مقالاتقضايا وجودية - مقالات

هل حقا ما نقدسه مقدس … التساؤلات وطريق الإيمان الحقيقي

كثيرا ما نشعر بالفضول تجاه المجهول، فمنذ لحظة تعقلنا الأولى ونحن نتأمل ونتساءل، التساؤلات عن الكون والحياة والإنسان والإله، التساؤلات من قبيل من أين جئنا؟ ولماذا جئنا؟ وغير ذلك الكثير من التساؤلات المصيرية، ولكن مع مرورالوقت تبدأ هذه الحالة –حالة التأمل والتساؤل- بالخفوت والزوال تدريجيا بالرغم من أنها فطرة إنسانية، ويرى البعض أن لرجال الدين يداً فى خفوت واندثار هذه الحالة فهل هذا صحيح؟ وهل إذا قمنا باختبار مدى صحة الإجابات التى يقدمها لنا الدين أو رجاله عن تلك التساؤلات سنكتشف أننا نقدس ما لا يستحق التقديس؟

الإيمان الأعمى والعقل المتسائل

كل هذه التساؤلات تم تناولها فى فيلم الرسوم المتحركة “سمال فوت” أو “قدم صغيرة” ولكن فى إطار كوميدى ملىء بالإثارة والمغامرة والخيال -الذى قد يجعلنا لا نهتم كثيرا بالمعانى الباطنية التى تحملها أحداث الفيلم- فدعونا نستعرض تلخيصا سريعا للفيلم لكى ننطلق منه لتحليل القضية المطروحة…

يبدأ الفيلم بحكاية عن مجموعة من الكائنات الضخمة التى تعيش فوق جبال الهملايا فى عزلة عن البشر، ويفصل بينهم وبين البشر طبقة كثيفة من السحب والأبخرة، وهذه الكائنات تعيش فى مجتمع صغير يستمد قوانينه من “الأحجار المقدسة” التى تجيبهم عن تساؤلاتهم عن أصل الوجود “جئنا من مؤخرة ثور ضخم، والغاية وسبيل السعادة منه” نعمل بجد ونتعاون ونساعد بعضنا البعض لكى نصبح سعداء وإذا شعر أحدنا بالفضول أو التساؤل، عليه أن يكبت هذا الفضول لأن الأحجار قالت “الأسئلة غلط” وتخبرهم أيضا عن ما هو موجود وما ليس بموجود وعن بعض الظواهر الطبيعية “الإنسان أو صاحب القدم الصغيرة غير موجود” “الشمس ما هى إلا حلزون ضخم يحتاج لمن يوقظه كل يوم حتى يوقظ هو بضيائه كل المدينة” ثم يظهر زعيمهم “حارس الأحجار” الذى يقوم بتفسير الأحجار، ويتأكد من كون تعاليمها يتم تطبيقها ويواجه كل من يحاول التشكيك فى الأحجار المقدسة، وعلى الجانب الآخر نجد فئة قليلة من هذه الكائنات لا تؤمن بما تقوله الأحجار وتبحث عن دلائل لتثبت خطأها وعدم قدسيتها، وبالطبع تتعرض هذه الفئة للاستهزاء والنبذ من قبل باقى الكائنات لتشكيكهم وتساؤلهم المستمر وأفعالهم التى تخالف ما تأمرهم به الأحجار، وفى النهاية تتمكن هذه الفئة المنبوذة من إثبات عدم صحة الأحجار لأنهم اكتشفوا أن الإنسان موجود وأن هناك عالم آخر تم حجبه عنهم عن طريق تلك الأبخرة التى كانوا يصنعوها بأنفسهم دون وعى منهم، وأن الشمس ظاهرة طبيعية وليست حلزوناً ضخماً يحتاج لمن يوقظه، وغير ذلك من الحقائق التى استطاعوا اكتشافها والتى كانت تتعارض مع ما تقوله الأحجار…

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هل حقا ما نقدسه هو مقدس؟

إذا أردنا إسقاط رموز وشخصيات الفيلم على الوقع سنجد أن الأحجار المقدسة هى النصوص المقدسة التى بين أيدينا والتى نجد بها إجابة على بعض التساؤلات مثل “من أين جئنا وما هى غاية وجودنا وطريق الوصول للسعادة، وسنجد أيضا أن من يفسرهذه النصوص هم رجال الدين كما كان يفعل حارس الأحجار، وقد نجد مشتركا آخر بين حارس الأحجار و “بعض” رجال الدين وهو منع الشك والتساؤل قدر الإمكان حفاظا على سلامة الإيمان… وهنا يأتى السؤال هل إذا قمنا بوضع “أحجارنا” موضع الفحص والاختبار كما فعلت الفئة المنبوذة سنصل إلى نفس النتيجة؟

فى الحقيقة هذا يتوقف على طبيعة النص الذى بين أيدينا، فإذا كان النص من الإله الذى ثبت افتقارالعالم له فى وجوده واستمرار وجوده وثبتت صفاته بالبراهين العقلية “كالكمال والقدرة والعلم والإرادة”، فمن المستحيل أن نجد فى هذا النص ما يخالف الواقع كما حدث مع فئة المنبوذين لأن خالق العالم -بما فيه العقل الإنسانى الذى يحاول إدراك العالم- هو أيضا خالق النص ومرسله وهو الكامل المنزه عن كل عبث ونقص، فكيف يبعث لنا نصوصا تخالف ما يمكن للعقل والحواس والتجارب الوصول إليها!

وبناءً عليه فاختبارالنصوص وتفسيراتها واجب على كل عاقل باحث عن الحقيقة، ومن يمنع التساؤل والشك يمنعه خوفا أو جهلا وليس حفاظا للإيمان كما يظن، حيث إن الإيمان الأعمى يمهد الطريق لاتباع الخرافات والمعتقدات الفاسدة، ناهيك عن سهولة الوقوع فى تفسيرات خاطئة حتى للنصوص الصحيحة، وبذلك يتحول أتباع النص الصحيح إلى مفسدين للنص نفسه لأنهم يمنعوا وصوله صحيحا، ولنتخذ بعض الأمثلة لتوضيح معنى اختبار النصوص…

مفهوم الإله

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مثلا إذا كنا نتساءل عن “من أين جئنا إلى هذا الوجود” وكانت الإجابة التى يقدمها لنا النص “أننا جئنا من مؤخرة ثور ضخم”، فإننا سنبدأ بالتفكير فى مدى واقعية هذه الإجابة، وبالتحليل المنطقى سنجد أن الموجودات ناقصة، أى تفتقر فى وجودها واستمرار وجودها لغيرها، وهو الكامل منبع الوجود والقدرة والعلم، والثور الضخم ما هو إلا حيوان غير عاقل يتمتع بمزيد من القوة والزيادة فى الجسم، فهل هذه الصفات -التى لدى الثور- تختلف عن باقى صفات الموجودات الناقصة، والتى تحتاج للكامل ليوجدها ويحفظ استمرار وجودها؟ بالطبع لا… إذن فما يقوله “الحجر” عن مصدر الوجود يتنافى مع مفهوم الإله الذى أثبت العقل أن له صفات معينة لا يقوم العالم إلا بها…

تعدد الآلهة

أو مثلا كانت الإجابة أننا جئنا من عدة “آلهة” بمعنى أن كل إله لديه صفة أو بعض صفات الكمال التى لا يمكن للوجود أن يوجد إلا بها، فالأول مثلا لديه العلم والثانى لديه القدرة والثالث الإرادة والرابع الحياة… فبالتحليل الإجابة منطقيا سنجد أنه إذا كان لكل إله صفة أو بعض صفات الكمال لكنه مفتقر للبعض الآخر، فهذا يعنى أنه ناقص ومحتاج لغيره، وبذلك نصل إلى أنهم جميعا مفتقرين للكامل، فلا يمكن أن يطلق عليهم لفظ إله من الأساس، ناهيك عن أنهم سيتنافسون على الوصول للكمال ليتمكن كل منهم من التمتع بتمام الصفات وهذا يتضح جليا فى ديانات التعدد كالديانة المصرية القديمة والديانة الإغريقية… إذن فما يقوله “الحجر” عن مصدر الوجود أيضا يتنافى مع مفهوم الإله الذى أثبت العقل أن له صفات معينة لا يقوم العالم إلا بها…

خلاصة

يمكننا تطبيق ما قمنا به فى الأمثلة السابقة على كل الإجابات “الكلية” التى تقدمها لنا النصوص الدينية أو حراسها لنتمكن من اكتشاف مدى واقعيتها وهل هى حقا مقدسة أم لا، ففى الأمثلة السابقة ظهر لنا أن كل إجابة تتعارض مع وحدانية الإله أو كمال صفاته اللذين تم إثباتهما بالعقل البرهانى الذى يعتمد على مقدمات يقينية ليصل لنتائج يقينية، تصبح واهية وتطعن فى قداسة النص نفسه أو على أقل تقدير تطعن فى من قام بتفسيره إذا ثبت “تواتر” النص الذى بين أيدينا، وإذا دعانا داع إلى اتباعه دون أن يجعل لنا ميزانا “موضوعيا” لتمييز الحق من الباطل علمنا أن دعوته باطلة حتى وإن ادعى أنه إلهي مقدس لأن القداسة لا تُنال بالإدعاء…

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ ايضاً:

غريب أمركم أيها الماديون!! – كيف يعرف الإنسان نفسه ويدرك سبب وجوده ؟

كمال الحب في حب الكمال … عن المعشوق الحقيقي

 المثاليون خبـراء التعطيل.. كيف توصل الفراعنة لبناء الهرم المتين ؟

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

 

 

 

 

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة

مقالات ذات صلة