مقالات

مشروع (باور) لنقل الطاقة لاسلكيا .. حلم نيكولا تسلا يتحقق قريبًا!

في كل مكان على سطح الأرض دلوقتي، وفي وسط كل إمبراطورية ضخمة وجيش عالمي، موجود مشكلة واحدة موحدة، لسة لحد النهاردا في دول بتخسر حروب ودول بتنتصر بسببها، المشكلة دي هي الطاقة.

زي ما انت عارف، كل حاجة مهما كانت متطورة أو حديثة، ما زالت عشان تشتغل بتحتاج طاقة، والطاقة دي عشان تقدر تولدها، بتحتاج بردو الشيء الأساسي اللي لا غنى عنه: الوقود، وفي قلب ساحات المعارك الكبرى، أو الأماكن البعيدة اللي خلف خطوط الأعدا ء، دايمًا الجيوش بتواجه مشكلات كبرى في نقل خطوط الوقود دي، اللي بيحتاجوها عشان يقدروا يشغلوا بيها المعدات كلها اللي بتشكل البنية التحتية ليهم.

عمليات النقل دي دايمًا بتكون جزء من الخطط والترتيبات الاستراتيجية لأي حرب أو عملية عسكرية في أي بقعة من العالم، عشان دايمًا الجيوش بتحتاج تنقل الوقود وإمدادات الطاقة لقواتها المتمركزة في منطقة استراتيجية، ولو اتقطعت خطوط الطاقة دي، ممكن تؤدي لهزائم وخسائر غير مسبوقة لأي دولة مهما كانت متطورة.

الموضوع مش متوقف بس على الجانب الاستراتيجي والعسكري، في أماكن كتير من العالم بعيدة ومقطوعة، وبعيدة كل البعد عن صور الحضارة كلها، زي مثلًا أصقاع سيبيريا وأنتاركتيكا، وغابات الأمازون وصحاري إفريقيا، وعشان تقدر فرق الباحثين والعلماء يوصلوا لها، بيحتاجوا دايمًا تمويل بملايين الدولارات عشان يقدروا يبنوا قواعد للأبحاث، وينقلوا لها وسائل الإمداد بالطاقة، عشان تفضل شغالة في الأماكن البعيدة دي كلها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بس تخيل بقى لو قلتلك إن قطاع الأبحاث التابع لوزارة الدفاع الأمريكية حاليًا بيشتغل على تقنية جديدة، هتلغي الحاجة لدا كله، وهتخلي مهمة توليد الطاقة ونقلها لأي مكان على سطح كوكب الأرض، وحتى في الفضاء نفسه، أسهل سهولة غير مسبوقة في التاريخ البشري!

ودا علشان هما على وشك تصميم وتنفيذ تكنولوجيا هتقدر تنقل الطاقة لاسلكيًا وعلى أبعاد ومسافات ضخمة جدا، باستعمال الليزر!

وبكدا، هيقدروا يحققوا حلم العالِم العظيم، اللي كان سبب أساسي في التطور التكنولوجي كله اللي إحنا عايشين فيه حاليًا، في القرن الواحد والعشرين: نيكولا تسلا.

هات كوباية الشاي بالنعناع في إيدك، وتعالى بقى معايا أحكيلك الموضوع كله من البداية.

برج نيكولا تسلا

شوف يا صديقي، حكايتنا بتبدأ في زمن التمانينيات من القرن الـ19، لما العالِم العبقري الصربي “نيكولا تسلا” كان عنده مشروع طموح بيهدف منه نقل الطاقة الكهربية عبر الهواء ومن دون أسلاك تمامًا، وبكدا، كان ممكن يغير من شكل العالم في الوقت دا تمامًا، ويدخل المجتمع البشري كله في نهضة صناعية وتكنولوجية غير مسبوقة، قبل حتى ما نعرف أو نستوعب إننا كنا على وشك الدخول في نهضة صناعية!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الطريقة اللي “تسلا” كان بيخطط بيها إنه يحقق الإنجاز العلمي الضخم دا يا صديقي، إنه كان عايز يصمم برج إرسال يبث موجات لاسلكية من نوع معين، وبعد كدا تكون في أجهزة استقبال تاخد الموجات دي وتحولها إلى طاقة كهربية، وكان بيعتقد إنه ممكن يعتمد على خصائص كوكب الأرض نفسه، في نقل موجات الطاقة دي لاسلكيًا.

بالفعل كان بدأ مرحلة الاختبارات والتجارب على المشروع دا، لما بنى برج صغير في منطقة شورهام في نيويورك، اسمه برج واردنكليف Wardenclyffe Tower، والبرج دا كان بيبث منه موجات لاسلكية قدر بالفعل يستقبلها ويستعملها في تشغيل مصابيح كهربية، وأثبت إن نظريته حقيقية وينفع تطبيقها فعلًا!

طبعًا زي ما انت متخيل، لما “تسلا” عرض الطريقة دي على المستثمرين وكبار رجال الصناعات الكهربية في الوقت دا، كانت الفكرة اللي اتاخدت عن التقنية دي إنها ممكن تقلب مجال الأبحاث في الطاقة الكهربية رأسًا على عقب حرفيًا، وتغير شكل العالم كله، وتسبب أضرار كبيرة وغير مسبوقة عليهم كلهم، ودا ليه؟

عشان المستثمرين والشركات ورجال الأعمال الكبار كلهم وقتها يا صديقي، كانوا بيشتغلوا على الكهربا اللي بالأسلاك، وكانت صناعة مدفوع فيها ملايين الدولارات، والتكنولوجيا اللي كان بيشتغل عليها تسلا دي كان في إمكانها انها تلغي دا كله، وتخلي الطاقة الكهربية متاحة لجميع الناس في أي حتة وبالهواء من غير أسلاك، وببلاش!

بس للأسف القدر مدالوش فرصة إنه يكمل شغله على الطريقة الثورية دي، ومات قبل ما يكمل ابتكاره اللي كان هيغير شكل العالم كله ساعتها، وبعد مماته، الحكومة الأمريكية استولت على أبحاثه كلها وفضلت الأبحاث دي سرية لعشرات السنين بعدها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

طيب إيه علاقة دا كله بينا؟

اقرأ أيضاً: الطاقة الكهرونووية بين الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل

مشاريع وكالة داربا

POWER Aims to Create Revolutionary Power Distribution Network e1665052875390 1024x575 - مشروع (باور) لنقل الطاقة لاسلكيا .. حلم نيكولا تسلا يتحقق قريبًا!

علاقته يا صديقي إن حاليًا قطاع الأبحاث التابع لوزارة الدفاع الأمريكية أو اللي بيسموه داربا (DARPA) بيشتغل دلوقتي على تقنية جديدة، هتقدر تحقق حلم تسلا القديم، وتنقل الطاقة عبر الهواء من دون استعمال أي أسلاك، بس الطريقة المرة دي هتبقى مختلفة شوية عن اللي اتخيله تسلا، ليه؟ عشان المرة دي هيستعملوا الليزر!

بص يا سيدي، “داربا” دلوقتي شغالين على مشروع اسمه مشروع باور (POWER)، والاسم في الواقع اختصار لجملة (Persistent Optical Wireless Energy Relay)، أو محول الطاقة الضوئية اللاسلكية المستمر، واللي بيعمله بالظبط إنه بيحول الطاقة اللي بتتولد بطرق وأساليب طبيعية إلى ليزر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعدين الليزر دا بيتنقل عبر عدد من المحولات اللي بتطلق في الجو على ارتفاعات عالية، وبتفضل تبعت شعاع الليزر دا ما بينها على مسافات عملاقة، لحد ما بتوصل للمنطقة اللي موجود فيها المنشأة البحثية أو القاعدة العسكرية اللي محتاجة الطاقة.

وأول ما بيوصل شعاع الليزر لهدفه، بيتحول مباشرة إلى الأرض مرة تانية ومحول داخلي بيستقبله، المحول دا بعدها بيعالج الطاقة الضوئية المحمولة جوه الليزر، وبيحولها إلى طاقة كهربية باستعمال نوع من الخلايا الكهروضوئية المتطورة!

طبعًا زي ما انت متخيل، فالتقنية دي هتحتاج عشان تُستعمل بفاعلية إنهم يشتغلوا عليها بطريقة من اتنين، يا إما هيبنولها محولات هنا على الأرض تنقل الليزر دا ما بينها، وساعتها ممكن المحولات دي تتضرب عادي، ويبقى كأننا معملناش حاجة.

وإما الطريقة التانية إنهم يحطوا المحولات دي على (درونز) أو طيارات دون طيار، تفضل موجودة في الجو لفترات طويلة وهي اللي تنقل الليزر ما بينها، ودا بالظبط اللي هما بيشتغلوا عليه حاليًا.

انطلاقة قوية لمستقبل استكشاف الفضاء

مش بس كدا، دول عندهم خطط مستقبلية لإنهم يبنوا شبكة ضخمة من الدرونز دي، عشان يستعملوها في عمل تغطية واسعة لأي مكان موجود على الكرة الأرضية، ويبعتوله طاقة في أي وقت يحبوه وبمنتهى السهولة، وبالإضافة لدا ففي خطط كمان لاستعمال الأقمار الصناعية في المشروع دا.

بمعنى إنهم على مدا ر السنين اللي جاية، هيطلقوا عدد كبير من الأقمار الصناعية في الفضاء، وهيكون الهدف منها ومهمتها إنها تكون جزء من شبكة مشروع (POWER) دا، اللي هتدخل مستقبلًا في مشروعات طموحة وغير مسبوقة للجنس البشري قبل كدا، كلها بتدور في الفضاء.

يعني تخيل إن في المستقبل، وبعد ما تُطلق مهمات آرتميس اللي اتكلمنا عنها قبل كدا، اللي هترجع الإنسان للقمر مرة تانية عشان يبني قاعدة بشرية دايمة هناك، ممكن يستعملوا مشروع (باور) دا في توفير الطاقة اللازمة ليها، عشان يقدر رواد الفضاء اللي هيسكنوا القاعدة دي يستعملوها في مهماتهم.

التقنية دي في الواقع هتكون نقطة انطلاقة قوية لمستقبل استكشاف الفضاء، خصوصًا إن كونها مش بتحتاج أسلاك ولا بنية تحتية، بيخليها عملية جدًا وسريعة التنفيذ وغير مكلفة، وفي نفس الوقت استهدافها شبه مستحيل، لإن مفيش قوة معادية هتقدر تدمر الدرونز أو الأقمار الصناعية الخاصة بالشبكة كلها في وقت واحد، ولو قدرت توصل لموقع واحد ولا اتنين ولا حتى 10 وتدمرهم، فسهل جدًا يطلقوا غيرهم عادي.

تعرف على: ألوان الاقتصاد في خطط التنمية المستدامة

نقل الطاقة لاسلكيا عبر أشعة الليزر

tesla coil fermilab - مشروع (باور) لنقل الطاقة لاسلكيا .. حلم نيكولا تسلا يتحقق قريبًا!

لو بتفكر في إنهم يقدروا يستعملوا تقنيات التشويش التابعة لأقسام التجسس والاتصالات في الجيوش المتطورة، فخليني أقولك إن التقنيات دي أصلًا بتشتغل بإنها تبعت إشارات متكونة من موجات معينة، عشان تأثر على الأجهزة اللي بتشتغل بموجات شبيهة وتوقف عملها، لكن الفكرة بقى إن الليزر اللي هيستعملوه في مشروع (باور) مش هينفع معاه الكلام دا خالص، ومش هيتأثر بتقنيات التشويش التقليدية دي.

يعني لو حد حاول يشوش على عمل الليزر باستعمال موجات كهرومغناطيسية أو أي شيء شبيه، فكل اللي هيعمله إنه هيقدم طاقة أكتر يقدر الليزر يستعملها في تزويد وتشديد قدر الطاقة المحمول جوة، يعني هيزود الليزر قوة!

فتخيل انت مشروع زي دا ممكن يفيد البشرية قد إيه، لو استعملوه استعمال صحيح!

مش بس هيطور من مفهوم الحروب والخطط الاستراتيجية للجيوش، ويلغي تمامًا فكرة الاعتماد على مركبات نقل الوقود، وخطط الإنزال الجوي للوقود، وخطوط الطيران وجسور الإمدادات والحاجات دي كلها، كمان هيغير من الطريقة اللي بيفكر فيها الناس في بناء شبكات الطاقة نفسها.

يعني تخيل مثلًا إن في المستقبل، بدل ما نحفر تحت الطرق والمدن والصحاري والغابات، عشان نمد أسلاك وكابلات طاقة ضخمة، ممكن نبني شبكات ضخمة من الدرونز الطائرة، ونستغلها في نقل الطاقة لأي مكان بالليزر!

وممكن كمان تُطبق التقنية دي باستخدام الأبراج، يعني نبني أبراج طويلة زي أبراج الاتصالات، على مسافات كبيرة من بعضها ممكن تتجاوز الـ1000 كيلومتر، وعلى قمة كل واحد منها يكون في محول ينقل ويستقبل الأشعة الليزرية دي، ويتحكموا فيه بحيث إنه يقدر يوجهها لأي مكان!

اقرأ عن: طقوس العلماء وغرائب العبقرية

نحو مستقبل واعد بلا أسلاك

تخيل إننا ممكن في المستقبل نبني أقمار صناعية متطورة تولد الطاقة في مدار الأرض باستعمال الخلايا الشمسية، وبعدين تحولها لليزر وتطلقها على أبعاد شاسعة جدًا في الفضاء، لحد ما تُرسل إلى القواعد والمستعمرات البشرية اللي هتنشأ في المستقبل على باقي كواكب المجموعة الشمسية!

وبكدا، بدل ما نبقى بندور حاليًا على طرق فعالة لتوليد الطاقة على الكواكب الأخرى باستعمال مواردها، اللي هنحتاجه كله إننا نبني محولات بس، ونستقبل الطاقة بتاعتنا من الفضاء نفسه!

“داربا” يا صديقي بيقولوا حاليًا إن المشروع دا تحت التنفيذ وبيشتغلوا عليه حاليًا، وشايفين إنهم هيقدروا يطبقوه بشكل نهائي وعملي خلال الـ3 سنين اللي جايين، بحد أقصى سنة 2027، ودا كله بدأ من فكرة لـ”تسلا” من أكتر من قرن فات!

قد إيه الراجل دا كان عبقري، وكانت أفكاره فعلًا ممكن تغير من مستقبل الجنس البشري كله، لو كان بس أخد فرصة إنه ينفذها زي ما كان بيتمنى.

لكن للأسف، عمرنا أبدًا ما هنعرف شكل حياتنا كان هيبقى إيه لو كمل حياته وشغله، كل اللي نقدر عليه إننا نتخيل بس!

مصادر:

https://www.popularmechanics.com/military/research/a43713837/darpa-power-military-outposts-wireless-laser-energy/

https://www.engineering.com/story/darpa-to-develop-wireless-power-beaming-technology

https://spectrum.ieee.org/power-beaming-2665745442

https://www.airforce-technology.com/news/darpa-teams-beaming-an-internet-of-energy-through-aerial-relays/

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست

مقالات ذات صلة