قضايا شبابية - مقالاتمقالات

هل أستاذ الجامعة مثقف؟

هذه مقالةٌ في الشيوع العام، ليست موجهةً ضد شخص ما، أو مؤسسة بعينها في مكان محدد، وإنَّما كتبناها وصلًا بأطرافِ الأحاديث التي شرعنا فيها من قبل، حول الجامعة مؤسَّسَةً، وأستاذًا.

أستاذ الجامعة بين التعليم والثقافة

إذْ نعمد هنا إلى طرح تساؤل يوشك أن يكون صادمًا لبعض القوم، حين يتوهمون –عرضًا– أننا نسأل عمَّا هو معلومٌ بالضرورة، وكأنِّي بهم ينقضون مشروعية السؤال من الأساسِ، ويتمردون على استحضاره في أفق الذاكرة الجمعية العربية، لأنهم يسلِّمون مطمئنين بهوية أستاذ الجامعة العلمية والثقافية معًا، استنادًا إلى استقراء تاريخيّ واجتماعيّ، تأسَّس في وهج الاستنارة العقلية والفكرية، التي دشنتها بقوة البدايات المتوثبة لجيل الرواد الجامعيين، أمثال طه حسين وأحمد لطفي السيد في الجامعة المصرية، ومن يماثلهما في الجامعات العربية في حينها.

أيضًا من حيث إنَّ أستاذ الجامعة قامةٌ علميةٌ تَدَرَّجَ في سُلَّم التعليم إلى سُدَّته العليا كما هو ماثلٌ للعِيان في دوائر المجتمعات الإنسانية كافةً، وبسبب وشائج تضفر تاريخيًا بين التعليم والثقافة ضفرًا حيويًا وجدليًا، يتبادلان فيه موقع التوليد والاضطراد على نحو ما مكَّن له طه حسين في مشروعه الآسر: “مستقبل الثقافة في مصر”، إذ “المدرسة” مكانٌ لتنشئة العقول، وتحرير النفوس، من ثَمّ ستفضي المدرسة عبر مشروع نهضوي تنويري ومن ورائها الجامعة، إلى مجتمع قوامه الإنساني الذات الحرة المفكرة.

هذا القصد الأسنى هو الذي حمل طه حسين على أن يماثل بين التعليم ممثلًا في المدرسة والجامعة، وبين الثقافة، وبين الثقافة ومستقبل مصر على النحو الأمثل الذي نصنعه نحن على أعينِنا المعصرنة المستنيرة بأنوار العقل حَسْبَ إرادتِنا له، بعد دراسة وتخطيط، غيرَ منتظرين حتى يأتينا وِفْق ريح المصادفة، أو أن يداهمنا بغتةً كخبط عشواء في ليل بهيم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

طه حسين نموذجا

5c414551 c727 44f6 91fc 5ff6e507b8f4 1024x768 - هل أستاذ الجامعة مثقف؟لعلنا بما أسلفناه، نشاء طيَّ كثير جدل في هذا الشأن حين نستدرك ذلك الوعي الألمعي، الذي مثَّله طه حسين بوصفه أستاذًا جامعيًا، لنقرَّ مع المأخوذين دَهَشًا بمفاجأة السؤال عن حقيقة كون أستاذ الجامعة “مثقفًا” من عدمه، بأنَّ أستاذ الجامعة القائم في ذروة سنام التعليم، كِيانٌ إنسانويٌّ مثقفٌ. لقد كان ذلك حقًّا وَقْتَ أن كان التعليم فكرًا متهوِّسًا بأسئلة الاستقلال، والنهضة، والثقافة، والهوية، والعصرية، والعقلانية، وإعادة صياغة المجتمعات العربية لإخراجها من دَمْسِ الظلمات جهلًا، وتخلفًا، ورجعيةً، إلى حتمية اللحاق بركب الحضارة، والإسهام فيها.

من هنا قصد طه حسين إلى التأكيد على أنه “لا استقلال بلا مشروع تعليمي ثقافي من نمط جديد، ولا معنى لوحدة التعليم والثقافة إلَّا في دوريهما في التحول الاجتماعي الذي ينبذ التخلف ومعاييره، ويقترح أفقًا مجتمعيًا حديثًا قابلًا للتحقق”، هذا عينه ما حمل العميد على أن يمكِّن لشعاره الخالد: “التعليم حقٌّ لكلِّ مواطن كالماءِ والهواء”، بل زاد على ذلك فقال: “يجب تعليم الشعب كلِّ الشعب، ويجب تعليم الشعب كلَّ التعليم”.

غير أننا رغم ذلك الإقرار الذي سلف منَّا على نحوه بشرائطه التاريخية، مؤكدين القول إن أستاذ الجامعة مثقفٌ، ورغم زعمنا أن هذا القول الصحيح لا يزال ينطبق على فئة فذَّة من أساتذة الجامعات في مصر والعالم العربي، رغم ذلك كلِّه، فأنا أبوح لك همسًا بكلمات وجيزة تتبدى على فمي خجلى، مغزاها أنَّ كثيرين من أساتذة الجامعات اليوم وإن كانوا متعلمين، فهم ليسوا مثقفين! وحتى لا نُلقي بأحكام جزافية على عواهنها بلا إحكام أو براهين، يلزمنا مناقشة البدهيات من جديد، مثل: ما الثقافة؟ ومن المثقف؟ وذلك على النحو الآتي:

أولا: ما الثقافة؟

رغبةً في طيِّ كلام كثير حول تصور الثقافة، نفيدك وعيًا بأنه مفهوم غامض كثرت فيه الأقاويل، وتعددت الرؤى، واختلفت الفهوم، ولسنا عازمين على الخوض في خضمِّ هكذا مشكل في مقام مقال حرج، وإنما نستصفي لك على عجل، التطور الدلالي لتصور الثقافة، ذلك الذي أفادنا مدلوله المعجمي بتجلية الصدأ عن السيف، أو الرمح، ثم نما لدلالة المهارة في الصناعة.

ثقافة النفس عند شيشرون، أو جملة أساليب الحياة، أو “طريقة حياة شعب معين يعيش معًا في مكان واحد” كما هو الشأن عند إليوت، أو نخلص بك إلى تصور منظمة اليونسكو عام 1982م، إذ حددت الثقافة على أنها “جماع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعًا بعينه أو فئةً اجتماعيةً بعينها، وهي تشمل الإرث الاجتماعي، ومحصلة النشاط الذهني والروحي، والفكر الأدبي والقيمي، ويتجسد في الرموز والأفكار والمفاهيم والنُّظُم، وسُلَّم القيم، والحس الجمالي… أي هي الامتداد المتنوع لجميع المعارف والخبرات الإنسانية، وتشمل المعارف العلمية والأدبية والفنية، والتراث، وطرق العيش، والأذواق، والآداب السلوكية، وقوانين العمل بين الناس”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنَّ بالإمكان تجاوزنا ذلك كلَّه إلى كثافة دلالية تقربك من تصور الجاحظ القائم على الإلمام من كلِّ فن بطرف، أو أن نوحي إليك بأنَّ الثقافة هي المعرفة العامة في سياقها الشامل عن حقائق الواقع، والمجتمع، والإنسان. لكن الركن الأهم الذي نشاء لفت نظرك إليه في شأن الثقافة ليس تصورها فحسب، وإنما الوعي بفاعليتها الدينامية، من حيث هي طاقة كامنة في الذات الفردية والجمعية معًا، الشأن الذي يُكسبها خاصية التحول، وكيمياء التغيير حتى لتصبو بها الأنفس القويمة إلى “العوالم الممكنة” في أفق المستقبل، إنَّها تموضعٌ قادمٌ، وتربصٌ حثيثٌ يتوقان إلى المستقبل، إذْ إن الثقافة بطبيعتها، ذات نزوع مثاليّ نحو الأمثل والأجمل، من حيث هي في جوهرها أيديولوجيا، أو رؤية مشوقة إلى التغيير في اتجاه الكمال، ولعلَّ هذا سرُّ النزاع بين المثقف الحقِّ المفعم بالحُلم، وبين السياسي الذي يستغرق في الواقع، ويريد تبريره، وتسويقه إلى الناس.

اقرأ أيضاً: ما هي الثقافة؟ وما عناصرها؟

تعرف على: سيرة عميد الأدب العربي طه حسين

ثانيًا: من هو المثقف؟

905256646PartTimeMathTeacher - هل أستاذ الجامعة مثقف؟

لا شكَّ في أنَّ تصورنا للمثقف سيختلف باختلاف زاوية النظر إليه، والمرجعيات التي تتأسس عليها تلك الرؤية، وإذْ إنَّ الشأن كذلك فثمة تنوع في التصورات والأطاريح لعلَّها تبدأ بتعدد المصطلح الدال على المثقف في منعرجه التاريخي، مثل: العلَّامة، الحافظ، الشيخ، المتعلم، الشاعر، الفيلسوف، الفقيه، الأديب، الكاتب، الأستاذ، المفكر، المصلح…

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن كلَّ تلكم المصطلحات تتقاطع بنسبة أو بأخرى مع تصور المثقف، وإذا أخذنا بالدلالة التاريخية للأنتلجنسيا فإن طائفة المتعلمين ذوي المهن مثل الأطباء، والمهندسين، والمعلمين، والمحامين، والقضاة، إلخ، يُعدُّون مثقفين، بل إن جرامشي يوسِّع هذه الدلالة، من حيث يرى أن كلَّ إنسان مثقفٌ سواء كانت الثقافة مهنته أم لا، وذلك اتكاءً على معرفته العامة، ومكونه الفكري، وعلى رؤيته للعالم، وتحيزه الاجتماعي والأخلاقي.

هو في هذا الشأن يفرق بين المثقف “العام”، و”المتخصص”، وبين “اليدوي”، و”الذهني”، مؤكدًا أن كليهما لا يخلو من الآخر، وأن المثقف العضوي يلتحم بطبقته التي يخرج فيها، ويعبر عنها ضمن قوى الإنتاج والعلاقات الاجتماعية، وضمن التنظيمات السياسية مثل الأحزاب، والمنظمات، ومن هنا تكلَّم جرامشي عن “المثقف الجماعي” الذي يمثِّله الحزب السياسي.

هل كل متعلم مثقف؟

يمكننا أن نعي ذلك الطرح، ويمكننا أن نضيف إليه وعيًا تقدميًا مثل الذي أطَّره وجسَّده سياسيًا واجتماعيًا ماوتس تونج وكاسترو، في الصين وكوبا، من حيث تأكيدهما على ثورية المثقف، وحتمية التزامه بقضايا العمال، والفلاحين، وهموم عامة الجماهير، والعمد إلى دفع حركة المجتمع نحو التقدمية محاولًا تفسيرها، وقيادتها بالتوجيه صوب الغايات المحددة سلفًا.

مع هذا، فنحن نميل إلى مقاربة هشام شرابي في أطروحته الموسومة بــ”مقدمات لدراسة المجتمع العربي”، من حيث شاء التأكيد على أن المثقف ينبغي أن يتميز بصفتين؛ الوعي الاجتماعي الذي يكفل له رؤية شاملة لقضايا المجتمع وقدرته على تحليلها، والدور الاجتماعي الذي يمكن لوعيه أن ينجزه مستثمرًا في ذلك إمكانياته الفكرية، والمهنية، إلخ.

لذلك يخلص شرابي إلى أن التعليم وحده –وإن كان جامعيًا– لا يُكسب صاحبه صفة “مثقف”، إذْ إنَّ العلم اكتساب موضوعي لا يشكِّل بمفرده ثقافةً بالمفهوم الشامل ما لم يتحقق في المتعلم شرط الوعي الاجتماعي، والدور الذي يلعبه في الواقع تجاه المجتمع وقضاياه، وهنا يتقاطع شرابي مع طه حسين الذي بيَّن أنه ليس كل متعلم مثقفًا، وإنَّما يحسن العلم والثقافة حال تحولهما إلى مصباح يضيء للناس سُبُلَ العيش والحياة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا ابتعد بعض أساتذة الجامعة عن لقب المثقف؟

academic professor teaching holding book 624753 1024x767 - هل أستاذ الجامعة مثقف؟لعلَّنا نخلص من تلك المقاربات التصورية للمثقف، إلى أن التعليم أو العلم وحده لا يصنع مثقفًا، إذ قد يكون الفرد عالمًا في تخصص ما، فإذا أخرجتَه منه إلى قضايا الشأن الجاري في مجتمع محلي أو دولي تلقاه عييًا لا يكاد يُبين، أو إن شئت قلتَ: ربما يعرف شيئًا مشوهًا غير دقيق ولا محكم. إن هذا المعيار وحده كفيل بإخراج عدد كبير من أساتذة الجامعة من دائرة المثقفين، بل إنِّي أزيدك من الشعر بيوتًا –وليس بيتًا واحدًا– حتى تعلم فداحة الشأن الجامعي في مسألة الثقافة والمثقف، وذلك عبر التجليات البرهانية الآتية:

أ. الابتعاد عن الحقيقة

أحسب أن جوهر هوية أستاذ الجامعة أنَّه باحثٌ عن الحقيقة في كل مسألة تعرض له، أو يتعرض لها هو بالتنقيب والمساءلة، وأنَّه يملك من أدوات البحث والمساءلة والتفكير النقدي ما يكفل له إنجاز المقارنات، والاستنباطات، والاستقراءات، وأنَّه ضليع في المقايسة، والجرد، والتنضيد، وماهرٌ في قسطسة الأدلة، ووزن قيمتها البرهانية، إلخ.

كلُّ تلكم الشؤون من مقتضيات الوظيفة الجامعية في شقِّها البحثي، ثُمَّ أنت ترى بأمِّ عينك كيف عُمِّيت الحقائق على كثير من الأساتذة في عديد من الشؤون المجتمعية الجارية، بحيث سَهُلَ إقناعهم بباطل خبيء وإن لم يستغلق على المثقفين الحقيقيين ممن هم خارج الجامعة، بل ومن عامة الناس ممن يملكون فطرةً نقيةً، وذكاءً ألمعيًا بالتربية أو بالوراثة، بل إني لأفجعك بما هو أعظم ألمًا ووجعًا من انطماس البصيرة إزاء الحقيقة، وهو خوف بعض الأساتذة من الحقيقة، وتعمده التدليس عليها. إذًا بعض أساتذة الجامعات لا يملكون كشف الحقائق، وإزاحة الأباطيل، ولا يقبلون بالحقائق حالَ انكشافها لهم عن طريق الآخرين، أي إنَّ الخطر الحقيقيَّ هو اعتلال آلية الكشف، واختلال ميزان العدل، وسطحية الرؤية، وزيف المعرفة.

ب. عدم الانشغال بقضايا المجتمع

تكاد الجامعة ومن فيها يعيشون في عزلة عن المجتمع الذي يوجدون فيه، ويعملون له، وكأنهم في برج عاجيّ، من ثَمَّ فإنَّ كثيرًا منهم ليس منخرطًا في قضايا مجتمعه، بل ليس مشغولًا بها من الأساس، الأمر الذي يفقده الرؤية الكلية الشاملة للواقع وإشكالياته، وللإنسان وأزماته رغم كونه جزءًا منه، وبعضًا من معضلاته.

ج. عدم توظيف المعرفة

هناك ثلَّة من أساتذة الجامعة يملكون معرفةً مهمةً ودقيقةً، لكنهم لا يوظفونها لأجل مجتمعاتهم وقضايا شعوبهم، وإنما توظفهم السلطة لتمكين خطابها، وتأكيد هيمنتها، فقصارى أمرهم أن يعملوا كـ”بيروقراطي معرفة” في مراكز الدراسات، ليعين السياسي على إنفاذ خططه، وتأكيد سطوته.

لذلك فإن تحقق شرط المعرفة المؤثرة فيهم، لم يخلق منهم مثقفين بقدر ما خلق منهم خادمين لأدوات السلطة والتسلط بواسطة المعرفة والثقافة، الأمر الذي كرَّس لسياق جهنميّ، وكهنوت ثقافيّ ينمو ويتغلغل داخل الجامعات العربية على حساب كرامة الإنسان، وحقوق المواطنين، إنَّه “المثقف اليويو” وِفْقَ قصيدة أحمد فؤاد نجم الشهيرة، الذي يسهل طيه، ومدُّه، وتوظيفه لمآرب شتى لا وجاهة فيها، ولا حقَّ يعتريها، ولا أريد هنا أن أسمي لك نفرًا ممن تعرفهم كطلعة شمس في رابعة نهار، عملًا بحرمة الموت، أو هيبةً من وِقار الشيب والشيخوخة، فهؤلاء وأولئك ملء السمع والبصر.

د. إهمال الثقافة العربية

في أصقاعنا العربية على امتداد أطرافها، وبخاصة وزارات الثقافة، أساتذة جامعة هم سدنةٌ للثقافة، وخُزَّانٌ لنارِها المقدسة، يُقيمون عليها ما أقام عسيبُ، لا يحيدون عنها قيد أُنملة، ولا يجدون عنها تحويلًا، بل يتحنثون فيها تحنث الأصفياء المخلصين، يحدثونك عن أثرها في تمكين التسامح في المجتمع وهم عتاة المتعصبين، وعن علاقتها بالديمقراطية وهم دكتاتوريون أفذاذٌ، يملكون الجوائز يمنحونها ويمنعونها، ليس دينهم الثقافة بل المنفعة، وليست غايتهم الإنسان والمجتمع وإنما الاستحواذ والهيمنة، حتى أوصلوا الثقافة العربية إلى وِهْدة ذليلة، وأفرغوها من مضمونها الحيوي وروحها الخلَّاقة المتوثبة، لتتجلى الذات العربية هائمةً في تيه من الزيف والضلال. فهؤلاء ليسوا من الثقافة في شيء، وليسوا مثقفين على الحقيقة وإن حملوا العلم، وخزَّنوا المعرفة.

لعلَّه وَضُحَ الآن أن ليس كلُّ أستاذ في الجامعة مثقفًا، كما أنه ليس كل من يعمل بالفن أو الثقافة مثقفًا، وإنَّما المثقف الحقُّ هو من يمثِّل ضمير مجتمعه، ويقع منه في طليعة الارتياد التي تبصِّره بقضاياه الكِيانية، وشؤونه الحياتية، وإشكالياته المهمة، عامدًا إلى بثِّ الوعي، وتمكين أنوار العقل، وإفساح المجال للحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، منحازًا إلى تلكم الغايات فكرًا، وعقلًا، ووجدانًا، وسلوكًا، وموقفًا.

اقرأ أيضاً: كيف يصاب المثقف بالإحباط؟

اقرأ أيضاً: الجامعات العربية بين شأنين: الافتراض والواقع

دور الأستاذ الجامعي المثقف في المجتمع

المثقف اليوم 1024x629 - هل أستاذ الجامعة مثقف؟لقد ضرب لنا طه حسين –بوصفه أستاذًا في الجامعة– أروع الأمثلة في بصيرته الثقافية تجاه مجتمعه المصري، فاستقال من الجامعة حين ساومته المؤسسة السياسية على أن يواطئ استقلال الجامعة خدمةً لنزوعاتها ومصالحها السياسية، واستقال أحمد لطفي السيد من رئاسة جامعة القاهرة تضامنًا مع طه حسين الأستاذ المثقف الحر، لأنه يعلم علم اليقين دور المثقف في إرهاف الضمير الجمعي، وشحذ الوعي العام، وتبصرة الناس بقضاياهم المهمة والملهمة.

رأينا من خارج الجامعة مثقفين حقيقيين أمثال العقاد الذي تجرَّأ على الملك حين تجرَّأ الملك على الدستور، فسُجن تسعة أشهر، وشهدنا يحيى حقي أنموذجًا أعلى في أنفة المثقف الحقيقي، ونزاهته، واستقلاله، وكذا يوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وسليمان فياض، وإحسان عبد القدوس، وصبري موسى، ورجاء النقاش وغيرهم.

رأينا من خارج جلدتنا العربية المثقف الوجودي الكبير جان بول سارتر، الذي تضامن مع ثوار الجزائر متمنيًا أن يكون ساعي بريد يخدمهم في إنجاح قضيتهم الاستقلالية والوطنية، ورفض جائزة نوبل ووسام الشرف الفرنسي، وبرنارد شو الذي دافع عن مذبحة دنشواي ضد بلاده بريطانيا موظفًا موهبته الأدبية في نقض خطابها السلطوي والاستعماري.

إن المثقف الحق انحيازٌ كاملٌ إلى الإنسانية أيًا كان تجليها جنسًا، ولونًا، وعرقًا، فالإنسان هو الإنسان كرامةً، ورفعةً وسموًا، والثقافة خُلقت لهذه الغاية دون غيرها من وهم الأباطيل التي يرجف بها المثقفون المزيفون. والجامعة الحقُّ ينبغي أن تكون معقلًا للمثقفين الحقيقيين، لأن الجامعة، شاء من شاء، وأبى من أبى، هي صمام نهضة المجتمع، وضمانة عقله المستنير، ووعيه المتجدد، وروحه الخلَّاقة، وخسارتُنا للجامعة معناها خسارتنا للمجتمع كلِّه، وتلك لَعَمْري دويهية تصفرُّ منها الأنامل!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د. عبد الرحمن عبد السلام محمود

أستاذ النقد الأدبي الحديث بكلية الألسن جامعة عين شمس وكلية أحمد بن محمد

مقالات ذات صلة