مقالات

من خطاب أحمد عرابي لمجلة الهلال .. الجزء الثالث

وفي الحال كتبت عريضة إلى دولة رئيس النظار رياض باشا، مقتضاها الشكوى من تعصب عثمان رفقي لجنسه والإجحاف بحقوق الوطنيين، والتمست فيها تشكيل مجلس نواب من نبهاء الأمة المصرية، تنفيذًا للأمر الخديوِ الصادر إبان توليته.

– ثانيًا: إبلاغ الجيش إلى ١٨٠٠٠ تطبيقًا لمنطوق الفرمان السلطاني.

– ثالثًا: تعديل القوانين العسكرية، بحيث تكون كافلة للمساواة بين جميع أصناف الموظفين، بصرف النظر عن الأجناس والأديان والمذاهب.

– رابعًا: تعيين ناظر الجهادية من أبناء البلاد على حسب القوانين العسكرية التي بأيدينا، ولم أذكر قط رفت الشيخ الإسلام كما ذكرتم بهلالكم الأغر، لأنه لا دخل له في أمر العسكرية، وهو كان رحمة الله تعالى خادمًا للشارع الشريف، ثم تلوت العريضة هذه على مسامع الجميع فوافقوا كلهم عليها، فأمضيتها بإمضائي وختمتها بختمي، وختم عليها أيضًا علي فهمي بك أميرالاي الحرس الخديويّ وعبد العال بك أميرالاي السودان.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولما تم ذلك صار ترتيب ما يلزم لحفظ الذات الخديوية وحفظ أعضاء العائلة الخديوية، وحفظ الوزراء والأمراء الوطنيين، إذا حدث أي حادث من الضباط الشراكسة الطامعين في التغلب على البلاد، مع ترتيب اللازم لحفظ البيوت المالية وبيوت التجار من الأجانب والوطنيين من مطامع الرعاع، وحفظنا أيضًا من بطش الحكومة إذا أرادت الإيقاع بنا وانفض الاجتماع على ذلك.

وما دعانا إلى طلب إنشاء مجلس نواب للأمة ينظر في صوالحها ومصالحها إلا ما حل بالمرحوم إسماعيل صديق باشا، الحائز لمرتبة المشيرية التي من لوازمها حفظ صاحبها ولو باستعمال السلاح، في عهد الخديوِ الأسبق إسماعيل باشا، بسبب كلمة حق قالها، وما حل بحضرة السيد حسن موسى العقاد بسبب كلمة عدل أراد بها مساواة الأهالي، الذين دفعوا للحكومة ١٧ مليونًا من الجنيهات المصرية باسم المقابلة، وخمس ملايين أخرى باسم السهام بالأجانب أصحاب الديون، وما حصل لكثير من القتل والخنق في السجون بغير حق ولا تحقيق، بل بمحض ظلم وإجحاف واستعلاء على الناس بالقهر والجبروت بما تأباه النفوس الشريفة.

وفي ضحوة الغد، ذهبت إلى ديوان الداخلية وقدمت العريضة المذكورة إلى دولة رئيس النظار، فقال لنا: “سأنظر في هذا الأمر وأتكلم مع ناظر الجهادية”.

وبعد يومين ذهبت إلى بيت الرئيس المذكور ومعي الأميران المذكوران فلما تمثلنا بين يديه وسألناه عما تم في هذا الأمر قال: “إن هذا الطلب مهلك وهو أشد خطرًا من العرض الذي قدمه أحمد أفندي فني الذي أرسل بسببه إلى السودان”.

وتحرير الخبر أن أحمد أفندي فني هذا كان كاتبًا بديوان المالية، وكان طلب المساواة مع خدمة الديوان المذكور في ظلم حاق به، فكان جزاؤه إرساله إلى مقبرة الأبرياء من المصريين بالسودان، فأجبته بأننا لم نطلب حقًا وعدلًا وليس في الطلب الحق من خطر على أننا نعتبرك أبًا للمصريين، فما هذا التعريض وما هذا التهديد؟ فقال: إنه ليس في البلاد من هو أهل لمجلس النواب، فقلت له: عجبًا إنك مصري وباقي النظار مصريون والخديوِ أيضًا مصري، أتظن أن مصر ولدتكم ثم أعقمت، لا بل فيها العلماء والفضلاء والنبهاء والبلغاء، وبفرض أنه ليس فيها من يليق كما ظننت، أفلا يمكن إنشاء مجلس يستمد معارفكم ويكون كمدرسة ابتدائية، بعد خمسة أعوام يتخرج فيها رجال يخدمون الوطن بصائب فكرهم، ويعضدون الحكومة في مشروعاتها الوطنية؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فانبهر لذلك وقال لنا سننظر بدقة في طلباتكم هذه، فانصرفنا على ذلك، ولما كان يوم غرة ربيع الأول سنة ١٢٩٨ هجرية انعقد مجلس تحت رئاسة الخديوِ بعابدين، حضره جميع الباشوات المستخدمين والمتقاعدين وكلهم من الترك والشراكسة إلا قليلًا من الأوروبيين، وقرروا فيه لزوم توقيف الثلاثة أمراء الألايات الذين أمضوا على العريضة المقدمة، ثم إجراء محاكمتهم في مثل مجلس مخصوص مختلط من رجال الجهادية.

فقال رئيس النظار رياض باشا: إني أرى أنه إذا صار توقيف الأميرالات المذكورين يلزم أيضًا توقيف ناظر الجهادية، لأنه في عدم توقيفه مثلهم خطرًا عظيمًا وذلك لما رأيته فيهم من الجرأة، فلم يوافق المرحوم الخديوِ على ذلك وتعهد ناظر الجهادية المذكور بأنه ضامن لأخذنا بسهولة.

وفي الحال دعا المرحوم أحمد خيري باشا الشركسي، وكان مهردار الحضرة الخيديوية وصاحب الرأي النافذ، فحضر وتلى في المجلس المذكور أمرًا فحواه أن هؤلاء الثلاثة الأمراء أحمد عرابي وعلي فهمي وعبد العال حلمي مفسدون في الأرض، وأنه يقتضي توقيفهم من الخدمة ومحاكمتهم على إفسادهم، ومجازاتهم بأشد أنواع الجزاء في مجلس عسكري فوق العادة تحت رئاسة ناظر الجهادية، وكان من أعضائه أصلون باشا رئيس أركان الحرب وهو أمريكي، وناظر المدارس الحربية أرفي باشا وهو فرنساوي، فوقع الخديوِ عليه وسلمه إلى ناظر الجهادية عثمان رفقي باشا وانفض المجلس بعد ذلك.

يتبع…

اقرأ أيضاً: 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

قاسم أمين والأميرة نازلي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عمرو أبو الحسن المنشد

مدرس أمراض الصدر كلية الطب – جامعة أسوان

مقالات ذات صلة