء لم يجدوا له حتى الآن علاج فعال وأكيد، وإذا ما أطلقناه على البدانة فلا مبالغة في ذلك لأن البدانة أصبح وباء يستعصي على الحل وأصبح ضحاياه كثر ويزدادون يوما بعد يوم، وإذا كانت البدانة فيما قبل من سمات المجتمعات عالية الدخل، فقد باتت اليوم من سمات مجتمعات متوسطة ومنخفضة الدخل حتى أن وباء البدانة وفرط الوزن مسئول عن وفاة مليونين وثمانمائة ألف إنسان سنويا .
أسلوب حياة
شركات الغذاء الكبرى وسلسلة المطاعم للوجبات السريعة المنتشرة في أرجاء الأرض وشركات المشروبات الغازية. هذه الشركات متعددة الجنسيات تملك ميزانية تعادل ميزانيات دول وتفوقها أحيانا كثيرة، تملك من البروباجندا والميديا الإعلامية بمختلف أشكالها الكفيلة بتربية فكرة أن تناول مثل هذه الأغذية المشبعة بالدهون والكربوهيدرات ومكسبات الطعم هو أسلوب حياة.
وطريق السعادة يبدأ من ارتياد مثل هذه المطاعم وتناول مثل هذه الوجبات، ومن هنا بدأت البدانة تظهر و فرط الوزن يستشري، وفي أمريكا نفسها نظرا لحب الأمريكيين للمعلبات والأكلات السريعة بلغت نسبة البدانة فيهم مايزيد على 45 في المائة من سكانها .
التوظيف الثقافي والسياسي
توظف القوى الخارجية الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والمسئولة بدرجة كبيرة عن البدانة وفرط الوزن وما يترتب عليهما من الأمراض الخطيرة توظفها ثقافيا وسياسيا لمصلحتها دون اعتبار للأضرار المترتبة عليها.
هي تقضي بهذا النمط من الحياة على ثقافات الشعوب الأخرى وتضمن للقوى الخارجية الهيمنة على بقية الثقافات الأخرى بمسخها في عيون شعوب هذه الثقافات بإقناعهم أن من علامات التحضر واللحاق بركب التقدم يستلزم تناول مثل هذه الوجبات السريعة وشرب المشروبات الغازية والروحية المختلفة .
وأما التوظيف السياسي للوجبات السريعة فقد استغلته القوى الخارجية في إثبات التفوق على الخصم التاريخي، فالغرب كان حريصا على إثبات تفوقه على القوى الاشتراكية كالصين وروسيا بالحرص على فتح مطاعم لهذه الوجبات فيهما.
جورباتشوف وحفيده داخل مطعم البيتزا في إعلان مصور بروسيا في أوائل التسعينات وسط اندهاش المرتادين للمطعم مرددين أنه جورباتشوف، وكان ذلك إيذانا بنهاية الحقبة الاشتراكية في هذا البلد وتفوق الرأسمالية الغربية، وجورباتشوف آخر الرؤساء السوفيتين قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وصاحب ما يسمى “البروستوريكا” أى “الإصلاح” ،والذي قدم بدوره تنازلات سياسية غير مسبوقة من أجل طمأنة الغرب والتقرب منهم وهو مانتج عنه تفكك الاتحاد السوفيتي في عهده .
الحرية
وحتى نتحرر من هذه الثقافة الوافدة علينا في شكل مأكولات؛ علينا أن ندرك أن هذه الوجبات السريعة والمشروبات الغازية المسئولة بدرجة كبيرة عن البدانة وفرط الوزن لا علاقة لها بأسلوب الحياة السليمة والسعادة والرفاهية المزعومة وهي أداة الغرب لتحقيق التفوق علينا ثقافيا ومعيشيا وحياتيا مع ضررها البالغ على صحة الإنسان، وعلينا أن نرجع رجوعا حميدا مرة أخرى لثقافتنا الأصلية فيما يتعلق بمأكلنا ومشربنا وملبسنا وطريقة حياتنا، ولا ننتظر من الآخر أن يملي ذلك علينا لأنه سيمليه علينا بما يحقق مصالحه لا مصالحنا نحن .
اقرأ أيضاً:
التوصية الغذائية للوقاية من أمراض القلب
